رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عند الجداريّين
آ28. وإذ جاء يسوع إلى عِبْرِ الكاداريّين. كذا قرأت النسخة السريانيَّة هنا وفي مر 5: 1 وفي لو 8: 26. وكذا قرأت اليونانيَّة في المحلَّين المذكورين من مرقس ولوقا، وقرأت اللاتينيَّة والعربيَّة القديمة: كورة الجرجسيّين، لأنَّ هذا المحلّ يدعى كادارا وجرجسا، وقد ذكره مار إيرونيموس* ويوسيفوس* وغيرهما، وقال أدريكوميوس* في رسم الأرض المقدَّسة، نقلاً عن إيرونيموس* في المحلاّت العبرانيَّة: إنَّ كادارا غير جرجسا لأنَّهما مدينتان، ولكن سمّى البلاد نسبة إليهما كورة الكاداريّين وكورة الجرجسيّين، وموقعُ هذه البلاد على جانب الأردنّ وبحيرة جاناشار. وكان يسكنها الجرجسيُّون الذين أمر الله في تث 7: 1 بإبادتهم بين طوائف الكنعانيِّين السبع. وقد وهبها قيصر لليونان أي الوثنيّين، كما روى يوسيفوس*. فلا تعجب من وفرة الخنازير في تلك الكورة. فاستقبله مجنونان خارجان من المقابر، التي كان اليهود يجعلونها خارج المدن لئلاَّ يتدنَّسوا بها. وكانت مقابر اليهود متَّسعة ومسقوفة وعلى هيئة بناء مستدير حتّى يمكن أن يدخل إليها كثيرون. فها هوذا المساكن اللائقة بالشياطين، فكانوا يريدون أن يعذِّبوا المعترَين أشدَّ عذاب في الحِفر القذرة، ويُرعبوا المجتازين من هناك، ويُظهروا أنَّ لذَّتهم بموت البشر وبسكنى المقابر القذرة. وهذان المجنونان يلزم أن يكون أحدهما فاق الآخر كثيرًا بجنونه إذ وُجد فيه لجيون أي جوقة كاملة من الشياطين. ولذا لم يذكر مر 5: 1 ولو 8: 27 إلاَّ واحدًا، كما قال أغوسطينوس* وغيره. حتّى ما كان يمكن لأحد أن يجتاز من ذلك الطريق. وزاد مرقس أنَّه كان يسكن مدافن الأموات، لا تستطيع الناس أن تربطه بالسلاسل، ومتى كانوا يغلِّلونه بالأغلال كان يكسِّرها. ولهذا ما أمكن لأحد أن يضبطه ولم يكن يبرح ليلاً ولا نهارًا من المقابر والجبال. وكان يصرخ دائمًا ويمزِّق ذاته بالحجارة. وروى لوقا أنَّه لم يكن يلبس ثيابًا ولا يأوي مسكنًا، بل مأواه القبور... وكان سباه من زمان كثير، وكان يُربَط بالسلاسل ويُحترَس منه بالأغلال، وكان يَقطع رباطاته ويقاد إلى البرِّيَّة من الشيطان. آ29. فصرخا قائلَين: ما لنا ولك؟ أي ما هو الشيء المشترك بيننا وبينك؟ لماذا تطردنا ؟ما الذي عملناه بك من الشرّ؟. يا يسوع ابنَ الله العليّ؟ يظهر من هنا أنَّ الشيطان عرف من عجائب المسيح أنَّه الماسيّا ابن الله، غير أنَّ كبرياءه وبغضته جعلتا معرفته مبرقعة، لاسيَّما نظرًا إلى افتدائه الجنس البشريّ بآلامه وموته. أجئتَ ها هنا قبْلَ الوقتِ لتُعذِّبَنا؟ ارتأى بعض الآباء سندًا على هذا القول أنَّ الشياطين لم يعاقَبوا حتّى الآن عقابهم الأخير في جهنَّم، إلاَّ أنَّ المحقَّق من الكتاب المقدَّس أنَّهم هلكوا وتعذَّبوا في جهنَّم منذ أخطأوا، ويتعذّبون بهذه النار وإن كانوا بعيدين عنها، لأنَّها آلة غضب فتفعل بهم عن بُعد أيضًا. فقبل الوقت إذًا، يراد به لا العذاب القديم والدائم في جهنَّم، بل طردهم من الجسد البشريّ وربْطهم في سجن جهنَّم، لأنَّهم يفرحون إذ يُسمح لهم بالتردُّد في هذا الجوّ وإن رافقهم العذاب، إذ تكون لهم الحرِّيَّة للتردُّد في أقاليم عديدة وإبلاء الناس بالمصائب وتجريبهم بالشرور. فربْطُهم في جهنَّم يكون عذابًا لهم، وسوف يُحكَم عليهم به مؤبَّدًا في يوم الدين حيث يصير رذلهم وهلاكهم مشتهَرًا أمام الملائكة والطوباويّين. فهنا خاف الشياطين من أن يكون المسيح عجَّل يوم الدين الذي كانوا يظنُّونه بعيدًا، أو أنَّه سيربط هؤلاء وحدهم في دركات الجحيم. لأنَّهم وإن لم يعرفوا يوم الدين بالحصر، إذ قال المسيح: إنَّ لا أحد يعرفه ولا ملائكة السماء ولا الابن. فمع ذلك كانوا يعرفون أنَّه ما زال بعيدًا. كذا فسَّر ملدوناتوس* وتوليتوس* والسواري* وغيرهم. آ30. وكان هناك قطيعُ خنازيرَ كثيرةٍ بعيدًا منهما. وقرأت اللاتينيَّة: غير بعيد منهما، وروى مرقس: وكان هناك عند الجبل قطيع كبير من الخنازير. ورى لوقا في المحلِّ المذكور: وقد كان هناك قطيع خنازير كثيرة ترعى في الجبل. آ31. وطلب إليه الشياطين قائلين: إن كنتَ تُخرجُنا، فائذَنْ لنا أن نَمضيَ إلى قطيعِ الخنازير. آ32. فقال لهم اذهبوا. فذهبوا حالاً ودخلوا في قطيعِ الخنازير، فوثبَ القطيعُ كلُّه على كهف وترامى في البحر ومات في الأمواه، أي في أمواه بحيرة جاناشار. وكان ذلك بعد أن أمر يسوع الروح النجس أن يَخرج، بعد أن سأله: ما اسمُك؟ فأجاب: لجيون (أي جوقة وهي ستَّة آلاف) وبعد أن طلب إليه الشياطين أن لا يقذف بهم خارج الكورة، ولا يأمرهم أن يذهبوا إلى اللهج، كما روى مرقس ولوقا. وقد أراد الشياطين بطلبهم الإذن بالدخول في الخنازير، أن يُلحقوا بسكّان تلك الكورة أذيَّة حديثة إذ يبغضون البشر كثيرًا، وأن يجعلوا المسيح مبغوضًا، وأن يهيِّجوا أصحاب الخنازير بهذه الخسارة إلى المسبّات والتجديف، ويبعدوهم عن المسيح وإنذاره. وأمّا المخلِّص فسمح بذلك ليبيِّن أنَّه متولٍّ لا على الشياطين فقط، بل على كلِّ الخلائق أيضًا. ولتظهر قوَّة الشياطين وكثرتهم، وبالتالي قوَّة المسيح ومجده بطرده لهم، كما قال فم الذهب* وتاوافيلكتوس*، وليعلِّم أنَّه لا توجد خسارة مال تساوي امتلاك الروح الرديء للإنسان، وليزداد انتشار الأعجوبة ومجد الله بهذا السبب، وليفنِّد ضلال الزنادقة وغيرهم ممَّن كانوا يزعمون أنَّ الشياطين ليسوا أرواحًا بل انعطافات رديئة في أجساد الناس ونفوسهم، وأخيرًا ليعلِّم بهذا المثل أنَّ الناس الذين يتمرَّغون بحمأة اللذّات كالخنازير سوف يتهوَّرون نظير هذه الخنازير في لجَّة ناريَّة. آ33. أمّا الرعاة، أي رعاة الخنازير، فهربوا وذهبوا إلى المدينة وأخبروا أصحاب الخنازير التي غرقت ليلاً يطالبونهم بها، بكلِّ شيء وبالمجنونين. آ34. فخرجَ جميعُ مَنْ في المدينة إلى لقاء يسوع، ولمّا أبصروه طلبوا إليه أن يتحوَّل عن تخومِهم، لئلاّ تصيبهم أعظم مضرَّة. فإذًا ،لم يطلبوا ذلك اتِّضاعًا، أي لاعتبارهم أنَّهم غير أهل لقبول المسيح، كما ارتأى مار إيرونيموس*، بل خوفًا من زيادة مضرَّتهم بحضور المسيح عندهم، لأنَّهم كانوا يرون المخلِّص يهوديًّا وهم حنفًٌ كما تقدَّم، فخافوا أن يعاقبهم لاختلاف الدين ولآثامهم السابقة. |