رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديس غريغوريوس الأول بابا رومية (604م( 12 آذار غربي (25 آذار شرقي) هو المعروف عندنا ب "الذيالوغوس". يُنسب إليه القداس المعروف ب "السابق تقديسه". في الغرب يسمونه غريغوريوس الكبير وهو أحد المعلمين الأربعة الكبار هناك بجانب القديس أوغسطينوس و القديس إيرونيموس و القديس أمبروسيوس. ولد في رومية حوالي العام 540م لعائلة مشيخية تبوأ بعض أفرادها سدة البابوية. بعد دراسة متينة حصّلها أمسى والياً لمدينة رومية. ولما كان متعلقاً منذ الشبابية بتأمل الكتب المقدسة فقد اعتبر نفسه، بإزاء مسؤوليته المدنية، طائرأ في غير سربه. فما إن توفي والده حتى ترك وظيفته ووزع القسم الأكبر من ثروته على الأديار والمحتاجين واعتزل راهباً بسيطاً في دير أنشأه في قصره وجعله بشفاعة القديس إندراوس الرسول. قيل أنه اقتنى صحفة من الفضة فجاءه تاجر غرقت سفينته يستعطي فأعطاه الصحفة وصار حراً بالكامل. لم ينعم غريغوريوس بالسلام الديري طويلاً لأن البابا بلاجيوس الثاني (579 – 590)، المختار للبابوية حديثاً، أسماه سفيراً له وأوفده إلى القسطنطينية في مهمة لدى الامبراطور والبطريرك هناك. المهمة كانت بشأن ما تتعرض له البلاد الإيطالية من ظلم اللمبارديين وتعسفهم. بقي غريغوريوس في المدينة المتملكة ست سنوات وترك في القصر انطباعاً طيباً لبساطته وعلمه وفضائله. فلما عاد إلى رومية اختير رئيساً لديره. أحبه رهبانه وعرف هو أن يتخذهم في محنهم وحاجاتهم سعياً إلى حفظهم بلا همّ، لكنه كان، في آن، على صرامة في حفظ التراث الرهباني بلا هوادة. من ذلك مثلاً أنه أمر بإلقاء جسد أحد رهبانه، بعد وفاته، وسط القمامة لأنه احتفظ لنفسه بثلاث قطع ذهبية. في المقابل أقام الخدم الإلهية عن نيته ثلاثين يوماً إلى أن حظي له من الله بغفران الخطايا. بفضل هذه الصرامة المحبة أضحى دير القديس غريغوريوس مدرسة حقانية للقداسة واعتبره السكان محامياً مشتركاً عنهم. وذات يوم، فيما كان عابراً بالسوق حيث كان يُباع العبيد، لاحظ شباناً وأولاداً شقراً معروضين للبيع فتحركت نفسه وسأل من أين يكون هؤلاء الملائكة بالجسم. فلما علم أنهم نقلوا من انكلترا، الأرض التي لم يصلها الإنجيل بعد، أخذ ينتحب وقرر، للحال، أن يذهب إلى هناك كارزاً بالإنجيل برفقة رهبان. لكن بعد ثلاثة أيام من خروجه إلى الشمال لحق به رسل بعث بهم البابا إليه. هؤلاء طلبوا منه باسم الشعب المؤمن أن يعود ليُعنى بهم. خدم غريغوريوس أمين سر للبابا بيلاجيوس بضع سنوات. فلما قضى هذا الأخير نحبه. إثر وباء تفشى سنة 590م، رفع الإكليروس والمشيخة والشعب الصوت وألزموا غريغوريوس بقبول السدة الأولى في كنيسة رومية رغم احتجاجه وتهربه. في تلك الأثناء زاد الطاعون تفشياً فدعا غريغوريوس الشعب إلى التوبة والإقرار بأن هذا العقاب نزل بهم لخطاياهم. كما دعا إلى مسيرة في كل المدينة بمشاركة الرهبان والراهبات حُملت، في مقدمتها ، إيقونة لوالدة الإله. وقد ورد أنه حيثما عبرت الإيقونة كان الهواء الفاسد يتنقى وأن ملاكاً ظهر وسيف في يده فانطفأ الطاعون. كل هذا جعل الأنظار تتركز بالأكثر على غريغوريوس الذي توارى واختبأ في إحدى المغاور. وقد بحث عنه الشعب في كل مكان. أخيراً دل عليه عمود نوراني فأخذوه مرغماً وجعلوه أسقفاً عليهم في السادس عشر من أيلول سنة 590م. قيل أنه كان يجيب من يأتونه مهنئين بكلام كهذا: "بعدما جعلوني أسقفاً أجدني مقيداً إلى العالم، من جديد، وعلى أكثر مما كنت قبل رهبنتي. لقد أضعت الفرح العميق الآتي من الهدوء خارجياً رُفِّعت، داخلياً أجدني في وهدة. بعد أن أتمم واجبي اليومي أحاول أن أعود إلى نفسي فلا أستطيع لأن التشويش والبطلان يملأني". كانت الكنيسة، يومذاك، على أشقى ما تكون الأحوال: الهرطقات في كل مكان، الإنقسامات، ظلم البرابرة، إساءات الأمراء المسيحيين. وإذ تعرضت رومية للمجاعة، اهتم غريغوريوس بتوزيع المؤن على المحتاجين. وكان هو، كل يوم، يستقبل إلى مائدته اثني عشر فقيراً يغسل أيديهم معتبراً نفسه مسؤولاً عن كل من يحدث أن يقضي جوعاً. وذات يوم بان له أنه كان إلى مائدته ثلاثة عشر ضيفاً. فلما سأل الضيف الثالث عشر من يكون علم أنه ملاك أوفده الرب الإله ليكون للأسقف معيناً. نظم غريغوريوس الحياة في داره الأسقفية على صورة الحياة في الدير. اهتم بالخدم الليتورجية اهتماماً كبيراً وشجع إكرام رفات القديسين كما أصلح الترتيل الكنسي. كذلك اهتم بملاحظة اختيار الأساقفة وتصدى للسيمونية ولم يسمح لأى من الأساقفة أن يقيم خارج أبرشيته وعقد مجامع محلية اهتمت بمحاربة الهرطقات وإصلاح الأخلاق وعمل على الحؤول دون تدخل السلطات المدنية في الشؤون الكنسية والأساقفة في الشؤون الديرية. نطاق رعايته كان في اتساع وكان يطوف على الكنائس واعظاً. والتي لا يتسنى له الكرازه فيها بالحضور الشخصي كان يوفد إكليريكيين ليتلوا على الشعب المؤمن رسائل منه. وإلى مهامه الرعائية كانت له مراسلات عديدة في كل العالم المسيحي، وله أيضاً مقالات روحية قيمة. أتشخ غريغوريوس بثوب الاتضاع في كل ما كان يفعله. كان يدعو الكهنة إخوة والمؤمنين أسياداً. في كل رسائله كان يعتبر نفسه "خادم خدام الله" ناظراً إلى نفسه كخاطئ كبير. الزمن الذي تولى فيه قديسنا سدة الأسقفة الأولى في رومية كان مضطرباً لكنه عرف، بنعمة الله، أن يوظف طاقاته ومواهبه في حفظ قطيع المسيح كراع ممتاز. مواهبه الإدارية تجلت على أفضل ما يكون. اللمبارديون بلغوا أبواب رومية وهددوا بنهب المدينة فنجح، كرجل حكيم، لا في إيقافهم وحسب والدخول معهم في هدنة، بل تمكن أيضاً، عبر ملكتهم ثيودلندا، التي كانت أرثوذكسية، من اختراقهم والمباشرة بهدايتهم. على الصعيد المالي عرف غريغوريوس أن يوظف طاقات الكنيسة حسناً سواء على صعيد افتداء الأسرى أو مساعدة المحتاجين أو لدعم الكنائس في الأرض المقدسة أو الأديرة. كان يعلق أهمية خاصة على صلوات الرهبان باعتبارها السند الأساسي لخدمته في العالم، لذلك شجع الرهبنة في خط الآباء القديسين ودعم الأديرة. دوره في احتضان قانون القديس بنوا ( أو بنديكتوس) النورسي بارز. وإليه يعود الفضل في حفظ سيرة القديس بنوا هذا ونشر قانون رهبنته في كل الغرب. أدرك غريغوريوس أن خير اسلوب للتعاطي مع الشعوب البربرية درءاً لخطرها على رومية والكنيسة فيها هو اقتحامها بكلمة الكرازة وهدايتها إلى المسيح. لذلك أولى العمل الرسولي اهتماماً خاصاً. وإذ بقي يذكر أولئك الأولاد والشبان الشقر الذين ألفاهم يُباعون في سوق النخاسة في رومية، في وقت من الأوقات، أرسل، وقد بات مقتدراً، أربعين من الرهبان برئاسة القديس أوغسطينوس المصلّي لهداية الشعوب الأنجلو سكسونية. وكان يتابع عمل هذه الإرساليات عن كثب. كذلك كانت لغريغوريوس مراسلاته على نطاق واسع، سواء بشأن القضايا الكنسية الكبرى أو للتواصل وأبسط الخراف الناطقة. على صعيد المقالات، لم تحُل علل القديس البدنية والهموم المتزايدة للرعاية دون وضعه العديد القيِّم منها نظير "عِبَر أيوب" التي هي تعليقات على الكتاب المقدس بسط فيها أسلوبه المميز في التفسير الاستعاري الأخلاقي. هذا الأسلوب استمر رائجاً على امتداد القرون الوسطى في الغرب. كذلك عرف غريغوريوس، بنفاذ البصيرة، كيف يُبرز دقائق النفس البشرية ولولبيتها، كما عرض لكافة جوانب الحياة المسيحية بدءاً من الشؤون العملانية وامتداداً إلى أسمى المسائل الروحية. ولغريغوريوس أيضاً كتاب قيم آخر هو "عجائب الآباء في إيطاليا" أو ما يُعرف ب "الحوارات" الذي ينقل فيه، عبر حوارات وشمّاسه بطرس، الأعمال النسكية الباهرة والعجائب التي خبرها الآباء القديسون الذين عايشهم في المناطق المحيطة برومية. هذه حررها لمنفعة الرهبان وللتأكيد أن الروح القدس الذي فعل في الرسل القديسين يفعل أيضاً في كل مكان وزمان، وأن الفرصة سانحة أبداً لتحقيق الاتحاد الكامل بالله. هذه الروايات حرص غريغوريوس على استخلاص العبر منها، العقدية والأخلاقية، لا سيما في كتابه الرابع حيث أثبت استمرار الحياة بعد الموت وأن لصلوات الكنيسة فعالية لا تقبل الشك في تعزية نفوس الراقدين. جدير بالذكر أن بطرس الشماس شهد أنه كان يعاين روح الرب على القديس أحياناً، بشكل حمامة بيضاء، هامساً في أذنه بتعاليمه السماوية. وهو نفسه، غريغوريوس، أقر أنه حدث له أحياناً أن سمع الروح القدس، في داخله، يُملي عليه شروحات للكتاب المقدس ما كانت لتخطر له على بال. أقام قديسنا في الخدمة الأسقفية أربعة عشر عاماً لم يتوقف خلالها عن اشتهاء الحياة الرهبانية لو كانت تعود إليه. وقد عانى من واقع الفوضى والفساد الذي شمل الكنيسة يومذاك، لا سيما بتأثير غزوات البربر. آلامه أيضاً أضنته خصوصاً في السنتين الأخيرتين من حياته حتى لم يعد له شوق ولا تعزية إلا الاستقرار في الراحة الأبدية. رقد بالرب في 25 آذار 604م. مما لا شك فيه أن العناية الإلهية فتحت، بشخص القديس غريغوريوس، آفاقاً مستقبلية واعدة لغرب جرت هداية البرابرة فيه إلى المسيحية بطيئة. واستكمالاً للفائدة نورد، بشيء من التفصيل، حادثتين وقعتا للقديس غريغوريوس، إحداهما حين كان رئيساً لدير القديس اندراوس والثانية بعدما صار أسقفاً لرومية. ذات يوم فيما كان جالساً في قلايته يكتب جاءه فقير فأمر تلميذه أن يعطيه ست قطع نقدية ففعل. وبعد ساعة عاد الفقير نفسه وقال للقديس:ارحمني يا عبد الله العليّ. لقد أعطيتني أقل مما خسرت. فأمر تلميذه أن يعطيه ست قطع أخرى ففعل. وبعد قليل عاد الفقير وقال للقديس: ارحمني يا عبد الله العليّ وأعطني بركة أخرى فإن خسارتي كبيرة. فدعا تلميذه وأمره أن يعطي الفقير ست قطع أيضاً. فأجابه التمليذ بأن المال نفذ؟ فقال للتلميذ: أعطه، إذن، أي وعاء أو لباس ليسد حاجته. وإذ لم يكن في الدير غير الطست الفضي الذي أرسلته والدة القديس مع بعض الحبوب فقد أمر القديس بأن يُعطى للفقير. فأخذ الفقير المال والطست ومضى. فلما صار غريغوريوس أسقفاً أمر، ذات يوم، بإعداد مأدبة لإثني عشر شخصاً. فلما حضر المدعوون بدوا لعينيه ثلاثة عشر. فدعا معاونه وسأله لماذا خالف أوامره؟ فاستولى عليه الخوف وعد المدعوين فكانوا إثني عشر. وحده غريغوريوس رآهم ثلاثة عشر. وفيما هم يأكلون نظر الأسقف الثالث عشر فرآه جالساً على طرف المقعد ووجهه يتبدل من شكل رجل شيخ إلى شكل شاب. فلما نهضوا عن المائدة أطلق الأسقف الجميع إلا الثالث عشر الذي دخل به غرفته الخاصة وقال له: أقسم عليك بقوة الله العظيم من انت وما اسمك؟ فقال له: أنا هو ذلك الفقير الذي أتى إلى دير القديس الرسول أندراوس وأعطيته الإثني عشر نقداً والطست الفضي الذي أرسلته لك أمك. إعلم انك منذ ذلك اليوم عيّنك الرب رئيساً للكنيسة وأن تكون خليفة لبطرس الهامة. فقال له غريغوريوس: وكيف علمت بذلك؟ فأجاب: لأني أنا ملاك الرب الضابط الكل. وقد أرسلني الرب لأمتحن نيتك إن كنت محباً للبشر بالحقيقة ولا تتصدّق بدافع الظهور. لا تخف، فقد بعث بي الرب إليك لأكون معك ما دمت في هذه الحياة وتطلب منه ما تحتاج إليه بواسطتي. فخرّ غريغوريوس بوجهه على الأرض وسجد قائلاً: إن كان الرب الكلي الرحمة من أجل قليل من هذا الخير قد أظهر ما لا يُقدر من المراحم بإرسال ملاكه ليكون معي فأي مجد يناله الذين يثابرون على وصاياه ويعملون البر؟ |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
القديس غريغوريوس الأول بطريرك أنطاكية العظمى |
صورة القديس غريغوريوس الأول بابا رومية |
القديس لاون بابا رومية |
القدّيس غريغوريوس الذيالوغوس بابا رومية |
القديس غريغوريوس الكبير، بابا روما (اغريغوريوس الأول) |