ربّان الله ومامون
آ24. لا يستطيعُ إنسانٌ أنْ يعبُدَ ربَّين، لا متضادَّين فقط، بل منفصلين أيضًا. إلاَّ أنَّه يبغضُ الواحدَ ويحبُّ الآخرَ ويجلُّ الواحدَ ويحتقرُ الآخر. أي لا يمكنه أن يرضي الاثنين بعمل واحد. لا تقدرون أن تعبدوا الله والمال. يقال في السريانيَّة محلَّ لفظة المال: "ممونا" وكذا في اللاتينيَّة. وقال إيرونيموس*: يراد بالممونا الغنى والمال المخزون. وقال أغوسطينوس*: يُفهم به الربح وكلُّ ما يختصُّ بالدراهم، وذلك في اللغة البونيَّة* أي لغة أهل قرطاجة (التي تقرب من اللغة العبرانيَّة، وقال البعض إنَّ أصلها من اللغة الفونيقيَّة، أخذها البونيّون بانتحالهم إلى هناك من فونيقيّ واستشهدوا لذلك أيضًا بقرب اسم البونيّين من اسم الفونيقيّين)، ولم يقل: لا يستطيع إنسان أن يكون له ربّان، بل أن يعبد ربَّين. ولذلك لم يَنهَ في هذه الآية عن الرغبة المرتَّبة في الربح وزيادته، كما كان يزعم الوكيتيّون* الذين دعوا كذلك، لزعمهم أنَّه لا ينبغي أن نعمل بل أن نصلّي فقط. وضدَّ هؤلاء ألَّف مار أغوسطينوس* كتابه في عمل الرهبان.، بل المنهيّ عنه هو التعبُّد للمال كتعبُّد العبد لسيِّده أو مولاه، والرغبة في المال باهتمام مفرط، وإشغال نفوسنا به عن واجبات الدين. وقد اعتنى المخلِّص بعتق نفوسنا من عبوديَّة المال هذه بسبعة براهين سديدة يأتي ذكرها هنا.