ماذا نتعلم من قصة يفتاح الجلعادي؟
أولاً، الثقة والاتكال على الله في وسط الظروف المناوئة. وسط الأزمات الشخصيَّة والاجتماعيَّة والوطنيَّة نحتاج إلى وضع الخطط اللازمة والبرامج المناسبة لمواجهة تحديات هذه الأزمات، الأمر الذي فعله القائد العسكري يفتاح الجلعادي، ولكن يفتاح فعل أمرًا آخرًا ألا وهو اعتباره بأن النصر يأتي من الله تعالي. ليتنا لا نكتفي بالثقة بإمكانيتنا وقدراتنا مهما بلغت، بل نضع ثقتنا بالله ونتكل عليه تعالى وسط التحديات التي تواجهنا.
ثانيًا، اتخاذ الموقف الصحيح من النذور. يخبرنا الكتاب المقدس عن نوعين من النذور: نذور غير أنانيَّة (مزمور132: 2-5، أعمال18:18)، ونذور أنانيَّة يصح أن نطلق عليها تعبير “نذور الصفقات” (تكوين28: 20-22، تثنية23: 21و23، عدد21: 1-3، 1صموئيل11:1، 2صموئيل15: 7-8). ينبع النوع الأول من الرغبة في تقديم الشكر والحمد والامتنان لله، لأجل أفضاله وبركاته ونعمه التي لا نستحقها. اما النوع الثاني فهو المتمثل بالموقف: “أعطني يا رب… وبقدر ما تعطيني أعطيك”. هذا النوع من النذور يدفع صاحبه للتفكير بأنه يستطيع شراء نعمة الله بما ينذر ويعطي، أو أنه بواسطة نذره يؤثر على الله “فيستخدم” الله كاستخدام فانوس علاء الدين السحري لتحقيق مآربه وأهدافه. ينبغي علينا الحذر الشديد من هذا النوع الثاني من النذور، والتفكير مليًّا بدوافعنا ومواقفنا عندما نتعهد بأمر ما لله. من ناحية أخرى، فإن موضوع التعهد لله أو النذر له تعالى، ينبغي أن ينشئ فينا تصميمًا لأهميَّة تحقيق ما نتعهد بنذره (عدد36: 2-13، مزمور4:15، 14:66،11:76، أعمال5: 1-4)، بالطبع بشرط ألا يتعارض النذر مع وصايا الله وتعاليمه. لقد كان الملك هيرودس في حال من الإثارة والسكر الشديدين، وتعهد بأن يعطي الراقصة ابنة هيروديا كل ما أرادت ولو عادل ذلك نصف مملكته. استشارت الراقصة أمها التي كانت تضمر كل الشر ليوحنا المعمدان، الذي اتخذ موقفًا شجاعًا وحاسمًا من خطايا هيروديا، فطلبت الراقصة رأس يوحنا المعمدان. لا شكَّ أن هذا الطلب يتعارض مع وصايا الله، لقد كان بإمكان هيرودس ألا يتمم هذا النذر (مرقس6: 23-27). ولو كان يفتاح قد نذر بتقديم ابنته ذبيحة بشريَّة، لكان عليه ألا يتمم هذا النذر لأنه يتعارض مع وصايا الله الواضحة المعلنة في شريعته الإلهيَّة المقدسة.