ماذا قال البابا يوحنا بولس الثاني عن التكريم المريمي؟
إليكم ما قاله البابا القديس يوحنا بولس الثاني عن التكريم المريمي في الطقوس الشرقيّة، وفق ما ورد في “رسالة أمّ الفادي” (1987):
“إِنّني أَوَدُّ أَنْ أُبْرِز إِلى أَيِّ حَدٍّ عَميِقٍ تَشْعُرُ الكَنِيسَةُ الكاثولِيكِيَّة وَالكَنيِسَةُ الأُرْثوذُكْسِيَّةُ وَالكَنَائِسُ الشَرْقِيَة بِأَنَّها مُتَّحِدَةٌ في مَحَبَّةِ “والِدَةِ الله” وَمَدِيحَهَا، لا لأَنَّ العَقَائِدَ الأَسَاسِيَةَ للإيمانِ المَسِيحِيِّ بِالثَالوثِ، وَكَلِمَةِ اللهِ المُتَجَسِّدِ مِنَ العَذْرَاءِ مَرْيَم، قَدْ حُدِّدَتْ فِي المَجَامِعِ المَسْكونِيَّة المَعْقُودَةِ فِي الشَّرْقِ وَحَسْب، بَلْ لأَنَّ الشَرْقِيِينَ، فِي عِبَادَتِهِمِ اللِّيتُورْجِيَّة، يُكَرِّمُونَ، بِأَنَاشِيدَ رَائِعَة، مَرْيَمَ العَذْرَاءَ الدّائِمَةَ بَتُولِيَّتُها وَأُمَّ اللهِ الفائِقَةِ القَدَاسَة…
ما بَرِحَ المَسِيحِيُّونَ الشَّرْقِيُونَ، بِثِقَةٍ لا حَدَّ لهَا، يَتَوَجَّهُونَ إِلى أُمِّ الرَّبِّ، يُكَرِّمُونَها بِمَدَائِحِهِمْ، وَيَدْعُونَها بِصَلَواتٍ مُتَّصِلَة. وَفِي الأَوْقَاتِ الصَعْبَةِ مِنْ وُجُودِهِمِ المَسِيحِيِّ المُعَذَّبْ، التَجِأُوا إِلى حِمَايَتِها، مُوقِنِينَ بأَنَّ لَهُمْ فِيها سَنَدًا كَبِيرًا. إِنَّ الكَنَائِسَ التي تَعْتَرِفُ بِتَعْليِمِ مَجْمَعِ أَفَسُس تُعْلِنُ العَذْرَاءَ “أُمَّ اللهِ الحَقيِقِيَّة”، “لأَنَّ رَبَّنا يَسُوعَ المَسيح… المَوْلُودَ مِنَ الآبِ قَبْلَ الدُّهُور، بِحَسَبِ الأُلُوهَة، وُلِدَ، فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَة، مِنْ أَجْلِنا وَمِنْ أَجْلِ خَلاَصِنَا، مِنْ مَرْيَمَ العَذْرَاءِ، أُمِّ الله، بِحَسَبِ البَشَرِيَّة”. فالآباءُ اليُونانُ وَالتَقْليِدُ البِيزَنْطي، تَأَمَّلُوا العَذْرَاءَ عَلَى ضَوْءِ الكَلِمَةِ الذي صارَ إِنْسَانًا، وَاجْتَهِدوا أَنْ يَسْبِروا عُمْقَ العَلاقَةِ التي تَرْبِطُ مَرْيَم، كَوْنَها أُمَّ الله، بِالمَسِيحِ وَالكَنِيسة: إِنَّ للعَذْراءِ حُضُورًا مُسْتَمِرًا في مَدَى تَاريِخِ الخَلاصِ بِأَسْرِهِ.
وَلَجَت التَّقَالِيدُ القُبْطِيَّةُ وَالحَبَشِيَّة هذا التَأَمُّلَ فِي سِرِّ مَرْيَم، بِفَضْلِ القِدِّيسِ كيِرِلُّسَ الإِسْكَنْدَرِيّ، فَكَرَّمَتْ، بِدَوْرِهَا، هَذا السِرَّ بِأَشْعارٍ زَاهِرةٍ فَيَّاضَة.
ونَظَمَ َمَار أَفْرامُ السِّرْيَانيُّ المُلَقَّبُ بِكِنَّارَةِ الرُوحِ القُدُس، بِعَبْقَرِيَّتِهِ الشِّعْرِيَة، أَنَاشِيدَ لِلْعَذْرَاء، وَلَمْ يَكِلّ، فَتَرَكَ بَصْمَتَهُ، حَتَّى اليَوْم، عَلى تَقْلِيدِ الكَنِيسَةِ السُّرْيَانِيَّة.
وراحَ القِدِّيسُ غْرِيغُورْيوُس، يَتَعَمَّقُ في مُخْتَلَف وُجُوهِ سِرِّ التَّجَسُّد، بِإِلهْامٍ شِعْريٍّ كَبِير، وَيَتَّخِذُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُنَاسَبَةً لِيُغَنِّي بِمَدْحِ العَذْرَاءِ مَرْيمَ أُمِّ الكَلِمَةِ المُتَجَسّد، وَيُعْلِنُ مُقَامَها الفائِقَ وَجَمَالها العَجِيب.
إِذًا، فَلاَ عَجَبَ فِي أَنْ تَحْتَلَّ مَرْيَمُ مَكَانَةً مُمَيَّزَةً فِي عِبادَةِ الكَنَائِس الشَّرْقِيَّةِ العَرِيقَة، مَصْحُوبَةً بِفَيْضٍ لاَ نَظيِرَ لَهُ مِنْ أَعْيَادٍ وَأَنَاشِيد”. (البابا يوحنا بولس الثاني، أمّ الفادي، 31).