رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تعبيرٌ من تعابيرِ حُبِّ الله
يرى كثيرون في المطهر علامة على قساوة الله وتلذّذه بمعاقبة البشر، ما يتنافى -على حدّ تفكيرِهِم- مع الأساس اللاهوتيّ الإنجيليّ: “ألله محبّة”. المطهر، تعبيرٌ من تعابيرِ حُبِّ الله. يرى كثيرون في المطهر علامة على قساوة الله وتلذّذه بمعاقبة البشر، ما يتنافى -على حدّ تفكيرِهِم- مع الأساس اللاهوتيّ الإنجيليّ: “ألله محبّة”. هل يتنافى المطهرُ، فعلاً، مع محبّة الله الكاملة؟ أم هل أنّ محبّة الله تتجسّد بمكافأة الأبرارِ والخطأة والأشرار على قدرٍ سواء؟ في كتاب نور العالم، لمّح البابا بنديكتوس السادس عشر إلى حالة استثنائيّة في الزمن المعاصر، تُخُلّيَ فيها عن كلّ أنواعِ التأديبات الكنسيّة بذريعة شريعة المحبّة. ويضيف انّ التأديبات الكنسيّة هي وجه من وجوه محبّة الكنيسة. هكذا يقول سفرُ الأمثال: “مَنْ يَمْنَعُ عَصَاهُ يَمْقُتِ ابْنَهُ، وَمَنْ أَحَبَّهُ يَطْلُبُ لَهُ التَّأْدِيبَ” (13: 24).). ومثله يقول سفر يشوع بن سيراخ في الفصل 30: “1 مَنْ أَحَبَّ ابْنَهُ، أَكْثَرَ مِنْ ضَرْبِهِ، لِكَيْ يُسَرَّ فِي آخِرَتِهِ. 2 مَنْ أَدَّبَ ابْنَهُ، يَجْتَنِي ثَمَرَ تَأْدِيبِهِ، وَيَفْتَخِرُ بِهِ بَيْنَ الْوُجَهَاءِ. 3 مَنْ عَلَّمَ ابْنَهُ، يُغِيرُ عَدُوَّهُ، وَيَبْتَهِجُ بِهِ أَمَامَ أَصْدِقَائِهِ. …. 7 مَنْ دَلَّلَ ابْنَهُ فَسَيَضْمِدُ جِرَاحَهُ، وَعِنْدَ كُلِّ صُرَاخٍ تَضْطَرِبُ أَحْشَاؤُهُ. 8 الْفَرَسُ الَّذِي لَمْ يُرَضْ، يَصِيرُ جَمُوحاً وَالاِبْنُ الَّذِي لَمْ يُضْبَطُ يَصِيرُ سَفِيهاً. 9 إِنْ دَلَّلْتَ ابْنَكَ رَوَّعَكَ، وَإِنْ لاَعَبْتَهُ حَزَنَكَ. وقد يقول قائل: “هذا في العهد القديم، في عهد إلهٍ غضوبٍ منتقِمٍ أمّا مع المسيح فلا شيءَ سوى المحبّة”! لا! لا يُمكِنُنا اختصار الإنجيل بما يوافِقُ قناعاتِنا الشخصيّة ونهمل ما لا يوافقها. فإمّا نقبل كلام المسيح كاملاً وإمّا نرفضه كامِلاً. المحبّة الّتي دعى إليها المسيح لم تُلغِ القصاص والتأديبَ والثوابَ والعقاب. يكفي أن نقرأ في متّى 18: 21-35 – مثل العبد الذي لا يغفر، أو نقرأ مثل العبد البطّال في لوقا 12: 42-48. يقولُ نصّ لوقا: “قالَ الرَبُّ يَسُوع: «مَنْ تُرَاهُ الوَكِيلُ الأَمِينُ الحَكِيمُ الَّذي يُقِيمُهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُم حِصَّتَهُم مِنَ الطَعَامِ في حِينِهَا؟ طُوبَى لِذلِكَ العَبْدِ الَّذي، متى جَاءَ سَيِّدُهُ، يَجِدُهُ فَاعِلاً هكذَا! حَقًّا أَقُولُ لَكُم: إِنَّهُ يُقِيمُهُ عَلَى جَمِيعِ مُقْتَنَياتِهِ. أَمَّا إِذَا قَالَ ذلِكَ العَبْدُ في قَلْبِهِ: سَيَتَأَخَّرُ سَيِّدِي في مَجِيئِهِ، وَبَدأَ يَضْرِبُ الغِلْمَانَ وَالجَوَارِي، يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَسْكَر، يَجِيءُ سَيِّدُ ذلِكَ العَبْدِ في يَوْمٍ لا يَنْتَظِرُهُ، وَفي سَاعَةٍ لا يَعْرِفُها، فَيَفْصِلُهُ، وَيَجْعلُ نَصِيبَهُ مَعَ الكَافِرين. فَذلِكَ العَبْدُ الَّذي عَرَفَ مَشِيئَةَ سَيِّدِهِ، وَمَا أَعَدَّ شَيْئًا، وَلا عَمِلَ بِمَشيئَةِ سَيِّدِهِ، يُضْرَبُ ضَرْبًا كَثِيرًا. أَمَّا العَبْدُ الَّذي مَا عَرَفَ مَشِيئَةَ سَيِّدِهِ، وَعَمِلَ مَا يَسْتَوجِبُ الضَّرْب، فَيُضْرَبُ ضَرْبًا قَلِيلاً. وَمَنْ أُعْطِيَ كَثيرًا يُطْلَبُ مِنْهُ الكَثِير، وَمَنِ اؤْتُمِنَ عَلَى الكَثِيرِ يُطالَبُ بِأَكْثَر». هذا كلام المسيح نفسه. ليس كلامَ لاهوتيّ ولا كلام محلّل ولا رجل أدب. التعبيرُ واضح: يضربُ ضربًا… كثيرونَ يريدون “إلَهًا مُحبًّا” رافضينَ فكرة إلهٍ ديّانٍ يحاسب بعدلٍ كلَّ إنسانٍ بحسب اعمالِهِ. وهذا تسطيحٌ لمعنى المحبّة وتجريد له من البعد التربويّ! لا يمكنُ للّه المحبّ العادل أن يُكافئ الشرّ بالخير بذريعة المحبّة، ففي هذه “المحبّة المزيّفة” ظلمٌ الأبرار واستخفافٌ بأمانَتِهم وجهادِهِم. ولكنَّه يرحم ويعفو ويغفُرُ بحسب عظيمِ رحمتِهُ، عندما يواجِهُ خاطئًا تائبًا توبةَ القلبِ الصادقة. ولكنّ الرحمة لا تُعفي دائمًا من بعضِ التكفير، فحتّى لو كانَت رحمة الله تفوق الجبال وتطالُ السماء، فإنّ الخاطئ التائبَ بصدقٍ لن يُعفِيَ نفسَهُ من بعض التكفير، لكي يجدَ نفسَهُ أهلاً يومًا ما إلى الانضمام إلى أجواق القدّيسين. وإذا كانَت محبّة الله تعني مكافأةً بديهيّة للأبرار والأشرار على السواء، من دون أن يمرّ الأشرار بحالة التوبة والتكفير، تكونُ هذه المحبّة ضربًا من الفساد -والله متعالٍ على كلّ فساد” لأنّ العفوَ، بذريعة المحبّة، من دون توبةٍ وانسحاقٍ قلب لدى الخاطئ أو الشرّير، سيسبِّبُ فتورًا في جهادِ الأبرارِ وتحفيزًا للأشرار للتمادي في الشرّ! تُرى هل يستمرّ العدّاءُ في تحضير نفسه للمسابقة الكبرى، إذا كان كلٌّ سينالُ الجائزة نفسَها. أو تُرى يجاهِدُ التلميذُ في طلب المعرفة إذا كانت الترفيع هديّة مجّانيّة للجميع من ناجحين أو راسبين؟ ما تُراها قيمَة الشهادة الأكاديميّة إذا مُنِحت للمُتفوّقينَ والمتكاسِلينَ على السواءْ فالجامعة الّتي تكافئ طلّابَها كلًّا على قياسِ جهادِه هي جامعة موثوقة! والجامعة الّتي توزّع الشهاداتِ بلا تمييز جامعةٌ رديئة! والمديرُ الّذي يُحسِنُ محاسبَة الموظفين، فيكافئ الواحد على السعيِ والأمانَة ويؤدّب الآخر على الرشوة والكسل، هو مدير صالح، ومؤسّستُه واعدة! والمديرُ الّذي يفعلُ خلاف ذلك فمصيرُ مؤسّستِه إلى الإنهيار! وهنا يبدو مفهوما المحبّة والقصاص أكثر وضوحًا، فهما معًا يَنشُدانِ الخيرَ الأسمى والأعمّ! هكذا هو الله. محبّ وعادلٌ وديّان. وكلّ ذلك في سبيل الخير والخلاص. في هذا الإطار قد نفهم بشكل أدقّ معنى الجنّة والمطهر والنار. فالجنّة مكافأة الّذين أحسنوا الجهاد، والمطهَر لخاطئين تائبين يعوّضون خطاياهم قبل بلوغ ملء السعادة، والنار هي مصيرُ من بخيارِهم الحرّ اختاروا تجاهلَ الله، واتّخذوا جانبَ الشرّ جانبوا كلَّ فرصةٍ للتوبة غارقين في الكبرياء! فليس الله هو من يحكمُ على الناس بالمطهر والنار، بل أعمالُهم هي الّتي تدينُهم، كما أنّ علامات التلميذ تقرّر مصيره، لا رغباتُ مدير المدرسة! فلنكنُ من المجتهدين! |
|