رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سنوات العمر رقم أم فعل
بقلم القمص أنجيلوس جرجس ونحن ننهي عاما ونبدأ عاما من جديد نقف أمام حياتنا التي تمر وننظر إلى الوراء لقد مر عام وقبله أعوام، ولكننا اليوم نحيا، ولا نعرف كيف أو متى تكون النهاية. والزمن يمر والحياة تعبر لترسم بوجودنا أحد ملامح قصة الوجود كله، ويبقى السؤال ما هي تلك القصة التي عشناها وماذا تعني؟ منذ أربعمائة عام تقريبا كتب شكسبير مسرحية هاملت وقال على لسان هاملت "أكون أو لا أكون هذا هو السؤال، فهل من الأشرف للإنسان أن يكابد السهام والنبال عندما ترمى بها أقداره الرعناء، أم يحمل السلاح ثم يلقي نفسه في لجة الأهوال فينتهي النزال بالهلاك أي يموت لا يزيد عن أن يكون رقادًا، وبالرقاد تنتهي، كما يقال أوجاع الفؤاد وألف صدمة مما تورث الطبيعة لهذه الأجساد نهاية ما أجدر الإنسان أن يطلبها". والمسرحية هي تحليل لأصناف من البشر، وهي تحكي عن ملك اغتصب العرش من أخيه بأن وضع له السم وتزوج امرأته التي هي والدة هاملت. ويظهر شبح الملك والد هاملت ويحكي له عن خيانة أخيه. وكان هاملت مرتبط حبا بفتاة جميلة وهي أوفيليا -التي تمثل في الحياة الزهور الرقيقة والحب الرومانسي- ولكن القصة التي يحكيها شبح الوالد والملك لابنه هاملت تجعل الحياة كلها صراع للانتقام فلا يمكن للحب أن يكون له مكان، فيتجاهل حبيبته وفي طريقه للانتقام يقتل هاملت والد أوفيليا بالخطأ فلا تحتمل الفتاة الرقيقة صدمتها في حبيبها فتنتحر. ثم يتصاعد الصراع حين يعرف الملك أن هاملت عازم على الانتقام فلا يجد ملجأ سوى الصلاة فيدخل إلى كنيسة القصر ويقف ولا يعرف كيف يصلي فيقول لنفسه "أيتها الركب الحديدية انحني"، ويصف شكسبير حال كثير من البشر الذين لا يريدون من اللـه في الحياة سوى أن ينقذهم من مشاكلهم فيلجأوا إلى اللـه فقط في تلك الأحوال. وتنتهي القصة بموت هاملت بخيانة جديدة من الملك، وتموت الأم أيضا بشربها كأس مسموم بالخطأ، ويموت الملك أيضا على يد هاملت، ويبقى فقط صديقه هوراشيو الذي كان يريد أن يموت مع صديقه منتحراً ولكنه يقول له: "أبقى أنت في الحياة لتروي القصة"، ويصل الغازي للمملكة ويحتلها في مشهد عبثي يقول فيه المؤلف بينما يتصارع هؤلاء يأتي أخرون ويجلسوا على العرش. أنها معركة الحياة التي يموت فيها الجميع حتماً يموت من خان ومن ظلم بالخيانة. وتنتهي القصة لتبدأ قصة جديدة وتلك هي المأساة أنها انعكاسات حادة لمأساة الإنسانية التي فيها يظهر شكسبير تعاسة الجميع وأن الحياة مليئة بالاستفهامات والأسئلة والخطر. وما يزيد من المشكلة أن الإنسان هو نفسه يكون مشكلة للآخرين يفسد حياتهم، فمشكلة الحياة في إرادة الشر وفسادهم وسعيه الأناني للحصول على مكاسب ذاتية حتى ولو على حساب تعاسة الآخرين الذين قد يكونوا أقرب الناس ويأتي الموت لينهي الصراعات. وتلك القصة تتكرر بصور مختلفة ففي تاريخ الإنسانية كثير ما جاء الليل ولم يشرق النهار لأن هناك من نشروا ظلامهم فحجبوا الشمس عن حياة الآخرين. وكثير من أجساد كانت تحمل علامات الظلم من مخالب الظالمين قبل أن يحتضنها القبر ليكون الموت هو الرحمة الحقيقية من تلك الحياة الظالمة. فحين تقرأ تاريخ البشر تجد الأبطال هم من قتلوا وسفكوا شعوباً وعادوا ليملكوا على حياة البسطاء. بينما الحقيقة أن هؤلاء مجرمون حروب وأن البطولة الحقيقية في احتمال هؤلاء الشعوب والبسطاء لحياة كانت تعسة ولكنهم تحملوا بجلد تلك المظالم شاكرين اللـه في كل حين. لذلك يجب أن تسأل نفسك بأي مقياس ترضى عن نفسك وتشعر بأنك قد عشت الحياة وكان لك فيها وجود؟ فهناك ثلاث حقائق مهمة يجب أن تضعها أمامك: أولاً الوجود الحالي وجود اجتماعي أي أنك تعيش وسط مجتمع فمن تكون فيه؟ وهل تحيا وكل هدفك هو إسعاد ذاتك وتدليلها بالشهوات والملذات وسعيك الدائم أن تكون لك سلطة وسيطرة سواء في بيتك وعائلتك أو العمل أو المحيط الاجتماعي بك؟ هل فكرت من تكون للآخرين؟ هل أنت سبب سعادة لهم أم حملا ثقيلا وأحد أسباب تعاستهم؟ هل تمد يدك لمساعدة الآخرين أم بالبطش بهم؟ وكلامك وحديثك وسط الناس يحمل حباً وتعزية أم أنك لا تبالي بمشاعر الآخرين وتجرح وتسحق بالكلمات والأفعال؟ والحقيقة الثانية أننا سنموت نعم حتما سنموت ونترك كل شيء نترك الأموال والبيوت والمقتنيات وما جمعنا من أشياء ثمينة. ستأتي اللحظة التي تخرج من الجسد تاركين كل شيء. وقال في هذا أبي العظيم قداسة البابا شنودة المتنيح: "يا صديقي كن كما شئت إذن، وأجري في الأفاق من طول لعرض، أرض آمالك في الألقاب أو إرضها في المال أو في المجد أرض، آخر الأمر ستهوى مجهداً راقداً في بعض أشبار بأرضِ، يهدأ القلب وتبقى صامتا لم يعد في القلب من خفق ونبض، ما ضجيج القلب بالأمس إذا أين بركانه من حب وبغض". والحقيقة الثالثة والمهمة إننا سنحاسب عن حياتنا، سنحاسب عن أيامنا وأفكارنا ومشاعرنا وسلوكنا، سنحاسب عن الفقير الذي نراه يجلس على أبواب بيتنا ولم نشاركه طعامنا لأنه جائع، سنحاسب على إننا نرى في البرد عريان ولم نهتم إلا بدفء أجسادنا، سنحاسب على الأطفال التي تصرخ من الجوع ونحن متخمين بالطعام ويفيض منا، سنحاسب عن مشاعر الكراهية التي أفسدت حياة آخرين، وعلى لساننا الذي كان يدين الآخرين ويسيء إليهم في الخفاء والعلن. وأخيرا سنحاسب إننا لم نكن أوفياء للإله الذي أحبنا ومن العدم أوجدنا، إننا لم نبادله حبا بحب في الصلاة والعبادة. ولم نبال بكلامه أو وصاياه التي أراد أن نحياها. أخيرا قبل أن يكون العمر هو مجرد رقم يجب أن تجعله فعل بالحب والخير، كل عام وأنتم طيبون. |
|