رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديس غابريال لسيّدة الأوجاع
وُلد في 1 آذار 1838، في أسيزي- إيطاليا، بلدة القديس الكبير “فرنسيس الأسيزي”، فسُمّي على اسمه “فرنشيسكو”. نال معموديّته في اليوم نفسه، في الكنيسة نفسها التي اعتمد فيها هذا القديس. عَرف غايرياليه الألم منذ نعومة أظافره، إذ شهد على وفاة أختين له وأمّه اللواتي توفّين تباعاً، وما لبثت أن توفّيت أختٌ ثالثة بعد فترةٍ وجيزةٍ، وهو لا يزال في الرابعة من عمره. ثمّ توفّي أخوَين آخرَين بعد بضع سنوات. (إثنين من إخوته ترّهبا ونالوا سرّ الكهنوت) ترك مشهد أمّه المنازعة تأثّرًا عميقًا في حياته، وصورةً لأمّ الأوجاع “مريم العذراء” تحت الصليب. فحمل في قلبه منذ الصغر، إكرامًا وحبًا فريديَن للعذراء مريم… لم تكن طفولته ملائكيّة عجائيبّة، بل مرحةً ولا تخلو من النواقصَ والهفوات. في عمر الثالثة عشر، أُصيب فجأةً بمرضٍ خطير كالذي أَودى بحياة إخوته، حتّى لامس الموت. فوعد الرب بدخول الدير في حال أنعمَ عليه بنعمة الشفاء، فنال مَطلبه وشُفي. لكنّ حبّه للعالم وأباطيله أخمدا في قلبه هذا الوعد ! فأخذ يقرأ الكُتب والأشعار الرومانسيّة بإسراف، حتّى الإدمان، بالإضافة الى الفن المسرحيّ والرقص، ليعترف مُتحسّرًا فيما بعد: ‘‘ أيُّ عمًى كنتُ فيه ! لم أعش إلّا مِن أجل الدّخان … إنّ الله- الكليّ القُدرة- كان يَنتظرني مُنذ زمنٍ بعيد، غير أنّي لم أعِره أيّ انتباه، بل بقيت تائهًا، أُهُينُه في العالم’’. بعد ثلاث سنوات، أُصيب بالتهابٍ في الرّئتين، ومرّةً جديدة أشرف على الموت. فتوسّل نعمة الشفاء، واعدًا الربّ بدخول الدير إن شفي… وبعد أن حَصلت الأعجوبة الثانية في اليوم التالي، نسي وعده مِن جديد. في صيف 1856، أقام سكّان “سبوليتو” (التي ترعرع وكبُر فيها) مسيرةً بأيقونة بيزنطيّة عجائبيّة لوالدة الإله، طالبين منها التدخّل لتضع حدًّا لمرض “الكوليرا” الذي فتك بالمدينة… شفت العذراء بعد هذه التضرّعات، كل الذين بُليوا بهذا المرض. ولم تُسجَّل بعدها أيّة إصابة جديدة ! بعد ثمانية أيّام، تحديدًا يوم 22 آب (الذي صار لاحقًا “عيد قلب مريم الطاهر” في الكنيسة) شارك “فرنشيسكو” بالمسيرة الثانية التي أُقيمت لِشُكر العذراء، وعندما اقتربت الأيقونة نحوه، دبّت الحياة فيها، ونظرت إليه العذراء وقالت له بصوتٍ داخليٍّ في قلبه: فرنشيسكو”، العالمُ ليس لكَ (…) أسرِع وترهّب!’’ بعد هذه الحادثة دخل دير الإبتداء، ولبس الثوب الرهبان، في عيد سيّدة الأوجاع 1856 واتّخذ اسم “غابرياليه لسيّدة الأوجاع -أو- للعذراء المتألّمة منذ بداية حياته الرهبانيّة، أظهر “غابريال” تَصميمًا زاخِمًا في العمل على تحسين ذاته، واكتساب الفضائل فقهر رذائله وشهواته. وقد شهد معلّمه الأب نوربرتو (الذي كان مرشده خلال كلّ مسيرته الرّهبانية حتّى وفاته) أنّه: “لم يكن ليؤخّره أيّ شيءٍ في مسيرته نحو الكمال … وإذا حُرِم مِن التعزيات الحسيّة، مَلأ واجباته بالحرارة ذاتها وبسخاء القلب نفسه، من دون أن يستسلم أبدًا لتهاونٍ إراديٍّ (…) سألت نفسي مرّاتٍ عديدة، إن كان هناك من فضيلةٍ واحدةٍ لم تتألّق فيه، أو إن كان بإمكانه أن يمارس هذه الفضائل بكمالٍ أكبر، وكنتُ دومًا مضطرًا على الإيجابة بالنّفي !(…) “ وهذا ما يؤكّده ملف طلب تقديسه الذي رُفِع الى الفاتيكان، أنّ كلّ مُمارسته للفضيلة كانت بطوليّةً بالفعل، حتى يوم وفاته. لطالما شعر “غابريال” أنّه سيموت شابًا. وإنّ إتّحاده العميق بالله واضطرام محبّته له، جعلاه يطلب منه نعمة الموت بمرض السّل، حتّى يتمكّن من أن يرفع تنهّداتٍ حبٍّ له، حتّى النفس الأخير، وكي لا يرتكب أيّ خطيئة صغيرة تجاه عزّته ! كان الأب نوربرتو، يأمره بأن يزيد على صلاته: “إن كان ذلك لمجدك يا ربّ، ولخير نفسي.” وبعد أربع سنواتٍ من حياةٍ خدمةٍ ديريّة ودراسيّة مليئةٍ بالنشاط وبينما هو يحلم وينتظرُ بشوقٍ بأن يصير كاهنًا على مذبح الرّب، استجاب الرّب صلاته وأصيب بمرض السلّ في السنة الخامسة. عندما طلب منه الاب نوربرتو أن يسأل الله نعمة الشفاء، قال له: “إسمح لي أن أطلبَ ميتةً صالحة، لأنّ أخطار إهانته في هذه الحياة كثيرة …” تكبّد “غابرياليه” آلامًا شديدةً، غير أنها لم تستطع أن تُعكرّ صفو سلامه وفرحه، وأعلن في هذه المرحلة أنّ ألمه الوحيد كان انتظاره المُمِلّ (للموت) ! وعندما أُعلِم بضرورة مناولة القربان الأخيرة ونيله مسحة المرضى، إستنار وجهه بفرحٍ عجيبٍ، نصحه مُرشده بأن يعتدل بإظهاره. أعلن ذات مرّةً بشجاعةٍ قائلًا: “أتريدون أن تعلموا ما هو شعوري؟ إنّني أؤكّد لكم أنّ الموت لا يخيفني البتّة، بل إنّ السرور الذي أشعر به عندما أفكر به، هو ما يقلقني لكونه قد يحتوي على بعضٍ من حبّ الذات.” في عشية 26 شباط 1862، ألمّت به تجارب الشيطان الأخيرة، فصرخ على فراش الألم ثلاثةً: “جراحُكَ يا رب، هي استحقاقاتي”. في صباح اليوم التالي ضمّ على قلبه صورةً تمثّل المصلوب مع سلطانة الشهداء، وقبّلها وبلّلها بدموعه، مُتطلّعا الى العلى قائلًا: ” آه يا أمّي أسرعي” … ثمّ أسلم “غالبريال الروح، في صباح 27 شباط 1862، عن عمرٍ الـ 24 سنة، وعلى وجهه ترتسمُ معالم الفرح والورع، مُحدّقًا نحو الأعالي، كأنّه يرى رؤيا سماوية… تمامًا كالقديسة تريزيا الطفل يسوع. بعد وفاته بأعوامٍ قليلةٍ، انتشرت أخبار فضائله بسرعةٍ كبيرة في إيطاليا، وصارت الجموع تحتشد بالآلاف حول ضريحه في Isola Del Gran Sasso لأخذ البركة والصلاة وطلب النّعم. وحتّى الساعة، لا تزال تُسجّل عجائب وشفاءات لا تُحصى حول العالم بشفاعته. أعلن البابا بيوس ال9 تطويبه في 31 أيار 1908، والبابا بنيدكتوس ال15 قداسته، يوم 13 أيار 1920، مع إعلان قداسة مارغريت ماري ألاكوك، فأي عنايةٍ إلهيّة هذه، أن يُعلن قديسًا مع رسولة القلب الأقدس، في عيد سيّدة فاطيما، التي في ذاك الظهور (13 أيار 1917) طلبت التكرّس لقلبها الطاهر، هي التي كلّمته يوم عيد قلبها؛ 22 آب 1856 ! هو الذي حمل اسم آلام قلبها، وعزّاه وتأمّل بفضائله ونِعمه، واتّحد به، ليتّحد بربّه يسوع وبآلامه الخلاصيّة ؟ عام 1926، أُعلن ” القديس غابريال” شفيع الشبيبة الكاثوليكيّة الإيطاليّة. |
|