داود يهرب إلى أماكن مختلفة
بعد أن حلَّ روح الله على شاول وعلى رجاله، قابل داود صديقه المحبوب يوناثان وقال له: «مَاذَا عَمِلْتُ وَمَا هُوَ إِثْمِي وَمَا هِيَ خَطِيَّتِي أَمَامَ أَبِيكَ حَتَّى يَطْلُبَ نَفْسِي؟» (١صموئيل ٢٠: ١) فوعد يوناثان أن يكلم أباه عن داود. وعندما كلَّمه غضب وشتمه، وطلب منه أن يهرب لينجو. لقد كان يوناثان صديقاً حميماً لداود، وسبق أن قدم له الحماية، وصالحه مع شاول أبيه. لكنه في هذه المرة رأى أن الصلح مستحيل، ولذلك حذّر داود لكي يهرب. وهرب داود وذهب إلى نوب. ونوب مدينة من مدن الكهنة في شمال أورشليم. وقابل داود الكاهن الذي كان هناك، وأخذ منه «خبز الوجوه» الذي كانوا يضعونه في بيت الرب مدة أسبوع، ثم يبدلونه بخبز جديد. ومن ذلك الكاهن أخذ داود أيضاً سيف جليات. وفي نوب رأى داود واحداً من رجال شاول اسمه دواغ، فأدرك أن دواغ لا بد سيخبر شاول عن مكانه، فهرب داود إلى بلاد الفلسطينيين. وقد حدث فعلاً ما توقعه داود، فقد أبلغ دواغ شاول أن الكهنة يحبون داود ويعطونه الطعام والسلاح. وفي جنونٍ غضب شاول وقتل من الكهنة خمسة وثمانين كاهناً، ثم ضرب مدينتهم بالسيف، وقتل كل من فيها - ما عدا أبياثار ابن الكاهن الذي أعطى داود الخبز والسيف، لأن أبياثار هرب إلى داود. وهرب داود بعد ذلك من نوب إلى بلد من بلاد الوثنيين اسمها «جت» ولما وجد أنه في خطر تظاهر بالجنون، فتركوه ليذهب إلى مكان آخر. فهرب داود إلى مغارة اسمها عدلام وهي قريبة من بلده الأصلية بيت لحم. وسكن هناك، فاجتمع إليه المتضايقون وسكنوا معه. وقد استطاعت عائلة داود أن تزوره هناك.
وسمع داود أن الوثنيين هاجموا مدينة اسمها قعيلة، وجعلوا ينهبون محصول القمح منها. ولما كانت قريبة من مغارة عدلام، ذهب داود في شجاعة إليها ليحارب الوثنيين، وانتصر عليهم وخلّص قعيلة. وعندما سمع الملك شاول أن داود في قعيلة، أسرع إليها ليمسكه ويقتله. وعرف داود من الله أن أهل قعيلة سوف يسلمونه إلى الملك شاول، فهرب إلى مكان خرب مقفر اسمه «برية زيف». وسمع يوناثان ابن الملك شاول أن صديقه داود موجود في برية زيف، فذهب إليه وشدَّد يده بالله. وما أجمل ان يسمع الإنسان منا تشجيعاً أن الله معه. عندما تظلم الدنيا في وجوهنا نحتاج إلى كلمة رجاء وأمل، ونشكر الله أن كلمة الرجاء والأمل في وسط الظروف الصعبة موجودة دائماً في مواعيد الله الأمينة. ما أجمل أن تكون أنت صديقاً صالحاً تعطي تشجيعاً لنفس حائرة. وما أجمل أن يرسل الله لنا كلمة تشجيع في ضعفنا وضيقنا على فم صديق يحبنا.
وذهب سكان برية زيف إلى الملك شاول وأخبروه أنهم سيسلمونه داود. ولكن الله أنقذ داود، فإن شاول وهو في طريقه ليقبض على داود، سمع أن الأعداء قادمون ليحاربوه، فرجع ليدافع عن أرضه، وهكذا أنقذ الله داود. وصار اسم برية زيف «صخرة الزلقات» لأن شاول عثر وانزلق ولم يقدر أن يمسك داود فيها. وانتقل داود بعد ذلك من برية زيف ليسكن في حصون «عين جدي».
نرى من هذه القصص جميعاً أنه عندما يأتي العدو كنهر فنفخة الرب تدفعه (إشعياء ٥٩: ١٩). وكما أنقذ الله داود ينقذك أنت من العدو الذي يقاومك، ومن الشيطان الذي يجول حولك ملتمساً أن يبتلعك، ومن الخطية الساكنة فيك والتي تسبيك إلى الشر الذي لا تريده. ما أجمل أن ننفذ الوصية التي تقول: «فِي كُلِّ طُرُقِكَ ٱعْرِفْهُ وَهُوَ يُقَوِّمُ سُبُلَكَ» (أمثال ٣: ٦).