لنرفع أيدينا إلى فوق بكل طهارة وتقوى وإيمان ممزوج بالمحبة
شاكرين الله أبينا وسيد كل أحد، باسم ربنا يسوع، الذي أهلنا
لشركة ميراث القديسين في النور (كورنثوس 1: 12)
أردت اليوم ان نتحدث معاً عن طبيعة معرفة الله الحقيقية
لأن عن جهل يحاول البعض أن يعرف الله عن طريق المعرفة المحصورة في التفكير العقلي، حسب إنسانيتنا الساقطة المنعزلة والمنفردة بذاتها، لأنه منذ السقوط والإنسان صار في معزل عن الله، وفي عزلته أراد أن يعرفه، فلم يعرفه شخص حي وحضور مُحيي، بل عرفه بشكل جامد بواسطة التشريع والشريعة التي لا ترى الشخص بل الرذائل وتحكم عليها، لذلك قد سار الإنسان في طريق مظلم لا يستطيع فيه أن يرى ويعرف الله حسب طبيعته (الله محبة)، لذلك فأن الله تحوَّل عند الإنسان من شخص إلى مجموعة من الصفات الحسنة حبيسة النصوص والقوانين الجامدة.
الله حسب التدبير – في ملء الزمان – أرسل ابنه الوحيد إلى العالم
فقد اشترك يسوع المسيح ابن الله في طبيعتنا لكي نشترك في طبيعته
لأن حسب التدبير الأزلي اختارنا (الله الآب) فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة، إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته (أفسس 1: 4، 5)، فالمسيح الرب ابن الله بالطبيعة أشترك في طبعنا الإنساني حتى يُدخلنا بواسطته لنعمة التبني بعهد موثق بدمه كحمل الله رافع خطية العالم، لذلك أعلن لنا محبة الآب [لأن الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتموني وآمنتم إني من عند الله خرجت (يوحنا 16: 27)]، لذلك الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية (يوحنا 3: 36)، وبالتالي يدخل في معرفة الله لا على مستوى الكلام الفلسفي العقلي بل على مستوى الشركة التي دُعينا إليها: أمين هو الله الذي به دُعيتم إلى شركة ابنه يسوع المسيح ربنا (1كورنثوس 1: 9).
فالله أراد أن ندخل في سرّ الحياة الأبدية عن طريق معرفته
وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته (يوحنا 17: 3)، وهذه المعرفة تجعلنا ندرك وحدانية الله: اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا ربٌ واحد (تثنية 6: 4)، والوحدة هنا وحدة شركة تُظهر لنا طبيعة الله الحقيقية التي تُظهر لنا ابوته الكاملة الظاهرة في البنوة والحياة، لذلك فقد صار وجودنا في المسيح من الجود الإلهي علينا، وحياتنا الجديدة من النعمة الإلهية المُخلِّصة، وحركتنا الروحية نحو الله من المحبة المنسكبة في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا، لأن الروح القدس هو روح الحياة الذي يُحركنا ويشدنا إلى فوق حيث المسيح جالس.
أيها الأحباء انتبهوا لبشارة إنجيل الخلاص
الذي بشَّر بالاتحاد والشركة، لأن الرب في صلاته قبل آلام الصليب أظهر أننا سنكون واحد كما هو والآب واحد، وختم كلماته بكلمة (فينا) أي في الابن والآب معاً، لأننا لن نكون واحد بقوة إرادتنا، ولا نستطيع لا بنسكنا وأعمالنا أن نصل إلى الله وندخل مقادس الحياة الإلهية، لأن الرب نفسه قال لنا: ومن منكم إذا اهتم يقدر أن يزيد على قامته ذراعاً واحدة (متى 6: 27)، لأن ليس كل ما يسعى إليه الإنسان هو قادر عليه، وإن كان في مخيلته فهو نوع من التمنيات قد يكون خارج إمكانياته الإنسانية الضعيفة، أما الرب يسوع الله اللوغوس المتجسد هو الذي يُعطي حسب قدرة استطاعته كل ما يخص الحياة الأبدية، لأنه قادر على أن يُقيم الأموات بالخطايا والذنوب وينقل أي إنسان من الظلمة للنور ومن الموت للحياة فقط بنطق كلمة خارجة من فمه، لأن كلمته نابضة بالحياة في ذاتها، لذك قال: الحق، الحق، أقول لكم أنه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون (يوحنا 5: 25)
فمعرفة الله يا أحباء الله المدعوين للحياة الأبدية
التي تُزرع في القلب لا تأتي ابداً من تصورات وخيال الإنسان، بل من الروح القدس، الذي يولد الاشتياق الحار من نحو الله في النفس، فيدفعها بلطف نحو الآب لتعبر حدودها وإمكانيتها الضعيفة بقوة ابن الله الحي الذي يشرق عليها بنوره الخاص حتى تستنير بنوره فتقدر أن تُعاين النور بالنور فيتمجد الآب بالابن وتدخل النفس في شركة حقيقية وترث ذلك الميراث السماوي العظيم.
والآن ماذا نفعل بالتحديد لندخل في سرّ الوحدة والشركة
ببساطة لنتب الآن ونؤمن ونصغي لصوت ابن الله الحي في مخدعنا الخاص، وحينما نصبر في صلواتنا طالبين مجده، سنسمع صوته ونرى إشراق نور وجهه علينا فتسري فينا حياته وننتقل من الظلمة للنور ومن الموت للحياة، وسنصير رعية مع القديسين وأهل بيت الله مشتركين في التناول من كأس الخلاص وجسد الحياة، فقط أن سمعنا صوته لا نقسي قلبنا ونطيعه ونفعل كل ما يقوله لنا، مقدمين لهُ الشكر الوافر والتسبيح اللائق، له المجد والعظمة والقدرة والسلطان الآن وإلى كل الدهور آمين.