18 - 08 - 2012, 01:26 PM
|
|
|
..::| VIP |::..
|
|
|
|
|
|
دير العذراء بجبل أسيوط في ضوء الرؤى والنبوات
الجمعة 17 اغسطس 2012
في تصوير رائع وأسلوب بديع رسم لنا الوحي الإلهي قصة مجئ المسيح وأمه العذراء لمصرنا العزيزة وشعبها المبارك، لوحة بارعة الجمال جيدة الإتقان وضحت عليها أحداث الزمان الذي واكبها وطبيعة المكان الذي تبارك بها والإنسان الذي شارك فيها .
أما أحداث الزمان فقد قام بها ملك فقد عقله ورشده ، ملك أراد الاحتفاظ به خوفا من ملك قيل عنه : [ يملك علي بيت يعقوب ولا يكون لملكه نهاية ] (( لو 33:1)), وفي جنونه صنع مجزرة رهيبة شابت لها رؤوس الشباب وارتعشت لها قلوب الرجال وبكت لها راحيل :[ وابت أن تتعزي لان أولادها ليسوا بموجودين ] ((أر 15:31)) ((مت 18:2)) , وارتعد لهولها ملك جسور شهد التاريخ لبطولته وشجاعته وتمني الهروب والفرار لملاذ آمن وملجأ حصين إذ قال : [ ليت لي جناحا كالحمامة فأطير وأستريح هاأنذا افر هاربا ] ((مز 6:55)) , وقد استجابت السماء لأمانيه وأرسلت ملاكها إلي يوسف ليقول له : [ قم خذ الصبي وأمه واهرب إلي مصر ] ((مت13:2)).
والسماء التي دبرت المكان الذي يهرب إليه دبرت والوسيلة التي تنقله والإنسان الذي يرافقه في الطريق كشفت عن كل هذه الأمور تلك اللوحة البارعة الإتقان المتناسقة الأنغام والألحان في عدد من الرؤى والنبوات هي :
أولا : المركبة ورفقاء الطريق :
{1} المركبة التي حملته وقالت عنها النبوات :[ الجاعل السحاب مركبته الماشي علي أجنحة الريح ] ((مز 3:104)) , [هوذا الرب راكب علي سحابة سريعة وقادم إلي مصر ] (( أش 3:19)) والسحابة يعرفها كيرلس الكبير [ بأنها القديسة مريم العذراء التي قدسها روح الرب فصارت خفيفة ومرتفعة تحمل الرب يسوع ليهرب إلي مصر] ويقول أيضا عنها : [ السحابة المتألقة هي أمه العذراء التي فاقت السحاب نقاء وطهرا ] .
وأوصاف السحابة تنطبق تماما علي العذراء مريم :
( أ ) فهي سريعة في استجابتها لقول الملاك الذي بشرها : [ هوذا أنا امة الرب ليكن لي كقولك ] (( لو36:1)) .
( ب) وهي خفيفة في حركتها فقد تحركت مسرعة وفي خفة تامة في ذهابها لبيت زكريا (( لو40:1)) .
( ج) وهي نيرة نارية فيها اشرف الرب علي عسكر المصريين وأزعجهم (( خر 24:14)) وهكذا كانت العذراء مرهبة كجيش بألوية ((نش10:6)).
( د) سحابة ممجدة [ وإذ مجد الله قد ظهر في السحاب ] ((خر 10:16)) , وهذه هي العذراء التي قيل فيها تمجيدات من قبل الرب
أما أجنحة الريح فهي إشارة إلي الحمامة الهاربة به إلي مصر وهي العذراء التي تدعوها الكنيسة في طقوسها بالحمامة الحسنة , ويلقبها الطقس الأثيوبي بحمامة أفراتا , والمتأمل لكلمة أفراتا يدرك أنها هي بيت لحم حسب قول الكتاب المقدس : [ وأنت يا بيت لحم أفراتا يخرج منك المدبر الذي يرعي شعب إسرائيل ] ((مت6:2)) و تلك هي الحمامة الحسنة التي لم تجد لها مكانا في بيت من بيوتها لذا عندما ولدت ابنها وضعته في مزود من مزاود حظائرها (( لو7,6:2)) , وكان النبوة كانت تراها رؤى العين إذ قالت : [ وإذ اضطجعتم بين الحظائر فأجنحة حمامة مغشاة بفضة وريشها بصفرة الذهب ] ((مز3:68)) .
ولقد نطقت هذه النبوة بما حدث للعذراء يوم ذهبت إلي هناك استجابة لأمر أغسطس قيصر وتحدثت بما جعلها تقيم بين الحظائر لتؤكد تطابق النبوة في سابق الأيام بما تحقق في ملء الزمان والذي منه بدأت رحلة القدوم إلي مصر .
{ 2} أما رفقاء الرحلة في الطريق إلي مصر فهم جيش من الملائكة ذوات الأجنحة الذين رآهم اشعياء النبي يشكلون مركبات رحلته وقيل عنهم : [ مركبات الله ألوف ألوف مكررة ] (( مز5:68)) , وكأنهم سرب من الحمام تقودهم العذراء الحمامة الوديعة يأخذون طريقهم إلي بيتهم الذي قصدوه و يراهم اشعياء النبي : [ من هؤلاء الطائرون كسحاب وكالحمام إلي بيوتها ] (( أش 8:60)) , وكان دير العذراء وجبل أسيوط هو البيت الذي اختاره الرب لسكناه إلي الأبد .
ثانيا : الخطوات الطافرة والجبال المقدسة :
وفيها رأت عروس النشيد المسيح أتيا إليها طافرا علي الجبال , قافزا علي التلال (( نش8:2)) ؛ والطفر هو الوثب المرتفع العالي , الواسع الخطي , السريع الحركة ؛ أما الجبال الأتي إليها فأولها جبال يهوذا الذي أتي إليها وهو في بطن أمه جنينا حسبما ذكر الإنجيلي لوقا : [ بعد البشارة قامت مريم في تلك الأيام مسرعة إلي جبال يهوذا وكان المسيح في بطنها جنينا ] (( لو40-39:1)) , وأما ثاني الجبال فكان جبل أسيوط الذي أتت به مريم والمسيح علي صدرها وليدا وكانت هذه أولي الخطوات الطافرة علي الجبال والتلال .
ثالثا : النداء الالهي والسلوك الطبيعي :
يكشف لنا الوحي الالهي عن نداء المسيح للعذراء ليدعوها أن تأتي من حيث تقيم في محاجئ الصخر وستر المعاقل حيث يقول : [ قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالي يا حمامتي في محاجئ الصخر وستر المعاقل ] (( نش14:2)) , وكان في هذا النداء الدلائل والبراهين أن المكان الذي أقامت فيه العذراء هو جبل أسيوط وهذه إشاراته :
أ- الموقع الجغرافي :
من الملاحظ أن محاجئ الصخور لا توجد إلا في الجبال وما هو جدير بالانتباه أيضا أن رحلة العذراء في مصر كان مرورها في صحار كل ما بها كثبان رملية لا تصلح للإقامة والسكن إلا جبل أسيوط الذي يتواءم مع النبوة .
ب-التوافق الطبيعي :
مع سلوك الحمام الذي يسكن تجاويف الصخور وشقوق الجبال وجوانب الحفر حسبما يقول الكتاب : [ كونوا كحمامة تعشش في جوانب الحفرة]
((اش28:48)) , وهذه التجاويف لا توجد إلا في جبل أسيوط ومغائره .
ج-الملاذ الأمني :
للحمام المطارد من الصيادين للقنص والصيد ومن الحيات للخطف والابتلاع وفي هذا المكان يصعب علي الصياد الوصول إليه وعلي الثعبان السير عليه , كما يقول سليمان :[ ثلاثة عجيبة فوقي وأربعة لا اعرفها طريق حية علي صخر ] (( ام18:30)) .
وبالنسبة للعذراء كان الصياد المطارد لها هو هيرودس السفاح ,والحية هي التنين القديم الذي كان مزمعا أن يبتلع وليدها ((رؤ4:12)).
رابعا : نبوة دانيال ومملكة المسيح الثابتة للأبد :
وفيها يفسر دانيال حلم الملك عن الحجر الذي قطع بغير يد وحطم التمثال الذي رآه الملك . وكان يرمز للممالك السابقة لمملكة المسيح ابن الله . (( د2: 37-45)) ؛ وتلك فيها عدة رموز للمسيح والعذراء منها :
(1) الحجر : الذي قطع بغير يد وكان رمزا للمسيح الذي حملت به أمه بالروح القدس إذ قالت للملاك متسائلة : [ كيف يكون لي هذا وأنا لست اعرف رجلا ] (( لو34:1)) , وهذا هو الحجر الذي احتقره البناءون وقد صار رأس الزاوية (( مت22:14)) .
(2) الجبل : انه لأمر طبيعي أن الحجر لا يقطع إلا من جبل يحمل الطبيعة الخاصة به ، وهذا الجبل يسميه داود النبي جبل الله (( مز15:68)) ؛ والمتأمل لخصائصه يري أنها خصائص العذراء مريم التي يدعوها الآباء بالجبل الدسم ومنها :
1- جبل المشتهي :
وله خاصية الاشتهاء : [ لماذا أيتها الجبال المسنمة ترصدن الجبل الذي اشتهاه الله لسكنه ] (( مز16:68)) , والعذراء وحدها هي المشتهي الوحيد للمسيح [ اسمعي يا بنت وانظري وأميلي أذنك انسي شعبك وبيت أبيك فيشتهي الملك حسنك ] ((مز1:45)) , وكان في هذه العبارة دعوة للغربة من وطنها فلسطين إلي جبل أسيوط مثالا لدعوة إبراهيم الذي دعاه الرب للخروج من أرضه وعشيرته وبيت أبيه إلي الأرض التي يريه إياها ((تك1:12)) , وجعل من هذا الجبل سكنا له ومشتهي للمؤمنين في كل العصور والأجيال حسب قول العذراء : [ هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني ] ((لو1-46:50)) .
2- جبل الاطياب :
يكشف الوحي الالهي عن العذراء الجالسة في وسط الجنات وخمائل الطيب وهي تنادي المسيح وتقول له :[ اهرب يا حبيبي وكن كالظبي أو كغفر الأيائل علي جبال الاطياب ] ((نش14:8)) .
وجبل أسيوط صار جبلا للجنات و الاطياب عامرا بأغراس القديسين والأبرار الذين يزهون كالنخيل ويعلون كالأرز ويثمرون كالكروم ويزهرون كالرمان ((نش12:4)) ؛ وصار هذا الجبل بالاطياب التي كانت له جبلا تفوح رائحة بخوره المحترق في مجامر كنائسه بأيدي كهنته كأعمدة من دخان معطرة بالمر واللبان ((نش6:3)) وأصبح صنوا لجبل الجلجثة الذي قيل فيه : [ إلي أن يفيح النهار وتنهزم الظلال اصعد إلي جبل المر وتل اللبان ] ((نش6:4)) .
3-جبل المتوحدين :
حسب ما ذكر عنه :[ الله في مسكن قدسه مسكن المتوحدين في بيت ] ((مز68-5:6)) , وهؤلاء المتوحدون هم الذين ذكرهم في صلاته الشفاعية :[ ليكون الجميع واحدا كما انك أيها الأب في وأنا فيك ليكون واحدا] ((يو21:17)) , وهؤلاء أيضا عاشوا حياة الكنيسة الأولي حيث الجميع يصلون بنفس واحدة ((اع1:2)) والذين قال عنهم اثناسيوس الرسولي بأنهم { قد توحدوا في إيمانهم المسيحي وعبادتهم النقية وبيتهم الآهل بالرهبان والنساك والسواح والمتوحدين الكائن في جبل الله , حيث توجد بالقرب منه وتحت سفحه المبارك كنيسته المسماة باسمه في قرية دير الزاوية .
وحيث كنيسة القديس يوحنا الأسيوطي المتألقة بنور الفضائل المتعددة وحيث يزخر الآن هذا الجبل بصفوف العابدين الساجدين بالروح والحق .
خامسا : رؤية بيت الله وأساسه المقدس :
ويقول فيها داود النبي :[ أساسه في الجبال المقدسة الرب أحب أبواب صهيون أكثر من جميع مساكن يعقوب قد قيل بكي أمجاد يا مدينة الله ] ((مز87-1:7)) .
المتأمل لهذا المزمور جيدا يري إن الجبل المقدس ومدينة الله كان يشير إلي جبل أسيوط ودير العذراء الكائنين في ارض مصر ، دليلنا في هذا قول الوحي :[ اذكر رهب وبابل عارفتي هوذا فلسطين وصور مع كوش .هذا ولد هناك ] ((مز87-4)) ورهب أولي هذه البلاد هي مصر ((اش19:19)) ، ونلاحظ أن مصر جاءت في مقدمة الدول المذكورة سابقا متفقة في ذلك مع ما جاء في قول اشعياء النبي : [ مبارك شعبي مصر وعمل يدي أشور وميراث إسرائيل ] ((اش25:19)) , وفي كلا الآيتين كان الوعد الثمين لمصر :[ في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في ارض مصر وعمود لها عند تخومها فيكون علامة وشهادة لرب الجنود ] ((اش18:19)) .
وحيث يكون مذبح الله تكون مدينته ، ومدينة الله يقول فيها القديس غريغوريوس : [ ما هذه المدينة المقدسة سوي القديسة مريم التي تجسد كلمة الله في أحشائها وصارت السماء الثانية التي علي الأرض والهيكل المهيأ لحلوله النقي] وإذا كانت العذراء هي مدينة الله التي سكن فيها بتجسده , فدير العذراء وقد صار مدينة لبيت الله لسكن المسيح فيها في زيارته المباركة لذلك قيلت في العذراء التمجيدات التي نطقت بها العذراء بذاتها :[ هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني ] .
سادسا : سفر الأبكار وكتاب المفديين :
وفيه يقول داود النبي : [الرب يعد في كتابة الشعوب أن هذا ولد هناك ](( مز87-6)) ، ويفسر هذه الكلمات القديس بولس بقوله : [ قد أتيتم في جبل صهيون إلي مدينة الله الحي أورشليم السماوية وكنيسة أبكار مكتوبين في السموات ي ((عب 25:12)) ، وهؤلاء جميعا ما يقصد بهم الأبكار الذين افتداهم خروف الفصح من الموت المهلك أيام موسي ((خر7:12)) ، ((عد4:3)) وهؤلاء أيضا هم الذين افتداهم المسيح حمل الله وبفدائه لهم كتبت أسمائهم في سفر حياة الخروف الذي ذبح ((رؤ8:13)) .
ومما يذكر إن كلا الحملين خرجا من مصر: الأول خرج ذبيحا مع شعب الله الخارج علي يد موسي بعد أن علت دماؤه أعتاب أبوابهم ، والثاني خرج حيا لكي يقدم ذبيحا عن حياة العالم كله فاتحا بصليبه سفر الحياة الأبدية والمكتوبون فيه لاتمسهم ضربات الشيطان ولا يقفون خارج أبواب الملكوت في حسرة وندامة ((رؤ9:13)) .
ختاما : هذا هو بالحق الجبل المقدس الذي هبطت عليه مركبة المسيا المبارك تحيط به القوات السماوية وتحف به أرواح الأنبياء ويبخر أمام عرشه كهنة الله العلي والمسيح رئيس كهنتنا الأعظم حمل بيده المباركة دهن مسحته حيث كرس ودشن مدينة الله بما عليها من كنائس ومنائر ومذابح مقدسة ترتفع منها الصلوات النقية والرب الذي دشن هذا الجبل قد اختار له نيافة الحبر الجليل أنبا ميخائيل مطران أسيوط الذي أعاد أمجاده وجدد أعياده ورفع تسابيحه وانشاده ليحفظه لنا مسيحنا القدوس إلي مدي الأجيال ممتعا بالصحة والسلام استجابة لصلوات أولاده المحبين لنيافته ولنقل جميعا أمين.
|