رؤيا مكتوبة بخط مثلث الرحمات أسقف الغربية نيافة الأنبا يوأنس
+ هذه الرؤيا مكتوبة بخط مثلث الرحمات نيافة الأنبا يوأنس أسقف الغربية ووجِّدت فى قلايته بعد إنتقاله للسماء ونُشِرَت بعد نياحته.
+ رأيـــت هنــاك +
تركني أخي الروحي بعد جلسة ليست بالقصيرة فيها تحدثنا عن الأمور المختصة بملكوت السموات. لقد شعرت أثناء هذه الجلسة بقشعريرة تسري في كل عضو من أعضائي هي قشعريرة الخوف من دينونة الله العادلة. والندم علي الوقت الذي أنفقته مع أهل العالم. بعد أن كنت جندياً أميناً ليسوع المسيح أويت إلي فراشي و نمت نوماً عميقاً حتي شعرت بيد حنونة تهزني هزاً خفيفاً. أنها العذراء الطاهرة القديسة. رأيتها متسربلة بالنور من هامة رأسها إلي أخمص قدميها وثيابها تُشِّع منها النور كأنها الشمس في بهائها و لمعانها. أمسَكَتْ بيميني. فلما سجدت تحت قدميها أقامتني بيدها قائلة لي (قم يا إبني أنا أمة الرب. قادتني، فقلت لها إلي أين يا أمي؟ أجابتني إلي مواضع الراحة إلي المكان الذي هرب منه الحزن والكآبة والتنهد. فقلت لها و كيف يكون هذا لي و أنا إنسان خاطئ. تبعتها في خوف ورعدة وما أشعر بنفسي إلا في وسط مكان يُشِّع منه النور من جميع أرجائه و من كل بقعة فيه. في ذلك المكان رأيت قومًا كل منهم وجهه يُشِّع نوراً عجيباً و يظهر علي محياهم النور الإلهي. قابلت أول من قابلت شيخاً وقوراً مُسِنًّا تتدلي لحيته إلي قرب ركبتيه علي محياه إمارات الأبوة. فسألتها من هذا يا أمي؟ فأجابتني ألا تعرف هذا إنه أبونا إبراهيم أبو كل المؤمنين. لقد أيقنت أني في الفردوس مكان راحة وإنتظار الأبرار. هناك رأيت إسحق. ورأيت يعقوب أبا الآباء. هناك رأيت داود الملك و النبي المرتل. رأيته ممسكاً بعوده ومزماره وهو يرتل أشجي الألحان. أرهفت السمع فإذا بي أسمع تسابيح الله وشعرت كأني بمنزلي وفي مخدعي أصلي صلوات نصف الليل بمزامير داود البار. سمعته يقولها بنفس اللحن الذي به نقولها. ياللعجب. رأيت القديس العظيم الأنبا أنطونيوس ككوكب عظيم جدًا يحيط به كواكب أصغر منه حجماً وأقل منه ضياء. ولما تركته وجدت نفسي في حضرة أبو مقار. طرحت نفسي تحت قدميه وقلت له طوباك يا أبو مقار وطوبي لأولادك. فأقامني بيده وقال لي لا تفعل هذا فإني عبد مثلك. طلبت منه أن يباركني وأن يذكر خدمتنا في مدارس الأحد فطلب الي الله من أجلنا ربوات ربوات و ألوف ألوف. قديسين لا حصر لهم. هؤلاء جميعا ألقيت عليهم نظرة أخيرة حينما جذبتني العذراء الطاهرة جذبة هينة لكي أتبعها. فقلت لها إلي أين يا أمي؟؟ فقالت أتبعني. تبدَّل النور البهي إلي ظلمة حالكة والجو المطمئن إلي جو مُفزِع وذلك عندما وجدت نفسي وسط الأشرار يبكون بعيونهم و يُصِرون بأسنانهم ندماً علي ما فرط منهم. صرخت و قلت لها أرحميني من هذا المكان فقالت لي تعال لكي تبصر مكانك المُعَدْ ما لم تتبع يسوع. فصرخت و قلت لها كفي. لقد رأيت كفي هذه الظلمة الخارجية. كفي البكاء وصرير الأسنان. هناك رأيت الزناة والقتلة والسارقين والماكرين والخادعين والكاذبين والحناثين والشتَّامين والسكيرين والطامعين. رأيت كل من هؤلاء يتلوي تحت ثِقَل وطأة خطيته كُلٍ يتألم بألم مناسب لخطيته. أقتربت من شاب بدين الجسم فارع القامة وقد أحني ظهره كثرة البكاء وفرط الحزن تفرست فيه فأذا هو صديقي الذي فارقني منذ بضع شهور فقلت له علام تبكي يا صاحب فقال لي إني لا أبكي إلا ندماً علي أني كنت أستهين بحديثك وأستهزئ بكلماتك حينما كنت تدعوني إلي إجتماع الشبان وعندما كنت تُلِّح عليَّ كنت أجلس شارد الفكر ومُشتَّت العقل. أفكر في إخوان السوء وما ينتظرني من سعادة وهمية خادعة ولقد أعترتني رعدة عظيمة حينما قال لي أن كل حرف مما كنت تقوله لي يأكل لحمي كنار إني كنت أسألك في الماضي أن تصلي لأجلي ولكني لا أطلب منك الآن شيئاً فقد إنكشف كل شييء أمامي وحيث لا تنفعني صلوات العالم أجمع فهي لا تستطيع أن تنقلني إلي النعيم لقد أمضيت هذه الدقائق مع صديقي وكأني واقف علي بركان أدرت النظر إلي أُمي العذراء راجياً إليها أن تنقذني من هذا المكان. خرجت أنا وأُمي من هذا المكان الموحش فتفرست في وجهها كأنما أطلب إليها شيئاً فقالت لي تحدث ولا تخف ماذا تريد؟ قلت لها أريد أن أطمئن علي مصيري ومكاني فقالت لي ألا تؤمن بمواعيد يسوع. أنه ذهب ليُعِّد لكم مكان فمكانك يا إبني محفوظ بشرط أن تُحِب يسوع و تتبع وصاياه. فقلت لها أنا أؤمن بذلك ولكن أليس مكاني خاليا ومُعَّد لي؟ قالت نعم. فقلت لها أريد أن أراه أشارت إليَّ. فتبعتها وإذا بها تُشير إلي كرسي بهي من نور ساطع وقالت لي هذا مكانك تشبست بالمكان وسألتها أن ترحمني من العودة إلي العالم. فإبتسمت و قالت لي ليس لك أن تحدد المواعيد. لكن لا تخف فإبني يحبكم جدًا. وقد بذل ذاته لأجلنا جمعياً. حزنت ووجمت. فقمت من نومي فزعا وأنا أردد إذ ليس لنا دالة ولا حجة ولا معذرة من أجل كثرة خطايانا فنحن بك نتوسل إلي الذي وُلِدَ منك يا والدة الإله العذراء. لأن كثيرة هي شفاعتك وقوية ومقبولة عند مخلصنا لأنه تألَّم من أجلنا لكي يُنقِذنا. نهضت ولكني تمنيت لو أني ظللت نائماً أتمتع بهذه المناظر الطاهرة في نور القديسين في يوم الأربعاء ٤ نوفمبر ١٩٨٧م تنيح الأنبا يوأنس وقد وُجِدَ راقداً علي فراشه في منظر ملائكي عجيب. كان وجهه مضيئاً ويداه كالشمع الأبيض.