رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مَثَل الابن الضال
1- الاستقبال اِعتُبِرَ هذا المـَثـَل دُرّةً ثمينةً في الإنجيلِ لأنّهُ يَتحدَّثُ عَن أبٍ رَحومٍ يَستقبِلُ ابنَهُ الخاطِئَ ويَدعو ابنَهُ الأكبَر للدُّخولِ إلى وَليمَةِ الفَرَح. ما خِبرَتُكَ معَ أبيكَ الأرضيّ؟ هل يُجسِّدُ لكَ الحَنان والرحمةَ والمحبّة، أم شبِعتَ منهُ تَسلُّطًا وقساوةً وتأنيبًا؟ وإن خَطِئ إليكَ أحدٌ، هل تَنتظِرُهُ وتُراقِبُ طَريقَ عَودَتهِ، أم تَتركُهُ وشأنَهُ؟ وإذا عادَ نادِمًا، هل تَستَقبِلُهُ مُنتَقِمًا أم تُسامِحُهُ وتَقبَلُ اعتِذارَهُ؟ هل تُعيدُ لهُ المـَكانَةَ الأولى التي كانَت لهُ في قَلبِكَ؟ جُلَّ مَن لا يُخطِئ! إنَّ اللهَ وحدَهُ لا خَطيئَةَ فيه. أمّا الإنسانُ فهوَ مُعرَّضٌ في كُلِّ لَحظَةٍ مِن حياتِهِ للتجربَةِ وللوقوعِ في الخطأ. تَكمُنُ العِبرَةُ في إصلاحِ السيرَةِ والعَودَةِ عنِ الباطِلِ، خاصةً إن كُنّا نَعرِفُ أنّ إلهَنا رَبٌّ شَفوقٌ رَحوم، يَغسِلُ آثامَنا مهما كانَت، كبيرةً أم صغيرة. قد تكونُ مُشكِلتُنا أننا لا نَعي أخطاءَنا، لذلِكَ يُدخِلُنا لِقاؤنا اليومَ في مَعنى الخطيئةِ ونتائِجِها، ويُلقي الضوءَ على سِرِّ التوبَةِ الذي سنَختَبِرُهُ طيلةَ حياتِنا بعدَ العِماد. يومَ العِمادِ لن نَعترِفَ بخطايانا، أمّا بَعدَ العِمادِ فسَيكونُ مِن واجِبِنا طَلَبُ سِرِّ التوبَةِ منَ الكاهِن. علَّ لِقاءَ اليَومِ يوضِحُ لنا رَحمَةَ اللهِ العَظيمةِ لنا، وفداحَةَ الخَطيئة التي نعيشُها فنَتوبَ عَنها. 2- قراءةُ الإنجيلِ وتفسيرُهُ: مَثَلُ الاِبنِ الضَّال (لو 15: 11-32) 11 وقالَ: كانَ لِرَجُلٍ اِبنان. 12 فقالَ أصغَرُهما لأبيه: يا أبَتِ أعطِني النَّصيبَ الذي يَعودُ علَيَّ مِنَ المال. فقَسَمَ مالَهُ بَينَهما. 13وبَعدَ بِضعَةِ أيَّامٍ جَمَعَ الاِبنُ الأصغَرُ كُلَّ شَيءٍ لَه، وسافَرَ إلى بَلَدٍ بَعيد، فَبدَّدَ مالَهُ هُناكَ في عيشَةِ إسراف. 14 فَلَمَّا أنفَقَ كُلَّ شَيءٍ، أصابَت ذلِكَ البَلَدَ مَجاعَةٌ شَديدة، فأخَذَ يَشْكو العَوَز. 15 ثُمَّ ذَهَبَ فالتَحَقَ بِرَجُلٍ مِن أهلِ ذلكَ البَلَد، فأرسَلَه إلى حُقولِهِ يَرْعى الخَنازير. 16 وكانَ يَشتَهي أن يَملأ بَطنَه مِنَ الخُرنوبِ الذي كانتِ الخَنازيرُ تَأكُلُه، فلا يُعطيهِ أحَد. 17 فرَجَعَ إلى نَفسِه وقال: كم أجيرٍ لأبي يَفضُلُ عنه الخُبْزُ وأنا أهلِكُ هُنا جُوعًا! 18 أقومُ وأمضي إلى أبي فأقولُ لَه: يا أبتِ إنِّي خَطِئتُ إلى السَّماءِ وإلَيكَ. 19 ولَستُ أهْلاً بَعدَ ذلك لأن أُدْعى لَكَ ابنًا، فاجعَلْني كأحَدِ أُجَرائِكَ. 20 فقامَ ومَضى إلى أبيه. وكانَ لم يَزَلْ بَعيدًا إذ رآه أبوه، فتَحَرَّكَت أحْشاؤُه وأسرَعَ فألْقى بِنَفسِه على عُنُقِه وقَبَّلَه طَويلاً. 21 فقالَ لَه الابْنُ: يا أبَتِ، إنِّي خَطِئتُ إلى السَّماءِ وإلَيكَ، ولَستُ أهْلاً بَعدَ ذلِكَ لأن أُدْعى لَكَ ابنًا. 22 فقالَ الأبُ لِخَدَمِه: أسرِعوا فأتوا بِأفخَرِ حُلَّةٍ وألبِسوه، واجعَلوا في إصبَعِه خاتَمًا وفي قَدَمَيه حِذاءً، 23 وأتوا بالعِجْلِ المـُسَمَّن واذبَحوه فنأكُلَ ونَتَنَعَّم، 24لأنَّ ابنِيَ هذا كانَ مَيتًا فعاش، وكانَ ضالاً فوُجِد. فأخذوا يتَنَعَّمون.2. 1- الشرح يُصوِّرُ لنا يسوعُ في هذا المـَثـَل رغبَةَ الابنِ الأصغر في الابتِعادِ والاستِقلالِ عن أبيهِ آخِذًا معَهُ حِصَّتهُ منَ الميراث. أمّا الأبُ، وبالرغمِ مِن مَحبَّتِهِ اللامحدودة ورغبَتِهِ الأبويَّةِ في أن يبقى ابنُهُ في البَيت، فنراهُ يَترُكُ الحُريةَ لهذا الاِبنَ ويَحترمُ قرارَهُ بأن يَكونَ لهُ اختِبارُهُ الخاصّ. انتظَرَهُ حتى عاد؛ قبِلَ توبَتَهُ وأعادَ إليه البُنوَّةَ وفَرِحَ كثيرًا برجوعِهِ. وفي النهايَةِ خرَجَ ليُقنِعَ الأخَ الأكبرَ بالدخولِ والمـُشاركَةِ في الفرح. كلُّها أعمالٌ يُظهِرُ اللهُ مِن خِلالِها رحابَةَ صَدرِهِ بالتعامُلِ معَنا. اِعتَقَدَ الابنُ الأصغرُ أنّهُ سيُحَقِّقُ سعادَتَهُ في العَيشِ على هَواهُ مُنغَمِسًا في الخَطيئَةِ، ولكنَّهُ أدرَكَ أنَّ السعادَةَ التي اِقتناها بالمالِ الزائِلِ لم تَكُن سِوى سعادَةٍ مُزيَّفة أوصَلَتهُ إلى أن يَفقِدَ كرامَتَهُ كابنٍ لله. لقد طلبَ أن يأخُذَ الميراثَ بالرغمِ مِن أنَّ أباهُ كانَ لا يزالُ حَيًّا. اِختارَ أن يَبتعِدَ عن أبيهِ فصارَ في عَوَزهِ نجِسًا يَشتهي أن يَملأ بَطنَهُ مِن طعامِ الخنازير. وعِندَما عادَ إلى نَفسِهِ، وَعى في عُمقِ شقائِهِ وتعاسَتِهِ أنَّهُ قد خَطِئَ، أظهرَ ندامَةً عمليّةً مِن خِلال اقتِراحِهِ بأن يكونَ خادِمًا. فاختِبارُ الحُبِّ الذي سَبَقَ وعاشَهُ في البَيتِ الوالديّ، والتأكُّدُ مِن أنَّ أباهُ أمينٌ في مَحبَّتِهِ، أنضجا قرارَهُ بالعَودَةِ تائِبًا. فقدَ هذا الابنُ صِفةَ البُنوّة، ولكنَّ الأبَ لم يَفقِد صِفةَ الأبوّة. لقد كانَ يَنتظِرُ عَودةَ هذا الابنِ الضَّال لأنَّ حُبَّهُ أقوى من أيِّ نُكرانِ جَميل. لم يَسأل اِبنَهُ العائِدَ عن أسبابِ ذهابِهِ وإيابه؛ ولم يُعاتِبهُ على تَبذير ميراثِهِ، بل اكتفى بأن يَضُمَّهُ إلى صَدرِهِ ويُقبِّلَهُ طويلاً ليَمنَحَهُ الحُبَّ الذي افتَقدَهُ زَمناً طَويلاً. بطَريقَةٍ مُختَصَرة، يَعرِضُ لنا هذا المـَثـَل مَحبَّةَ الآبِ الكَبيرة التي تَغفِرُ خَطيئةَ الإنسانِ عبرَ المـَراحِلِ التالية: 1- الخَطيئَةُ ونتائِجُها: الافتِقارُ للقيَم، الانحِطاطُ الاجتِماعيّ، فِقدانُ الكرامة، العَوَزُ إلى كُلِّ شَيءٍ بسبَبِ خَسارَةِ كُلِّ شَيء. 2- التَّوبَةُ ومُقوِّماتُها: الندامَةُ، الإقرارُ والتَّعويض. 3- الغُفرانُ وثِمارُهُ في الحَياةِ الجديدةِ التي رُمِزَ إليها بأربعَةِ أمور: أ- الثوبُ الفاخِرُ هوَ حالَةُ البرارَةِ مِن خِلالِ استِعادَةِ بَهاءِ صورَةِ اللهِ فينا ب- الخاتمُ هوَ عَهدُ الأُبوَّةِ والبُنوّة، بينَ اللهِ والإنسان، عُربونًا لميراثِ مَلكوتِ السموات. ج- الحِذاءُ هوَ الاتجاهُ الجَديدُ على دَربِ الحَياةِ اليوميَّةِ على خُطا الربِّ يسوع. د- وَليمَةُ العِجلِ المـُسمَّن هيَ المـُشارَكَةُ في وَليمَةِ جَسدِ الربِّ ودَمِهِ في القُدّاس. في هذا المـَثـَل، يَخرُجُ الأبُ مرَّتَين مِنَ البيت. في المرّةِ الأولى لاستِقبالِ ابنهِ الأصغر العائِدِ مِن غُربَتِهِ، وفي المرّةِ الثانية يَخرُجُ ليَتوسَّلَ إلى اِبنهِ الأكبر ليَدخُلَ ويُشارِكَ في الفَرَح وفي العيد. وبالرغمِ مِن اتِّهامِهِ مِن قِبَلِ الابنِ الأكبَر بأنَّهُ كانَ مُجحِفًا بحَقِّ مَن بَقيَ لهُ أمينًا، لم يَتذرَّع الأبُ بالشريعَةِ ليُدافِعَ عن حَقِّهِ الوالِديّ بالتصرُّفِ بمُمتَلكاتِهِ بحُرّيةٍ ما دامَ على قَيدِ الحياة، بل نَزلَ إلى مُستوى تَفكيرِ الابنِ الأكبَر ليُساعِدَهُ على الارتِقاءِ بتَفكيرِهِ إلى مُستوى البُنوّة. وبالرغمِ مِن أنَّ الابنَ الأكبَر لا يتوجَّهُ إلى أبيهِ قائِلاً لهُ «يا أبي»، يقولُ لهُ أبوهُ بِتحَبُّبٍ «يا وَلدي» تعبيرًا عن علاقةٍ حَميمةٍ تَربطُهُ بهِ. وجوابًا على ما يَقولُهُ الابنُ الأكبر: «لمّا جاءَ ابنُكَ هذا»، يقولُ لهُ أبوه: «يَجبُ أن نتنعَّمَ ونفرَحَ لأنَّ أخاكَ هذا كانَ ميّتًا فعاش وضائِعًا فوُجِد». فالتوبَةُ الأعمَق التي يَنتظِرُها الأبُ ليسَت مِن الأصغر الذي عادَ إلى البَيتِ كي لا يَموتَ جوعًا، بل مِنَ الأكبر غيرِ القادِرِ على تَعرُّف أبيهِ مِن جِهَةٍ وتَعرُّفِ أخيهِ من جِهَةٍ أُخرى. 2. 2- التأوين إن عُدنا إلى إطارِ هذا المـَثـَل في بِدايَةِ الفَصل 15 مِن إنجيلِ لوقا لوَجدنا أنَّ يسوعَ يَتحدَّثُ عن مَثلِ الخَروفِ الضَّال خارِجَ الحَظيرة في البَريّةِ (15: 1-7)، ويَتحدَّثُ عن دِرهَمٍ أضاعَتهُ اِمرأةٌ داخِلَ البَيت (15: 8-10). فمَثَلُ الأبِ المـُّحِب (15: 11-32) يتحدَّثُ عن وَلدَين ضاعا: الأصغر في الخارِجِ والأكبر في الداخِل. فأينما كانَ ضياعُنا، في الخارجِ أم في الداخِل، نحنُ مَدعوونَ لمـُلاقاةِ حُبِّ اللهِ الرحومِ الذي يَنتظِرُنا. قد نرى في الابنِ الأصغر صورَةَ الخاطِئينَ والبَعيدينَ وجُباةِ الضرائِب وكُلِّ التائِبينَ الوَثنيين البَعيدينَ عَن شريعَةِ الله. ونرى في الابنِ الأكبر وَجهَ المـُتديّنينَ اليَهود الفرّيسيين وكُلَّ الذين يَدَّعونَ الانتِماءَ إلى الربِّ وإلى قَضيَّتِهِ بينما هُم في غُربةٍ رَهيبةٍ عَن جَوهَرِها وروحِها. فإن كُنّا أخطأنا كثيرًا في حياتِنا وإن اعتَقدنا أننا مُعتَدِلونَ في سُلوكِنا، يَتوجَّهُ هذا الإنجيلُ إلينا ويَدعونا إلى التوبة. العِنادُ لا يُفيدُنا. الندامَةُ تَجلِبُ لنا الخلاصَ وتُفرِّحُ قلبَ الله. يجبُ ألاّ نَغضَبَ ممّا نَعتَبرُهُ اجحافًا بحَقِّنا. بل عَلينا دائِمًا بالتروّي والتساؤلِ إن كُنّا مُخطئين. نحنُ لسنا ديّانينَ للآخرين بل أخوَةٌ لهُم ومعَهُم سائِرونَ على دَربِ التوبةِ الدائِمة نحوَ الحُبِّ اللامَحدود. 3- التعليمُ اللاهوتيّ والروحيّ: سِرُّ التوبةِ والمُصالَحة عِندَما يَنالُ الـمُؤمِنُ سِرَّ المـَعمودية ويَلبسُ المسيح تُمحى كُلُّ خَطاياهُ ويُصبِحُ إنسانًا جديدًا. ولكن، ما العَمَلُ حينَ يُخطِئُ مِن جَديد؟ فالمـَعموديَّةُ لا تُعطى إلا مرَّةً واحِدة. لقد كشفَ لنا الربُّ أنّ رَحمةَ اللهِ كبيرةٌ ولا حُدودَ لها. وأوصانا بأن نَغفرَ بَعضَنا لبَعض مِن دونِ حُدودٍ، كما قالَ لبُطرُس أن يَغفرَ لأخيه سَبعينَ مرّة سَبعَ مرّات. إن كانَ قد طلَبَ مِنَّا أن نَغفرَ فكَم بالحَريِّ هوَ نفسُهُ معَنا؟ لذلِكَ أعطى كنيسَتَهُ مِن خِلال رُسُلِهِ، مَهمَّةَ إعلانِ الغُفرانِ وحَلِّ النَّاسِ مِن الخطايا. لا يُريدُ الربُّ أن يَموتَ المـُؤمِنُ بخطيئَتِهِ، ولا يَرضى بأن تُبعِدَهُ خطاياهُ عَن عَلاقةِ الحُبِّ الكبيرِ التي تَجمَعُهُ باللهِ، وها هوَ مِن خِلالِ سِرِّ المـُصالَحَةِ يَحنو على التائِبِ ويُدخِلُهُ مِن جَديد في الشركَةِ معَه. حينَ يَعي المـُؤمِنُ مِقدارَ مَحبَّةِ اللهِ لهُ يَنظرُ إلى حياتِهِ ويَكتشِفُ أنّ بعضَ أعمالِهِ ومَواقِفِه أو أفكارِهِ أو إهمالِهِ هيَ بمثابةِ الخيانةِ للعَهد الذي قَطعَهُ معَ الربِّ، يَندَمُ عَليها ويُقرِّرُ الرُّجوعَ إلى اللهِ طالِبًا المـُسامَحةَ. توصي الكنيسةُ بأن يَتقدَّمَ المـُؤمِنُ التائِبُ مِنَ الكَاهِن الذي يَسمَعُ اعتِرافَهُ بخطاياه، ثم يَقولُ لهُ ما يراهُ مُناسِبًا مِن تَعليمِ الإيمانِ، وهذا بِمثابَةِ إعلانِ كلمَةِ اللهِ – كما في كُلِّ أسرارِ الكنيسة – ثم يَمنحُهُ الغُفرانَ باسمِ الثالوثِ الأقدس. لماذا الكاهِنُ؟ ألا يَكفي الإنسانَ أن يتوبَ مُباشَرةً إلى الله؟ إنَّ العلاقةَ معَ اللهِ شَخصيِّةٌ طبعًا، ومِنَ المـُفيدِ للمُؤمِنِ أن يَبني معَ اللهِ علاقةً خاصّة، فتتَغذى صلواتُهُ مما يَعيشُ يَوميًّا، شاكِرًا اللهَ على كُلِّ عطاياهُ وواضِعًا أمامَهُ همومَهُ ومشاكِلَهُ، وفي الوَقتِ عَينهِ طالِبًا منهُ الغُفرانَ على خطاياهُ. ولكن إضافَةً إلى هذا الطابَعِ الشخصيِّ للإيمان، للكنيسةِ دورٌ أساسيٌّ. فهيَ قد مَنحَتني المـَعموديَّةَ التي بها انتَميتُ إلى كنيسةِ المسيح، وأصبحتُ عُضوًا حيًّا فيها، وهيَ تُعلِّمُني وتُعلِنُ لي الإنجيلَ وتَشرَحُهُ، وهيَ تَمنَحُني سِرَّ الإفخارستيا. لذلِكَ اهتمَّ المسيحُ بأن يَدعو رُسُلَهُ ويُتلمِذَهُم ويُعلِّمَهُم، قبل أن يُسلِّمَهُم مهمَّةَ إعلانِ الإنجيلِ والدعوةِ إلى التوبة وسُلطانَ غُفرانِ الخطايا. لا يُطلَبُ مِنَ المؤمِنِ أن يَتقدَّمَ كُلَّ يومٍ مِن سِرِّ التوبةِ والمصالَحة، لكنَّ الكنيسةَ توصيهِ بأن يكونَ ذلكَ أقلَّهُ مَرَّةً في السنة. هذا مِن ناحيةِ القانونِ الكَنَسيِّ، لكن في الواقِعِ مِنَ المـُفيدِ أن يكونَ ذلكَ عِدّةَ مرّاتٍ في السنةِ، أي مِن حينٍ لآخر حينَ يرى المؤمِنُ أنهُ قد ارتكَبَ خطايا كبيرة، أو حينَ يَشعُرُ أنّهُ يحتاجُ إلى أن يُجدِّدَ علاقةَ الحُبِّ معَ الله، لأن هِمَّتَهُ قد فَترَت أو إنّهُ ابتَعدَ قليلاً عَن حرارةِ الإيمان. 4- للقراءةِ والتأمُّل: قِراءةٌ مِن أوريجانوس (+253) سِرُّ التوبَةِ المُقدَّس قد يَقولُ المـُستِمعونَ: كانَ الأقدَمونَ أوفرَ حَظًّا مِنَّا، لأنَّ الخطأةَ كانوا ينالونَ مَغفِرةَ خطاياهُم، بِتَقدِمَةِ مُحرَقاتٍ بحَسَبِ طُقوسٍ مُختَلِفةٍ، أمّا نحنُ، فليسَ لنا سِوى مَغفِرةٌ واحِدَةٌ للخطايا، تُعطَى في البِدايَةِ معَ نِعمَةِ المـَعموديّةِ، وبعدَها لا رحمَةَ ولا تَوبةَ للخاطِئ. منَ الأكيدِ أنّهُ يَجدُرُ بالمسيحيِّ، الذي ماتَ المسيحُ من أجلِهِ، أن يخضعَ لشريعَةِ توبَةٍ أقسى. للأقدمينَ كانَتِ النِّعاجُ والكِباشُ والثيرانُ تُذبَحُ، بالإضافَةِ إلى الطُّيورِ، كما كانَت تُرَشُّ زَهرَةُ الطحين. أمّا أنتَ، فابنُ اللهِ قد ذُبِحَ لأجلِكَ، أفيَلَذُّ لكَ بعدُ أن تُخطِئ؟ معَ ذلِكَ، لا تَقطَعْ رجاءَكَ، بل تشجَّع وعِشْ حياةً فاضِلة. لقد سَمعتَ كم مِنَ المـُحرَقاتِ تَنصُّ عَليها الشريعَةُ. فإليكَ الآنَ كم نوعٍ مِنَ الغُفرانِ مَعروفٍ في الإنجيل:الأوّلُ هوَ المـَعموديّةُ لِغُفرانِ الخطايا، والثاني هوَ الاستِشهادُ، والثالِثُ هوَ الحَسَنة، والرابعُ هوَ أن نَغفِرَ نحنُ بِدَورِنا لإخوَتِنا، والخامِسُ هوَ الإسهامُ في ارتِدادِ خاطِئٍ عَن ضلالِهِ، لأنّ الكِتابَ المقدَّسَ يقولُ: مَن يَردُّ خاطِئًا عَن ضلالِهِ يُخلِّصُ نفسَهُ منَ الموت، ويَسترُ جَمًّا مِنَ الخطايا. والسادِسُ هوَ المحبَّةُ العُظمى، بحسَبِ قَولِ الربِّ نفسه: الحقَّ أقولُ لكَ، إنّ خطاياها الكثيرةَ تُرِكَت لها، لأنّها أحبَّت كَثيرًا. والسابِعُ إنّما هوَ التوبَةُ، وهوَ أقسى وأصعَبُ، أعني عِندَما يُبلِّلُ الخاطِئُ فِراشَهُ بدموعِهِ، وحينَ لا يبقى لهُ مِن خُبزٍ يَوميٍّ سِوى الدموعِ لَيلاً ونهارًا، وعندما لا يعودُ يَستحيي مِن كشفِ خطاياهُ لكاهِنِ الربِّ، ليَحصُلَ منهُ على الدواء، على مِثالِ مَن قال: أضعُ خَطاياي أمامي، وإنّكَ غفرتَ جهالاتِ قلبي، وهذا يتجاوَبُ معَ كلامِ يَعقوب الرسول: هل فيكُم مَريضٌ، فليَدعُ كهنَةَ الكنيسةِ ليُصلّوا عليه ويَمسحوهُ بالزيتِ باسمِ الربِّ. فإنَّ صلاةَ الإيمانِ تُخلِّصُ المـَريضَ، والربُّ يُنهِضُهُ، وإن كانَ قد ارتكَبَ خطايا، تُغفَرُ لهُ. (عِظةٌ عَن لاويين 11: 4) |
|