رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القيامة التي تبدّل حياة الإنسان أيها الإخوة والأخوات الأعزاء بعد أن احتفلنا رسميًّا بعيد الفصح، يأتي لقاؤنا اليوم مشبّعًا بالفرح الروحي، وعلى الرغم من أن السماء رمادية اللون، نحمل في قلوبنا فرح الفصح واليقين من قيامة المسيح وتغلبه نهائيا على الموت. قبل كل شيء، أريد أن أجدد تمنياتي القلبية لكم بعيد الفصح: فليُعلن الخبر السار، خبر قيامة المسيح من الموت في كل بيت وكل قلب بهدف إحياء رجاء جديد خلال هذه الكلمة، أود أن أظهر التحول الذي حققته قيامة المسيح في التلاميذ. دعونا نبدأ من مساء القيامة. أغلق التلاميذ أبوابهم خوفًا من اليهود (يوحنا 20، 19). يعتصر قلوبهم الخوف ويمنعهم من التوجه نحو الآخرين، نحو الحياة. لم يعد المعلم هنا، تغذي ذكرى آلامه شكّهم. لكن يسوع يحرص على خاصته وهو على وشك تحقيق الوعد الذي قطعه عليهم في العشاء الأخير: " لن أدعكم يتامى، فإني أرجع إليكم" (يوحنا 14،18) وهو يقول هذا لنا أيضًا، حتى في أوقات الضيق: " لن أدعكم يتامى." هذا الوضع القلق الذي عايشه التلاميذ تبدل تماما مع ظهور يسوع لهم. جاء ووقف بينهم مع أن الأبواب كانت مغلقة وأعطاهم السلام الذي يطمئنهم: " السلام عليكم!" ( يوحنا 20، 19). هذا السلام المشترك يحمل في كل مرة معنى جديدًا، لأنه يجري تغييرًا داخليًّا، هنا هو السلام الفصحي الذي يخلّص التلاميذ من جميع مخاوفهم. السلام الذي جلبه المسيح، هو ذاك الذي وعد به في كلماته الأخيرة: " السلام أستودعكم وسلامي أعطيكم. لا أعطي أنا كما يعطي العالم. فلا تضطرب قلوبكم ولا تفزع" ( يوحنا 14، 27). في يوم القيامة هذا، هو يعطيه بوفرة فيشكل بالنسبة الى المجتمع مصدر فرح، ويقين من النصر، وأمان تحت جناحي الله، كما يقول لنا نحن أيضًا: " لا تضطرب قلوبكم" ( يوحنا 14، 1 بعد أن أعطاهم السلام، أراهم يديه وجنبه (يوحنا 20،20)، علامة على ما كان وما سيبقى أبدًا: لقد "جُرحت" إنسانيته المجيدة. المقصود بهذا الفعل، هو تأكيد حقيقة القيامة: المسيح حاضر بيننا وهو إنسان حقيقي، هو نفسه الذي منذ ثلاثة أيام سُمّر على الصليب. وبالتالي، فهم التلاميذ المعنى الخلاصي لآلام المسيح وموته من خلال نور الفصح اللامع، ولقاءهم معه هو القائم من الموت. إذًا، انتقلوا من الحزن والخوف الى الفرح العظيم، لقد تحولت الأحزان والجراحات نفسها الى مصدر فرح. الفرح الذي ولد في قلوبهم عندما شاهدوا الرب " فرح التلاميذ لمشاهدة الرب" (يوحنا 20،20). فقال لهم ثانية: " السلام لكم!" (الآية 21 من الواضح أنه ليس مجرد سلام بل هو عطية أراد يسوع القائم من الموت أن يهبها لأصدقائه، وهي في الوقت عينه أمانة: هذا السلام الذي حققه المسيح بصلبه هو لهم ولنا جميعًا فعلى التلاميذ أن ينشروه في العالم أجمع. في الواقع، يضيف يسوع: " كما أرسلني الآب، أرسلكم أنا أيضًا" (المرجع نفسه)، عاد يسوع القائم من الموت بين تلاميذه كي يرسلهم. لقد أتم عمله في هذا العالم والآن حان دورهم ليزرعوا الإيمان في القلوب، كي يتمكن الآب المعروف والمحبوب من جمع أبناءه المتفرقين. ولكن يسوع يعلم أن الخوف لا يزال يسيطر على التلاميذ، لذلك نفخ فيهم روحه القدوس (يوحنا 20، 22)، هذا الفعل هو علامة على الخلق الجديد. مع هبة الروح القدس التي أعطاها المسيح القائم من الموت، يبدأ عالم جديد حقًّا. مع إرسال التلاميذ، يمهد الطريق في العالم أمام شعب العهد الجديد، شعب يؤمن بالمسيح وبعمله الخلاصي، شعب يشهد لحقيقة القيامة. يجب أن تنشر في كل مكان جدة هذه الحياة التي لا تموت وهي وليدة الفصح، حتى تنتشل أشواك الخطيئة التي تجرح قلب الإنسان وتفسح مكانا لبذور النعمة، لحضور الله ولحبه اللذين تغلبا على الخطيئة والموت أصدقائي الأعزاء اليوم أيضا، يدخل يسوع القائم من الموت قلوبنا وبيوتنا على الرغم من أن الأبواب تكون مغلقة في بعض الأحيان. يدخل ليعطينا الفرح والسلام، والحياة والرجاء، وهي هبات نحتاجها لتجدُّدنا الإنساني والروحي. هو وحده بإمكانه إزاحة حجر القبر الذي غالبا ما يغلق به الإنسان على مشاعره الخاصة، وعلاقاته الخاصة، وسلوكه الخاص؛ هي أحجار تدل على الموت كالإنقسامات، والكراهية، والإستياء، والغيرة، والشك، وعدم الإكتراث. هو وحده الحي، بإمكانه أن يعطي معنى للوجود، ويوجه المثقل، والحزين، واليائس، ومعدوم الرجاء الى الطريق الصحيح. هذه هي التجربة التي خاضها اثنين من التلاميذ، يوم الفصح وهما في طريقهما من أورشليم الى عماوس (لوقا 24، 13-35). كانا يتحدثان عن يسوع ولكنهما كانا "مكتئبين" (الآية 17) ويعبران عن خيبة أملهما، وقلقهما، وحزنهما. كانا قد غادرا بلادهما ليتبعا يسوع وأصدقائه، وقد اكتشفا حقيقة جديدة لم يعد فيها التسامح والمحبة مجرد كلمتين ولكنهما لامستا الوجود. جدد يسوع الناصري كل شيء وغير حياتهما، ولكنه الآن ميت ويبدو أن كل شيء انتهى إلا أنه وبشكل غير متوقع، لم يعودا اثنين بل ثلاثة أشخاص يمشون. اقترب يسوع من التلميذين وأخذ يسير معهما، إلا أن أعينهما حُجبتا عن معرفته. بالطبع كانا قد سمعا عن قيامته، فقالا له: "غير أن نسوة منا قد حيّرننا، فإنهن أبكرن الى القبر فلم يجدن جثمانه فرجعن وقلن أنهن أبصرن في رؤية ملائكة قالوا إنه حي" (الآية 22-23). ولكن هذا لم يكن كافيا لإقناعهما لأنهن لم يروه " أما هو فلم يروه" (الآية 24). أما يسوع وبصبر شديد " بدأ من موسى وجميع الأنبياء يفسر لهما في جميع الكتب ما يختص به" (الآية 27). شرح يسوع القائم من الموت الكتاب المقدس لتلميذيه، وأعطاهما مفتاح فهم المسألة الأساسية أي حياته وسره الفصحي: الكتب تشهد له (يوحنا 5، 39-47). عندها أصبحت كل معاني، القانون، والأنبياء، والمزامير واضحة لهما، لقد فتح يسوع أذهانهما ليفهما الكتب ( لوقا 24، 45 بعد حين كانوا قد اقتربوا من القرية، على الأرجح الى منزل واحد منهما. تظاهر "الغريب" "أنه ماض الى مكان أبعد" (الآية 28)، ولكنه بقي لأنهما ألحا عليه فقالا: " أمكث معنا" (الآية 29). نحن بدورنا علينا أن نلح دائما على الرب ونقول له: " أمكث معنا." " ولما جلس معهما للطعام، أخذ الخبز وبارك ثم كسره وناولهما" (الآية 30). تبادر اليهما ما فعله يسوع خلال العشاء الأخير، " فانفتحت أعينهما وعرفاه" (الآية 31). إن حضور يسوع أولا من خلال كلماته، وثانيا بحركة كسر الخبز سمح للتلميذين بأن يعرفاه، فشعرا بطريقة جديدة ما كانا قد اختبراه عندما سار معهما: "فقال أحدهما للآخر: أما كان قلبنا متقدا في صدرنا، حين كان يحدثنا في الطريق ويشرح لنا الكتب؟ " (الآية 32). تشير لنا هذه الحادثة عن "المكانين" المميزين حيث يمكننا لقاء يسوع القائم من الموت الذي يغير حياتنا: حين نصغي الى "الكلمة" بالشراكة مع المسيح، وكسر الخبز؛ هما مكانين مرتبطين ارتباطا وثيقا ببعضهما لأن "الكلمة والإفخارستيا متصلتان ببعضهما، لدرجة أننا لا يمكننا أن نفهم أي منهما إن فُصلتا: فكلمة الله تتجسد في الإفخارستيا" (الإرشاد "كلمة الرب"، 54 - 55 بعد هذا اللقاء، " قاما ورجعا الى أورشليم، فوجدا الأحد عشر والذين معهم مجتمعين، وكانوا يقولون أن الرب قام حقا وتراءى لسمعان" (الآية 33-34). في أورشليم، سمعا خبر قيامة يسوع وبدورهما أخبرا تجربتهما الممتلئة بالحب ليسوع القائم من الموت، والتي ملأت قلبيهما بفرح عظيم. فهما كما قال القديس بطرس: "ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من بين الأموات" ( رسالة بطرس الأولى 1، 3). في الواقع، ولد فيهما من جديد حماس الإيمان، وحب الجماعة، والحاجة الى نشر الخبر السار. قام المعلم من بين الأموات، ومعه تولد كل أشكال الحياة من جديد، تصبح الشهادة لهذا الحدث بالنسبة اليهما ضرورة ملحة أيها الأصدقاء فليشكل زمن الفصح لنا جميعًا الفرصة المثالية لنكتشف من جديد بفرح وحماس مصادر الإيمان، أي وجود المسيح القائم من الموت بيننا. علينا أن نسير على الطريق نفسه كتلميذي عماوس، من خلال إعادة اكتشاف الكلمة والله المتجسد في الإفخارستيا، إذًا أن نسير مع المسيح وندع أعيننا تتفتح على المعنى الحقيقي للكتب وعلى حضور يسوع عند كسر الخبز. إن قمة هذا الطريق اليوم هي المناولة، ففيها يعطينا المسيح جسده ودمه ليكون حاضرا في حياتنا، ويجددنا، وينفخ فينا قدرة الروح القدس في الختام، إن التجربة التي خاضها هذين التلميذين، تدعونا الى التفكير بمعنى عيد الفصح بالنسبة الينا. فلندع يسوع القائم من بين الأموات يلتقي بنا! هو الحي والحقيقي الحاضر دائمًا بيننا: يرافق خطواتنا ليقود حياتنا، وليفتح أعيننا. فلنضع ثقتنا به، هو القادر على إعطائنا الحياة، لنولد من جديد كأبناء لله قادرين على الإيمان والمحبة؛ فإيماننا به يغير حياتنا: يحررها من الموت، ويعطيها رجاء وثيقا، ويلهبها بمحبة الله التي تعطي معنى كاملا للوجود. شكرًا |
|