عمدة كومبوها بأسيوط على تسمية الاقباط المحالات التجارية بأسماء القديسين
عملى بالمحاماة أفادنى كثيرا فى التفاعل مع المواطنين وحل مشكلاتهم دون التأثر بالدموع
العذراء والزهراء لم تطلبا تسمية أبراج سكنية باسميهما وكلها أمور تزيد الاحتقان
الحديث معها له مذاق خاص فمصريتها الأصيلة دائما تطغى على الحوار، متفائلة جدا وعقلانية تتمنى زيادة الاهتمام بالقرى وعدم النظر إلى مواطنيها على أنهم درجة عاشرة، إنها « ايفا كيرلس» عمدة قرية كومبوها بمركز ديروط بمحافظة اسيوط، تؤكد أن توليها منصب العمدة بالصعيد ليس حدثا فريدا كما صورته الدراما، دراستها للحقوق وعملها بالمحاماة ساعداها كثيرا فى التعامل مع الناس، وتقدمت للترشح لمنصب "العمودية" بعد وفاة والدها العمدة بسنوات بناء على مطالبة أهالى القرية، وصدر قرار تعيينها عمدة عام 2008، وفى عام 2010 عينت عضوة بمجلس الشورى.
فى البداية تقول: 30 يونيو كان انفراجة من ربنا لعودة البلاد لأيادٍ أمينة، ولا يمكن أن نتخيل أن تكون الحياة وردية فى ظل القرارات الحاسمة لنهضة الدولة سياسيا واقتصاديا، وان ما يحدث يؤكد اننا نسير فى الطريق الصحيح، ويجب على الجميع أن يساند الحكومة بكل قوة لتواصل مسيرتها دون توقف، وان الإعلام تناول قضية المرأة «العمدة» بشكل غير حرفى ومبالغ فيه، فالمرأة كائن بشرى يعيش فى المجتمع ويتفاعل مع كل ما فيه، كما أننى كنت مشاركة مع أبناء القرية فى عمل أكثر من مشروع خدمى بها سواء ما يتعلق بمنظومة النظافة، أو مشغل لتشغيل السيدات لكسب قوتهن وتعليمهن حرفة والحمد لله معظم مشكلات القرية يتم حلها بكل يسر.
وترفض العمدة ايفا مصطلح الوحدة الوطنية، أو طرفى المجتمع أو شركاء المجتمع عند الحديث عن المسلمين والمسيحيين، فهى ترى أنه يجب أن تطغى علينا مصريتنا فالدين لله والوطن للجميع، وتقول: اننى أرفض أى عبارات فيها تمييز تتم كتابتها على المحال التجارية أو الشوارع مثل الله محبة أو غيرها، كما لم يعجبنى تسمية أحد الأبراج السكنية ببرج العذراء وبعده بُنى برج سمى برج الزهراء، فالعذراء والزهراء لم يطلبا تسمية أبراج باسميهما، وكلها أشياء تزيد من الاحتقان بين أبناء الوطن الواحد، وتضيف: لا أنكر أننى أتعامل بحذر شديد الآن بعد وجود قوانين ازدراء الأديان، ومحاولة إخراج الكلمات والألفاظ عن سياقها والمواقف التى قيلت فيها، فأنا بطبيعة القرية نشأت وسط بيوت مسيحية، وكانت الأسر المسلمة تتعاون معنا وتربطنا بها علاقات متينة، وأقرب أصدقاء والدى منذ الطفولة كانوا مسلمين وظلوا على ودهم حتى ماتوا، وفى الجامعة كنت بين مجموعة أنا الوحيدة بينهم مسيحية، وكنا نتعامل بتلقائية شديدة الأمر الذى يتوجب معه نبذ كل الألفاظ التى تشير ضمنيا لوجود شقاق بينالمسلمين والمسيحيين، لأنه يجمعهم وطن واحد وظروف مشتركة.
وتقول العمدة: إن انشغال رب الأسرة وتركه لمنزله فترات طويلة أحدث فجوة بين الآباء والأبناء، والفقر والظروف الاجتماعية ليست سببا فيما وصل إليه المجتمع الآن من تراجع أخلاقى، وانما اختفاء الرجولة الحقيقية بما تعنيه الكلمة من حياة وأدب وأخلاق، أما الآن فصار الوضع مختلفا حتى فى الصعيد، حيث صارت سلاحا وقتلا ومشاجرات، وهذا محصلة عدة عوامل لعل فى مقدمتها الاعلام بما يبثه من سموم، فصارت الرجولة للبطل لأنه زير نساء ويتناول ويتاجر فى الممنوعات ويمارس أعمال البلطجة وكل ذلك دخيل على المجتمع خصوصا أن ما يبثه التليفزيون يشكل وعى ووجدان الاجيال.
وتتذكر ذات مرة: كنت عائدة للقرية فى وقت متأخر وكنت أتحرك بأمان فى طريقى لمنزلى رغم مرورى بالزراعات وكان فى طريقى قبل مدخل القرية بعض بيوت المسلمين، وفور مرورى بها فوجئت بأحد الأشخاص يسير خلفى حتى وصلت للمنزل ولم يتركنى ولم يتحدث معى إلا عند دخول المنزل، عندما وجدته يقول لي: نادى لى والدك العمدة وفور خروج والدى العمدة قال له يا عمدة «يا ريت متخليش بنتك ترجع متأخر كده تانى، أنا لما رأيتها لم أستطع تركها حتى أطمئن أنها وصلت البيت بالسلامة».
وتقول عمدة قرية كومبوها: إن مهنة المحاماة أفادتنى كثيرا فى عملى كعمدة، فقد أعطتنى مجالا أوسع لمعرفة الناس وكذلك أصول الحوار، ونظرا لأن المرأة بطبيعتها تغلبها العاطفة فقد تأتى امرأة وتبكى وقد يتأثر بها من يراها لكن عملى فى المحاماة جعلنى لا أتأثر بدموع الاستعطاف، ومن ثم أتعامل مع المواقف بعقلانية، كما أننى استفدت كثيرا من ملازمة والدى ومعرفة كيف يدير الازمات عندما كان يتولى منصب العمودية، وقد رفضت أى قضايا تأتى من قريتى تتعلق بالمواطنين حتى لا يقال إن والدى العمدة يصدر لى القضايا بعد فشله فى حلها، وأنه لم يسع فى حلها لتأخذها ابنته وربما أصعب موقف تعرضت له عندما طلب منى والدى أن أذهب لمعاينة أحد الأشخاص الذى أصيب بطلق نارى فى مشاجرة نظرا لمرضه، وطلب منى أن أنقل له الصورة بدقة لأنه لا يثق إلا فيما يراه، وقال لى أنت عينى هناك، فذهبت بالفعل وكانت الدماء تنزف من وجهه وكانت بمثابة اختبار حقيقى لكنى اجتزته.
تقول العمدة ايفا: أنا أشجع مبدأ الثواب والعقاب بالقانون، ومع رفع كلمة «معلش» من القاموس ومن أى قانون، وأمامنا مثال السكة الحديد عندما طبقت غرامات أدت لانضباط الركاب فالقانون يجعل من المواطن إنسانا منضبطا فى المقابل لابد أن يجد المواطن خدمة مقابل ذلك، فنحن نريد دولة جديدة بها قوانين قوية تردع جميع المخالفين دون تمييز»، إلا أنها فى نفس الوقت تقول انه تعالج الأمور بالود والعرف وعدم تصعيدها، وتتذكر: «عندما جاءنى مواطن ووجهه غارقا فى الدماء، وكان الجو حارا وطلب منى أطلب الإسعاف والشرطة، فقمت بتهدئته وعمل بعض الإسعافات الأولية، وتم تضميد مكان الجرح وتبين أنه بسيط بعدها قلت له ما رأيك فانصرف.
وتتذكر شهر رمضان الكريم وتقول: ان كان له طعم ونكهة مختلفة تماما، وكانت تحفظ مواعيد المناسبات الإسلامية وانها حريصة على تهنئة أصدقائها، كما كانوا هم كذلك حريصين على تهنئتها ومشاركتها فى أعيادها.
وكانوا يدعوننى للإفطار معهم فى رمضان، وكنت حريصة على أن أذهب إليهم صائمة، وهذا كان معتادا معنا، كما كان أغلب المسيحيين حريصين على احترام مشاعر المسلمين، أما الآن فالوضع اختلف كثيرا ونرى كثيرا من الشباب يدخنون الشيشة فى نهار رمضان فى المقاهى ولم أعد أشعر بروح رمضان.
الاهرام