رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديس مزهر (أنثيموس) الأعمى ناسك كافالونيا الجديد 4 أيلول غربي (17 أيلول شرقي) ولد في جزيرة كافالونيا، على البحر الإيجي، في العام 1727، وأعطاه والداه في المعمودية اسم اثناسيوس. أصيب، في السابعة من عمره، بالعمى في عينيه كلتيهما نتيجة أصابته بمرض الجدري، فأخذت أمّه تصلّي بحرارة، إلى الله من أجله، وطلبت من الكاهن أن يذكره في أربعين قداس إلهي، كما جرت العادة في تلك الأنحاء. وفي القدّاس الأخير، فيما كان الكاهن يتفوّه بهذه الكلمات: "بخوف الله وإيمان ومحبة تقدّموا"، هتف اثناسيوس بأنه يبصر الكاهن وحلّته الحمراء والكأس بين يديه. وبالفعل، شفي الولد بصورة عجائبية، وعاد النور إلى عينه اليمنى. عمل اثناسيوس، خلال فترة من الزمن، بحّاراً كأبيه. لكنه ما لبث أن ترك العالم وانصرف إلى حياة التوحّد. لا نعرف كيف عمي من جديد، ولكن، شيئاً فشيئاً، تبين أن عماه كان بتدبير إلهي، لأن روح اثناسيوس، الذي صار راهباً واتخذ اسم انثيموس، التهبت بمحبة الله واتقدت بنوره، بشكل غير عادي، مما أتاح له أن ينير جماّ من النفوس من حوله. على أثر وقوع انثيموس في العمى الجسدي، من جديد، رأى رؤيا. رأى أنه كان يصلي، بحرارة، أمام إيقونة والدة الإله، وإذ بشابين متشحين بالنور يظهران له ويأمرانه بمرافقتهما، فقام وتبعهما. وإذا به أمام والدة الإله، فوجف قلبه، وهمّ بالسجود لها فمنعته بقولها: "اذهب عني، فإنك تصلي باستمرار لأردّ لك البصر، وهذا ليس في مصلحتك!". وإذ تدخل الشابان وتشفعا بأنثيموس، قالت له: "لقد قرّرت يا أنثيموس أن أرد لك البصر جزئياً بسبب كثرة صلواتك وتقواك. ولكن اعلم أنك إذا نلت هذا النظر الزائل فقد تضيّع على نفسك النظر الباقي!". بعد ذلك، عاش أنثيموس شبه أعمى في الجسد وعاد لا يبالي. بالمقابل، منّ عليه الله بعين داخلية نيّرة، حتى أنه كان بإمكانه أن يحدّد، بدقة، المكان الأوفق لبناء دير أو كنيسة. كذلك أعطاه الله بصيرة حسنة، فكان بإمكانه، بنعمة الله، أن يتنبأ بالمستقبلات وأن يدعو أناساً بأسمائهم دون أن تكون له يهم أية معرفة سابقة. رهبنة أنثيموس بدأت عندما كان في العشرين من عمره. أقام، أول أمره، في الجبل المقدس آثوس، ثم انتقل، بعد مدة، إلى العمل الرسولي الذي أوحى به الله إليه. اتجه صوب جزيرة خيوس حيث علّم الإنجيل مدّة سنة كاملة، سالكاً في نسك شديد، لا يتناول من الطعام إلا كسرات من الخبز، ولا يفترش إلا أرض الكنيسة سريراً. ومن جزيرة خيوس تحوّل إلى جزيرة باروس فأنقذ، بالصلاة، ركاب باخرة كانت على وشك الغرق، بعدما هبت عليها عاصفة هوجاء. وكان من نتيجة ذلك أن تعلق به أهل الجزيرة وأجلّوه فبشّرهم بالإنجيل أبضاً. على هذا النحو، زار انثيموس عدة جزر، حوّل وجهه بعدها صوب أورشليم حاجاً. ومن أورشليم، عاد إلى جزيرة كاستيلوريزون حيث أتته كلمة من الله أن يبني ديراً. وإذ لم يكن المال كافياً بين يديه، صلى، بحرارة، فأعطاه الله ما أراد بالطريقة التالية: أصاب الجزيرة، في ذلك الوقت، جفاف هدّد حياة السكان والبهائم بالموت، فصلى القديس إلى الرب الإله أن يرفع عنهم الشدة، فأمطرت الدنيا مطراً غزيراً. وإذ أراد سكان الجزيرة أن يعبروا عن شكرهم لله، قدّموا للقديس كل ما يحتاج إليه لبناء الدير فبناه على اسم العظيم في الشهداء جاروجيوس عام 1759، وهو ما يزال قائماً إلى هذا اليوم. من هناك انتقل قديسنا إلى جزيرة أخرى هي جزيرة أستيباليو حيث تلقى في رؤيا أن ينشئ ديراً إكراماً لوالدة الإله. هناك أيضاً، كان المال ينقصه. لكنه عرف، بنعمة الله، أن ثم قطعة أرض تخصّ أحد سكان الجزيرة، فيها المواد الأساسية لبناء الدير. فصلى إلى الرب الإله أن يتنازل مالك الأرض عن أرضه، فكان له ما أراد. وما كاد الدير يكتمل حتى جاء بعض الراهبات وأقمن فيه. لكن عدو البشر، الذي لم يطق لا عمل انثيموس ولا نسكه، حرّك بعض النفوس الصغيرة في الجزيرة، فقام قوم يشيعون بأن القديس على علاقة مشبوهة بالراهبات. لم يسمح الله بأن تفسد الإشاعة عمل انثيموس المبارك، فما مرّ وقت قصير حتى حلً بالمشيعين غضب الله، وهكذا لاقوا جزاء افترائهم، واختشى الناس. وبين العامين 1766 و1767، ضرب زلزال جزيرة كافالونيا، الوطن الأول لانثيموس، فتصدعت بيوت كثيرة كان من بينها دير القديسة باراسكيفي. على أثر ذلك، قرّر قديسنا العودة إلى جزيرته حيث باشر ،لتوّه، بمعونة سبع راهبات وبعض محبي الله، بترميم الدير. وما أن انتهوا، حتى أدخل انثيموس إليه نمط الشركة، فجاءت راهبات أخريات وانضممن إليه. أما انثيموس، فأقام في قلاية صغيرة، في مغارة تحت كنيسة الدير، وكان ينام على لوح من خشب، يمارس نسكاً شديداً نادراً، كمثل أن يحمل سلاسل من حديد حول وسطه، سراً. استمر القديس انثيموس في إنشاء الأديرة وترميمها، فكان من بين ما أنشأه دير القديس انطونيوس الكبير في جزيرة كريت (حوالي 1770). هناك منّ الله عليه بموهبة صنع العجائب، فردّ البصر، بإشارة الصليب، إلى امرأة عمياء، وبارك امرأة عاقراً فأنجبت. وأرسل إليه بعض سكان إحدى القرى في البليوبونيز يطلبون منه القدوم إليهم لوضع حد لخلافات استشرت هناك، فلبى الدعوة. وفي الطريق، هبّت عاصفة حالت دون اقتراب السفينة من البر، فاضطر المسافرون للتحول إلى قرية أخرى في الجوار كان سكانها من اللصوص والسراق. وما كادت السفينة تلامس الشاطئ، حتى انقضّ عليه رجال شرسون مسلحون. اضطرب رفقاء انثيموس لهذا المشهد اضطراباً شديداً، فهدأ هو من روعهم، ثم التفت إلى اللصوص، وناداهم واحداً واحداً، بأسمائهم، قائلاً: "أأنتم مسيحيون وتعيشون من القتل والنهب؟! ويل لكم! فأنتم تذخرون لأنفسكم عذاباً أبدياً!". على أثر ذلك، جمد اللصوص في مواضعهم، مذهولين بما قاله لهم هذا الأعمى. ثم ألقوا سلاحهم جانباً وسألوه الصفح، فدعاهم إلى التوبة وعلّمهم الفضائل المسيحية ووبخ كاهن القرية الذي تركهم على هذه الحال وصار لصاً مثلهم. تابع انثيموس طريقه، ثم فجأة طلب من الربّان أن يعود به إلى موطنه قائلاً: "لا يريدني الله أن أتدخل في هذا الأمر الذي كنت ذاهباً من أجله، بل أن أعود إلى الدير لأموت هناك". هذه كانت نبوءة، ما لبثت أن تحقّقت. فما أن بلغ انثيموس الدير حتى أصيب بدار اليرقان (الصفيرة)، فأخذ يعدّ نفسه للموت. دعا أولاده الروحيين إليه وأطلعهم على نهايته الوشيكة قائلاً: "قد أتت الساعة، يا أولادي، لأنتقل عنكم إلى حيث يريدني السيد الرب أن أكون. لا تخافوا! الموت لا بد منه! بالأحرى، اعملوا كل ما في وسعكم لتحافظوا على وعودكم ونذوركم الرهباينة. أنتم مدعوون إلى عمل عظيم: أن ترضوا الله وتخلّصوا نفوسكم!". وفي اليوم الرابع من شهر أيلول من العام 1782، رقد انثيموس بسلام في الرب، وكان قد ناهز الخامسة والخمسين. في العام 1974، أعلنت بطريركية القسطنطينية، رسمياً، قداسته. |
|