رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بهجته بالغنائم إن كانت مقاومة الرؤساء مرة، لكن انشغال قلب داود النبي بكلام الرب ولَّد فيه طاقات بهجة، إذ اكتشف ما تحويه من وعود وبركات سماوية. إذ كان قد جزع قلب المرتل من أقوال الله حمل مخافة الرب، إلا أن هذه المخافة الإلهية التي تحل في قلوبنا تعطى أيضًا بهجة، حاسبين كلمة الله كنزًا ثمينًا، لا يمكننا التفريط فيه. إنها ليست المخافة التي تطرح المحبة الكاملة إلى خارج (1يو 18:4)، بل من ذلك النوع الذي تغذيه المحبة. باسم كنيسة العهد الجديد يعلن المرتل بهجته بأقوال الله التي تسلمها من كنيسة العهد القديم كغنائمٍ كثيرة تقدم لنا المواعيد الإلهية والناموس والعهود والنبوات والرموز، هذه التي لم يدركها كثير من اليهود رافضوا الإيمان بالمخلص. يقول المرتل: "ابتهج أنا بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة" [162]. عوض الانشغال باضطهاد الرؤساء ومقاومتهم ابتهجت نفس المرتل بوعود الله والغنائم التي اقتناها خلال كلمة الله. في كل معركة روحية ضد إبليس يخرج المؤمن غالبًا، حاملًا غنائم كثيرة. هي أعماق جديدة في الشركة مع الله وتمتع أكثر بثمار الروح القدس. ما أعظم الفرح الذي يملأ قلب الغالبين وهم يقتسمون الغنائم، وما أعظم فرح المؤمن الغالب عندما يكتشف نصيبه في وعود الله وغنى كنوزه. * إنه لأمر يستحق البحث أن نعرف لماذا يربط البهجة بالكلام "كمن وجد غنائم"؟ إن أخذنا في الاعتبار من هم الذين كان لهم كلام الله فيما مضى، وإذا فهمنا من هم الذين صار لهم هذا الكلام الآن، لأدركنا أننا نحن المسيحيين قد سلبنا (جردنا) اليهود، وذلك كقول السيد المسيح: "ملكوت الله يُنزع منكم ويعطي لأمة تعمل أثماره" مت43:21. كثيرة هي الغنائم، أي الأسفار المقدسة، هذه التي لا يمتلكها اليهود الآن، لأنهم لا يعرفون معناها. العلامة أوريجينوس يشكو العلامة أوريجينوس من بعض المسيحيين الذين يقاومونه لأنهم يصرون على التفسير الحرفي للكتاب المقدس، ويضطهدون المدافعين عن التفسير الروحي، قائلًا: [أصدقاء المعنى الحرفي يصرخون ضدي في افتراءٍ. إنهم يهاجمونني قائلين بأنه لا يوجد حق ما لم يستقر على الأرض. أما من جهتنا نحن (كعبيد لإسحق) فيلزمنا أن نفضل آبار المياه الجارية والينابيع الحية. لنهرب من مثل هؤلاء الرجال بحرفهم الذي لا يحمل الحق. لنترك لهم الأرض ما داموا يحبونها هكذا ولنبلغ نحن إلى السموات(125).] * إذ أشار إلى الأعداء الذين يضطهدونه تحدث عن "الغنائم". يقول إن قتلتهم جميعًا وجمعت كل غنائمهم فلن ابتهج بها قدر ابتهاجى بقولك. الأب ثيؤدوريت * تؤخذ الغنائم من المنهزمين، فإذ يُغلب (الشيطان) تُنهب الغنائم منه، هذا الذي قيل عنه في الإنجيل: "إن لم يُربط القوي أولًا" مت29:12. وُجدت غنائم كثيرة نعجب منها: نرى احتمال الشهداء، فإنه حتى المضطهدين أنفسهم آمنوا، هؤلاء الذين خططوا لإيذاء ملكنا بإيذائهم جنوده. من يقف في جزع من كلمات الله يخشى لئلا ينهزم، فيفرح كغالبٍ بنفس هذه الكلمات. القديس أغسطينوس لئلا يُفهم من الغنائم أمورًا مادية أو سلبًا لحقوق الغير كغنائم الحرب، يكمل المرتل كلماته، قائلًا: "أبغضت الظلم ورذلته، أما ناموسك فأحببته" [163]. الحب والبغضة هما قائدا العواطف الإنسانية، إذا وُضعا في اتجاههما الصحيح أو تقدسا في حياة الإنسان تتحرك بقية العواطف كما ينبغي. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). هذا ما حدث مع داود النبي إذ أحب الله وكلمته وخليقته، وكره الشر والظلم وقوات الظلمة، أحب الحق وأبغض الكذب والباطل. * إنها كلمات إنسان صديق، لا يمتنع عن ارتكاب الظلم فحسب بل ويبغضه... يريد القول: إنهم يبغضوننى ويشمئزون مني، كأني فار ميت أو جثة إنسان، أو إنسان أبله، أما أنا فأبغض ما يستحق البغضة... أي الظلم. على نقيضهم لقد أحببت ناموسك، ولم أفهمه كما يفهمونه هم، فهم يستخدمونه في أمور أرضية ويهبطون به إلى حقائق العالم السفلي. فإن كنا قد قمنا مع المسيح فلنهتم بما هو فوق لا بما على الأرض (كو 1:3-2)، ونفهم الناموس بمعناه الروحي. القديس ديديموس الضرير * هذا الجزع من كلماته لا يخلق كراهية... بل يسند الحب فلا يكون قليلًا. فإن كلمات الله ليست إلا ناموس الله. حاشا أن يتحطم الحب بالخوف، مادام الخوف نقيًا. هكذا يخاف الابناء الودودين آباءهم ويحبونهم في نفس الوقت. وهكذا تخشى الزوجة العفيفة رجلها لئلا يتركها، وتحبه فتنعم بحبه. بالأكثر جدًا بالنسبة لأبينا الذي في السموات (مت9:6)، والعريس الأبرع جمالًا من بني البشر (مز2:14)، ليس حسب الجسد بل في الصلاح. لأنه بواسطة من يُحب ناموس الله إلا الذين يحبون الله؟ وأية شدة يقدمها ناموس الأب لابنائه الصالحين (عب6:12)؟ لنمدح إذًا أحكام الآب حتى عندما يجلد، مادامت وعوده بالمكافأة تكون محبوبة. القديس أغسطينوس |
|