القشّة والخشبة

[Ebn Barbara]

القشّة والخشبة

آ1. لا تدينوا لئلاّ تدانوا. إنَّ المخلِّص ينهى هنا عن دينونة الإنسان لقريبه بجسارة، أي عن كلِّ حكم باطل على خصال القريب وكلامه وأفعاله.، لا عن الحكم الذي تباشره السلطة والضروريّ لكلِّ جماعة، ولا عن الحكم بالآثام الواضحة التي لا محلَّ للريب بها من أحد الوجوه. وقوله "لئلاّ تدانوا" قد فهمه بعضهم بمعنى: لئلاّ يدينكم الناس. كأنَّه يقول: إن شئتم أن لا يدينكم أحد فلا تدينوا أحدًا. والأحسن نسبة ذلك إلى الله، كأنَّه يقول: لا تدينوا أحدًا لئلاّ يدينكم الله الديّان العادل الذي عوضًا عن دينونتك للغير لا يغفر لكم شيئًا ولا يواري شيئًا ولا يدع شيئًا دون عقاب. قال مار أغوسطينوس*: "الويل للأناس ذوي السيرة الممدوحة أيضًا إن دانهم الله دون رحمة". وكثيرًا ما يحدث أنَّ من ينقِّبون على خصال*** غيرهم يعاقَبون في هذه الحياة أيضًا بمن ينقِّب على خصالهم***. وقد زادت بعض النسخ هنا وملدوناتوس*: لا توجبوا الحكم على أحد فلا يحكم عليكم. لكنَّ ذلك لا وجود له بالنسخ اليونانيَّة والرومانيَّة والسريانيَّة، ولم يقرأه هنا ترتوليانوس* وأمبروسيوس* وأغوسطينوس* وغيرهم، وإن ورد في لو 6: 37.

آ2. لأنَّكم بالدَّين الذي تدينون به تدانون. يعني كما تدينون غيركم يدينكم هو بحكم ذي جسارة وفاضح، ويدينكم الله بحكم مدقّق صارم. وإن حكمتم على أفعال غيركم وأقواله بشفقة متاولينها إلى ما هو أحسن، فيكون حكم الله عليكم بالرأفة والرحمة وحكم الناس على أفعالكم بالشفقة. وبالكيل الذي تكيلون يكال لكم. هذا تكرار مقصود به المعنى السابق نفسه، كأنَّه يقول: بالكيل الذي تدينون الناس به يكيل لكم الناس والله. ويُفهَم بذلك نظرًا إلى الله الكيل المشبَّه لا المساويّ، فإن عقاب الله ورحمته يفوقان كثيرًا على عقاب الناس ورحمتهم.

آ3. لماذا تنظرُ بفضول ورغبة بالتوبيخ إلى القذى، وهو القشَّة التي تقع في العين أو في الشراب فتعكِّره، ويريد به هنا الإثم الخفيف، مثلاً الغضب المتحرِّك بغتة. في عينِ أخيك، أي نفس قريبك. ولا تفتِّش على الخشبة التي في عينِك. يعني لا تتبصَّر بالإثم الثقيل الذي في نفسك، مثلاً البغض المتعتِّق الذي صيَّرته قدميَّته ضخمًا كالخشبة. قال أحد الخطباء ما نظمه شاعر عربيّ بقوله:

لكلِّ امرئٍ خُرْجٌ من العيب ممتلئٌ على كتفِه منه ومن أهل عصرَهِ

فعينُ عيوب الناس نصبَ عيونِهِ وعينُ عيوبِ النفسِ من خلْفِ ظهرِهِ

آ4. أو كيف تقولُ لأخيك: دعْني أخرجُ القذى من عينِك وأنت في عينِك خشبة. يعني بأيَّة جسارةٍ تريدُ توبيخَ قريبِك ودينونتَه على نقصٍ طفيف فيه، وتحتملُ في نفسِك الإثم الجسيم.

آ5. يا مرائي، أخرِجْ أوَّلاً الخشبةَ من عينِك، وحينئذٍ تفتِّشُ أن تُخرجَ القذى من عينِ أخيك. كأنَّه يقول: كما أنَّه لا يمكن من كان في عينه خشبة أن يرى القذى في عين غيره لإشغال الخشبة العين، هكذا هيهات أن يمكن من كان معميًّا بإثم جسيم أن يشاهد باستقامة ويُصلح نقائص خفيفة في غيره. فيلزمه إذًا أن يُصلح نفسه أوَّلاً من الكبائر ليمكنه أن يُصلح صغائر غيره.

[Magdy Monir]

شكراً على مشاركتك المثمرة
ربنا يبارك حياتك