![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حزقيال والرؤى الأخيرة ![]() كانت الرؤى الأخيرة لحزقيال ، بعد خراب أورشليم ، تختلف عن الأولى اختلاف الوقاية عن العلاج ، ... كان هدف حزقيال فى الرؤى الأولى أن يقف فى طريق الكارثة ، محذراً الشعب من السقوط فى الهاوية ، حتى ولو فى اللحظات الأخيرة من النهار ، ولكن الشعب لم يسمع ، وسقطت المدينة المحبوبة ، ودمرت تدميراً رهيباً ، وأخذ المسبيون بأعداد كبيرة مرة أخرى إلى بابل ، وقد بلغوا هناك من اليأس ما أحسوا معه ، بأن الظلمة قد بلغت منتهاها ، وأن ليلهم الطويل لن يكون له آخر ، ... وقد تنبأ إرميا بأن مدة السبى ستكون سبعين عاماً ، وكان على حزقيال أن يومض أمام المسبيين بالرجاء ، وكان عليه أن يكشف لهم عن شعاعات من النور خلف الليل البهيم ، ولعل هذا هو الذى جعلهم يذهبون إليه ، كلما عانوا من التعب والمشقة واليأس ، وبدا لهم كشعر أشواق لجميل الصوت يحسن العزف ، " انظر حز 33: 32 " ، وفى الحقيقة أن عزف الرجل لم ينقطع ، وهو يرى الشاب دانيال ، والثلاثة الفتية وإضرابهم ، الذين وقفوا يمدون عيونهم إلى الأفق العظيم ، ... مؤمنين أن الشمس لابد ستعود ، وأن ليلهم الطويل المرير لابد أن ينجلى ، ... ومع أن رؤى حزقيال بدت أساساً لرفع المسبيين فوق آلامهم ومقاساتهم ، ... لكنهم تحولت مع الأجيال مناراً عالياً مرفوعاً على جبل لكل عابر فى ظلمة الحياة ، وها نحن نراها الآن فيما يلى : أولا : رعاية الراعى الصالح ، وإذا قرأنا الأصحاح الرابع والثلاثين تبدى لنا رعاة إسرائيل القدامى - وهم الملوك الذين كانوا أشبه بالرعاة للأغنام لكن الراعى الصالح رأى بشاعة إعمالهم ، إذا رعوا أنفسهم دون أن يرعوا الغنم ، لقد أكلوا شحمها ولبسوا صوفها ، وذبحــــــوا السمـــين فيها : « المريض لم تقووه ، والمجروح لم تعصبوه ، والمكسور لم تجبروه ، والمطرود لم تستردوه والضال لم تطلبوه ، بل بشدة وبعنف تسلطتم عليهم ، فتشتت بلا راع وصارت مأكلاً لجميع وحوش الحقل وتشتت . ضلت غنمى فى كل الجبال وعلى كل تل عال . وعلى كل وجه الأرض تشتت غنمى ولم يكن من يسأل أو يفتش » " حز 34 : 4 - 6 ".. ليت كل مؤمن وراع يقرأ هذا الأصحاح العظيم ، يرى الراعى الصالح الذى جاء إلى عالمنا حياً فى الخراف ، وبذل نفسه لأجلها ، ... ويرى كيف يهتم هذا الراعى العظيم بخرافه إلى الحد الذى فيه يقيس حب بطرس له برعاية خرافه ، ... والذى يجزى كل محب ، ويطرح كل أنانى وشرير يبدد هذه الخراف !! .. إن من واجبنا أن نقرأ هذا الأصحاح فى ضوء الأصحاح العاشر من إنجيل يوحنا ، حيث تصلح المقارنة ، ونرى الصورة وقد اكتملت بالتمام : « لذلك هكذا قال السيد الرب لهم : ها أنذا أحكم بين الشاة السمينة والشاة المهزولة ، لأنكم بهزتم بالجنب والكتف ونطحتم المريضة بقرونكم حتى شتتموها إلى خارج . فأخلص غنمى فلا تكون من بعد غنيمة وأحكم بين شاة وشاة ، وأقيم عليها راعياً واحداً فيرعاها عبدى داود هو يرعاها وهو يكون لها راعياً » ، " حز 34 : 20 - 23 " « السارق لا يأتى إلا ليسرق ويذبح ويهلك . وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل . أنا هو الراعى الصالح ، والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف ، وأما الذى هو أجير وليس راعياً ، الذى ليست الخراف له ، فيرى الذئب مقبلا ويترك الخراف ويهرب . ويخطف الذئب الخراف ويبددها ، والأجير يهرب لأنه أجير ولا يبالى بالخراف ، أما أنا فإنى الراعى الصالح وأعرف خاصتى وخاصتى تعرفنى " يو 10 : 10 - 14 " . ثانيا: القلب الجديد والروح الجديد ، ... وقد كان على المسبيين أن يدركوا أن أهم ما ينشده اللّه فى الإنسان هو تغيير القلب ، والقلب فى اللغة الكتابية هو مركز نشاط الإنسان كله ، ... هو أداة التفكير ، والعاطفة ، ومركز الحب ، والاختبار .. « يا ابنى أعطنى قلبك ولتلاحظ عيناك طرقى » " أم 23 : 26 " وهذا القلب لابد أن يتغير : « وأعطيكم قلباً جديداً وأجعل روحاً جديدة فى داخلكم وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم . وأجعل روحى فى داخلكم وأجعلكم تسلكون فى فرائضى وتحفظون أحكامى وتعملون بها »"حز 36 : 26 و 27 " .. وليس هذا - بالتأكيد - إلا ما قاله السيد المسيح لنيقوديموس : « الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله ... الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت اللّه ، المولود من الجسد جسد هو ، والمولود من الروح هو روح، لا تتعجب أنى قلت لك ينبغى أن تولدوا من فوق " يو 3 : 3 - 7 " ولعلنا نلاحظ أن الصورة ، كما رسمها حزقيال ، وكما جاءت على لسان السيد المسيح ، ليست جهداً بشرياً على الإطلاق ، بل هى عطية اللّه ، وهبة السماء من فوق ، ... وهى التغيير الذى يتم بدخول روح اللّه قلب الإنسان البشرى الخاطئ ، فيغيره بالتمام !! .. ثالثاً : القيامة من الأموات ، وهذا يأتى بنا إلى رؤيا العظام اليابسة ، وكانت الأمة اليهودية كلها كمن دخل إلى قبر وأغلق عليه ، ولم يعد هناك أدنى رجاء فى حياته وبعثه ، ويبدو أن هذا الخاطر لم يسيطر على الشعب فحسب بل لعله راود النبى أيضاً،... ولأجل هذا أخذه اللّه إلى بقعة واسعة ، لعلها كانت مكاناً لمعركة أو مقتلة عظيمة ، ورأى هناك عظاماً كثيرة ، وأكثر من ذلك ، يابسة ، مما يدل على أنه قد انقضى عليها وقت طويل ، تحولت معه العظام إلى رميم ، وسأل اللّه النبى : أتحيا هذه العظام ؟ .. ووقع النبى فى حرج كبير ، إذ أنه حسب فهمه البشرى لا يمكن أن تقوم هذه العظام وتنهض مرة أخرى ، إذا كانت مرثا قد صرخت فيما يشبه الاحتجاج » عندما قال المسيح أمام قبر لعازر .. إرفعوا الحجر ، وهى تقول : « ياسيد قد أنتن لأنه له أربعة أيام » !! .. " يو 11 : 39 " فكيف يمكن لحزقيال أن يرى العظام اليابسة تعود إلى الحياة مرة أخرى ؟!! ... على أنه إذ انتهى إلى هذا الرأى وقبله فكأنما هو يحد من قدرة اللّه وسلطانه العظيم ، ... ومن ثم قال : « ياسيد الرب أنت تعلم » " خر 37 : 3 " وجرت القصة بأن اللّه طلب من النبى أن يتنبأ على العظام فتحيا ، - ومن الغريب أن اللّه ما يزال اليوم يفعل معنا - نحن الوعاظ وخدام اللّه الأمر عينه ، عندما يطلب إلينا أن نكلم الموتى بالذنوب والخطايا ، ونناديهم بالحياة بقوة اللّه وأمره ، ... على أن اللّه يريد أن يؤكد - مع ذلك - أن الوعظ فى ذاته ، لا يعطى الحياة ، ... وأن الواعظ المقتدر البليغ قد يبلغ وعظه الأذن ، وقد يحدث فى السامعين رعشاً ، وقد تقارب العظام بعضها إلى بعض ، وقد تكتسى باللحم والعصب ، ... ولكنها مع ذلك لا تأخذ الحياة ، ... وما أكثر ما يحدث هذا فى الاجتماعات الكبيرة التى يتأثر فيها الحاضرون ، وتأخذهم الرعشة من جراء الكلمة الإلهية ، ... ويصل إليهم الإحساس بصورة ما ، وتبدو الأمور كما لو أننا على أبواب نهضة عظيمة !! . لكن التأثر هنا وقتى ، ويظل الميت ميتاً ، إلى أن يدخل روح اللّه بقوته العظيمة من الرياح الأربع : « الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لا تعلم من أين تأتى ولا إلى أين تذهب ، هكذا كل من ولد من الروح » ... " يو 3 : 8 " وهنا يبدو البرهان العظيم أمام حزقيال ، إذ أن الموتى لم يقوموا فحسب ، بل قاموا على أقدامهم جيشاً عظيماً جداً جداً!! .. وإذا كانت هذه الرؤيا عند النبى القديم تتحدث عن الحياة التى دبت فى المسبيين ليعودوا إلى وطنهم وبلادهم ، فإنها تتحدث إلينا ، كما قال أحدهم عن عمل اللّه فى الموتى بشتى صور حياتهم ، إذ حيث يكون هناك قلب ميت ، أو كنيسة ميتة ، أو مدرسة أحد ميتة ، أو اجتماع شباب ميت ، أو قضية ميتة ، أو حق ميت ، فإن من واجبنا أن نتشدد ونتشجع ، لأن العظام اليابسة ستتحرك . واللحم سيكسيها ، والعصب سيتأتى إليها ، وروح اللّه سينهضها من الموت المخيف إلى الحياة القوية .. رابعاً : العودة إلى العبادة فى هيكل اللّه : وهذا ينقلنا إلى الأصحاحات الأخيرة من سفر حزقيال (من الأربعين إلى الثامن والأربعين ) ونحن نشغل هناك برؤيا الهيكل الجديد الذى يحل محل الهيكل المدمر ، وقد كان على حزقيال ، وقد بلغ على الأغلب منتصف السبعين عاما المحددة لعدوة المسبيين - أن يتحدث عن بناء الهيكل ، وعودة العبادة فيه ، ... ومع أن زربابل بنى الهيكل الذى أقيمت فيه العبادة ، لكن هيكل زربابل لم يكن بنفس الصورة أو المقاييس ، بل إن هيكل زربابل لم يكن شيئاً إلى جانب هيكل سليمان القديم ، .... وقد دفع هذا الشراح إلى أن يروا فى رؤيا حزقيال شيئاً أعظم من هيكل سليمان ، وهيكل زربابل ، فاليهود إلى اليوم ، يحلمون ببناء الهيكل على الصورة التى رآها حزقيال ، والذين يأخذون بنظرية المجئ الثانى قبل الألف سنة . يتصورون الأمر كذلك ، ... وإن كنا من جانبنا لا نأخذ بها الرأى ، بل نعتقد أن مجد هذا الهيكل العظيم يتحقق فى كنيسة المسيح التى خرجت عن الحدود اليهودية ، وانطلقت فى آفاق الأرض ، وقد اتسعت جنباتها لتضم كل الممالك والأمم والشعوب والألسنة ، ولعله من الملاحظ أن الأمة اليهودية لم تعرف فى أمجد تاريخها ، الحدود المذكورة فى نبوات حزقيال واتساعها ، وأنه لا يمكن أن تتحقق هذه بالمعنى الواسع العظيم ، إلا فى المفهوم الروحى فى يسوع المسيح ، والدليل على ذلك مستمد من نبوات حزقيال نفسها، وإلا فما معنى القول : « وداود عبدى يكون ملكاً عليهم ويكون لجميعهم راع واحد فيسلكون فى أحكامى ويحفظون فرائضى ويعلمون بها » ؟ .. "حز 37 : 24 " ويستحيل حرفيا أن يكون داود ملكاً ، إلا إذا كان المقصود هو ابن داود ، ابن اللّه الرب يسوع المسيح !! .. خامسا : مياه نهر الحياة : والذى يؤكد هذا المعنى هو رؤيا حزقيال للحياة الخارجة نحو المشرق من تحت عتبة الهيكل ، والمياه تزداد عمقاً كل ألف ذراع ، فهى فى أول الأمر مياه إلى الكعبين ، ثم إلى الركبتين ، ثم إلى الحقوين ، ثم إلى نهر سباحة طام لا يمكن عبوره ، على ما جاء فى الأصحاح السابع والأربعين ، ... ومن الملاحظ بادئ ذى بدء أن المياه تخرج من تحت عتبة المقدس ، أو فى لغة أخرى من المكان الذى يرمز إلى حضور اللّه ، ... المياه التى وصفها إشعياء « مياه شيلوه الجارية » " إش 8 : 6 " أو هى خير اللّه وإحسانه وبركاته على ما جاء فى وصف إرميا بالقول : « الرب ينبوع المياه الحية » " إر 17 : 13 " وإذا كانت هذه المياه قد بدأت هادئة متدرجة فإنها لم تلبث أن تحولت بعد ستة قرون - كما قال أحد المفسرين - إلى نهر المسيحية الذى لا يعبر ، فى خلاص المسيح للجنس البشرى بفعل الروح القدس الفعال والعظيم،!!.. وقد كان على النهر أن يمر فى البرية حتى يبلغ البحر الميت ، ... وقد كان اليهود فى ذلك الوقت ، أشبه بالبرية ، والبحر الميت ، وكل إنسان أو أمة يبتعد عن السيد المسيح ليس إلا ميتاً حتى يأتى نهر الحياة بالشفاء والإثمار !! .. وحقاً قال السيد المبارك : « أما أنا فقد أتيت لتكون لهم حيــــاة وليكون لهم أفضل » " يو 10 : 10".. فإذا كانت الرؤيا قد تحققت جزئياً ومبدئياً فى عودة اليهود من السبى ، وبعث الحياة فيهم - فإنها قد تحققت فى المعنى الأعمق والأكمل فى موكب الجنس البشرى ، وهو يأخذ طريقه فى المسيح ، حتى نصل إلى الشاطئ الأبدى .. « وأرانى نهراً صافياً من ماء حياة لامعاً كبلور خارجاً من عرش اللّه والخروف فى وسط سوقها وعلى النهر من هنا ومن هناك شجرة حياة تصنع اثنتى عشرة ثمرة وتعطى كل شهر ثمرها . وورق الشجرة لشفاء الأمم . ولا تكون لعنة ما فى ما بعد . وعرش اللّه والخروف يكون فيها وعبيده يخدمونه . وهم سينظرون وجهه واسمه على جباههم . ولا يكون ليل هناك ولا يحتاجون إلى سراج أو نور شمس لأن الرب الإله ينير عليهم وهم سيملكون إلى أبد الآبدين » .." رؤ 22 : 1 - 5 " . ونحن نذكر حزقيال فى المنظر الأول عند نهر خابور ، وهو يقول : « فجئت إلى المسبيين عند تل أبيب الساكنين عند نهر خابور ، وحيث سكنوا هناك سكنت » " خر 3 : 15 "- لعلنا نذكر منظراً أعظم وأبهى وأجل بما لا يقاس ، إذ نذكر ذاك الذى جاء إلينا فى الجسد نحن المسبين بسبى أقسى وأشد ، وحيث سكنا ، هناك سكن ، حتى صعد إلى هضبة الجلجثة ليموت على خشبة الصليب ، ويحررنا من استعباد أقسى وأمر من استعباد بابل ، لنهتف أمام عرشه العظيم فى صيحة النصر : « سقطت سقطت بابل العظيمة » .. " رؤ 18 : 2 " .. « أفرحى لها أيتها السماء والرسل القديسون والأنبياء لأن الرب قد دانها دينونتكم » " رؤ 18 : 02 " ... آمين فآمين . |
![]() |
|