رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"مقابلتها ابنها ماضياً ليموت مصلوباً على جبل الجلجلة" قبل اللقاء ، لم تكن عيناها على نوعٍ ما تنشفان من الدموع المتصلة، بتذكرها في أنه قريباً كان يلزمها أن تفقد أبنها الحبيب من هذه الأرض ، وأنه من قبل الخوف الذي كان يشتملها عند تفكرها بالمشهد المزمع حدوثه بموت يسوع، كان العرق البار يقطر من أعضاء جسمها كافةً. فهوذا أخيراً قد بلغ الزمن المرسوم لهذا العمل العظيم، وجاء يسوع عند والدته لكي يودعها ويمضي الى الموت فلما صار الصباح كان تلاميذ الرب الواحد بعد الآخر يأتون عند هذه الأم الإلهية المحزونة، وكلٌ منهم كان يخبر عما يكون شاهده أو سمع به فقال لها القديس يوحنا الحبيب: فإن كنتِ اذاً تريدين أن تنظريه وتودعيه المرة الأخيرة ، تعالي لكي نذهب الى أحدى الطرقات المزمع أن يجتاز هو منها عابراً فخرجت مريم البتول صحبة القديس يوحنا من البيت الذي كانت مقيمةً فيه ، واذ شاهدت في الطريق نقط الدم الواضحة قد أستدلت منها على أن الجند كانوا أجتازوا بيسوع من هناك الى ما قدام. " أنني قد عرفت أن أبني قد كان مر من تلك الطريق وجاز عند نظري أثره من قبل أنصباغ الطريق بدمه". أن الأم الإلهية الموعبة حزناً، عند علمها أن يسوع كان اجتاز من تلك الطريق، فهي أسرعت من طريقٍ أخرى قليلة المسافة وسبقت ووقفت عند رأس المسلك لملاقاة أبنها الحبيب المتألم المزمع أن يمر من هناك". فيا لها من والدةٍ متوجعةٍ في لجة الأحزان، ويا له من ابنٍ غارقٍ في بحر الآلام: يقول القديس برنردوس: ففي مدة وقوفها هناك ترى كم سمعت من اليهود الذين كانوا يعرفونها، من التكلم بالأهانة والأفتراء ضد أبنها الحبيب، وربما ضدّها هي أيضاً. ولكن أواه كم كان سهم الحزن جارحاً قلب هذه الأم عند مشاهدتها خدام الشريعة مارين من هناك قبل يسوع، بالمسامير والمطارق والحبال وسائر الأشياء المقتضية لأتمام حكومة الموت . وكيف صارت حالها حينما سمعت المنادي أمام أبنها الحبيب يعلن مشهراً كالعادة مضمون الحكومة المبرزة بالموت ضد يسوع. اللقاء المؤلم ------------- ولكن بعد أن اجتازوا بآلات الصلب ومرّ المنادي وخدّام الشريعة هوذا أمام عيني هذه الأم المحزونة مجتازاً ذاك الشاب المُكتسى جسمه من الرأس الى القدمين من الجراحات القاطرة الدماء من كل ناحيةٍ من جسده، وعلى هامته حزمةٌ من الشوك . وصليب ذو خشبتين محمولٌ على منكبيه. فنظرت إليه، أواه يا له من منظرٍ محزنٍ يفتت الأكباد ، وكأنّها لم تعرفه. كما قال عنه أشعيا النبي: ورأيناه ولم يكن منظرٌ ولا جمالٌ مهاناً وآخر الرجال ، رجل الأوجاع مجرباً بالأمراض وكان وجهه مكتوماً ومرذولاً... ونحن أحتسبناه كأبرص ومضروباً من الله (53: 2) لأنّ الجراحات الموجودة في جسمه. والدماء المسفوكة منها قد صيّرته كأبرصٍ مضروبٍ بالقروح الّا أن الحب أخيراً قد حقق لهذه الأم أن ذاك الإنسان هو يسوع أبنها بعينه . فوأسفاه واحسرتاه كم كان شديداً سهم الحزن الذي طعن قلبها فيما بين الحب والخوف معاً (كما يقول القديس بطرس دالكانتارا في تأملاته) لأن الحب من الجهة الواحدة كان يجتذبها لأن تتفرس في وجه حبيبها يسوع لتراه جيداً، والخوف من الجهة الثانية كان يصدها عن مشاهدة منظرٍ كافٍ لأن يميتها من شدة الحزن. ولكن أخيراً قد نزع يسوع عن عينيه الدم الجامد الذي كان يمنع نظره وشاهد والدته جيداً وهي شاهدته. أواه يا لها من مشاهدةٍ قد جرحت بسهامها هاتين النفسين الجميلتين. ، أما مريم فحينما شاهدت أبنها في تلك الحال ذاهباً الى جبل الجلجلة ليصلب فلم تغب عن حواسها، لأنه لم يكن لائقاً بهذه الأم الإلهية أن تفقد الأنتباه والمعرفة ولا ماتت من شدة الحزن، لأن الله كان يحفظها لأحتمال آلامٍ أمر، ولكن ولئن لم تمت فمع ذلك قد ألم بها حزنٌ كافٍ لأن يميتها ألف ميتةٍ. فيقول القديس أنسلموس أن مريم حينئذٍ أقتربت من يسوع مريدةً أن تعانقه، الا أن خدام الشريعة صدوها عن ذلك بأهانةٍ وعنفٍ وأجبروا يسوع على المشي مجتازين به، ووقتئذٍ هذه الأم أتبعته لاحقةً . أواه أيتها البتول القديسة الى أين تذهبين، أهل الى جبل الجلجلة. ولكن أيمكنكِ أن تثقي بذاتكِ في أنكِ تقدرين أن تشاهدي معلقاً على الصليب ذاك الذي هو حياتكِ. كما قيل في تنبيه الإشتراع: وتكون حياتك كالمعلقة قدامك (28: 66) |
|