رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لماذا إصرار الكتاب المقدس على لقب الله – الصخرة؟
ألقى واعظ القصر الرَّسوليّ الأب رانييرو كانتالاميسا تأمّله الأوّل لزمن المجيء في كابلة أمّ الفادي في القصر الرَّسوليّ بالفاتيكان بحضور الأب الأقدس، وهو التأمّل الأوّل من سلسلة تأمّلات سيُلقيها الأب كانتالاميسا خلال زمن المجيء إنطلاقًا من المزمور: “عَطِشَت نَفسِي إِلَى اللهِ، إِلَى الإِلَهِ الحَيِّ”. استهل واعظ القصر الرَّسوليّ تأمّله بالقول إنَّ رجال زمننا يتحمّسون للبحث عن علامات لوجود كائنات حيّة وذكيّة على كواكب أخرى. إنه بحث شرعي ويمكن تفهّمه حتى وإن لم يكن أكيدًا. ولكن قليلون يبحثون ويدرسون علامات وجود الكائن الحي الذي خلق الكون الذي دخل في تاريخه ويقيم فيه. “فيهِ حَياتُنا وحَرَكَتُنا وكِيانُنا” (أعمال الرسل ١٧، ٢٨) ولكننا لا نتنبّه له. تابع الأب رانييرو كانتالاميسا يقول كم من مرّة نجد أنفسنا مجبرين على أن نقول لله مع القديس أغوسطينوس: “كنت معي ولكنني لم أكن معك!”، لا بل إن الله الحي، في الواقع، هو الذي يبحث عنا منذ بداية العالم ولا يزال يقول: “آدم أين أنت؟” (تكوين ۳، ۹). نتَّكل على كلمة يسوع: “إِسأَلوا تُعطَوا، أُطلُبوا تَجِدوا، إِقرَعوا يُفتَحْ لكُم” (متى ٧، ٧). عندما نقرأ هذه الكلمات نفكّر فورًا أن يسوع يعِدُ بإعطائنا الأمور التي نطلبها ونقف حائرين عندما نرى أن هذا الأمر لا يتحقق غالبًا. لكن يسوع كان يعني بقوله هذا “إبحثوا عني وستجدونني، إقرعوا وسأفتح لكم!”. هو يعِدُ بأن يعطينا نفسه أبعد من الفتات التي نطلبها منه، وهذا الوعد يدوم على الدوام. أضاف واعظ القصر الرسولي يقول إنَّ الكتاب المقدّس مليء بالنصوص التي تتحدّث عن الله كالحيّ، يقول إرميا: “هو الإله الحي” ونقرأ في حزقيال “أنا هو الحيّ! يقول الرب”. وفي أحد المزامير الجميلة يقول صاحب المزمور: “عَطِشَت نَفسِي إِلَى اللهِ، إِلَى الإِلَهِ الحَيِّ”؛ وأيضًا “قَلبِي وَجسدي يَهْتِفَانِ بِالْإِلَهِ الحيِّ” فيما يعلن بطرس في قيصريّة فيليبس أن يسوع هو “ابن الله الحي”. إنه بالتأكيد تشبيه مُستمدٌّ من الخبرة البشريّة وبالتالي فقد استعمله شعب إسرائيل ليميّز إلهه عن أصنام الأمم التي هي آلهة ميّتة؛ بعكسها إله الكتاب المقدّس هو إله يتنفّس ونفسه هو الروح القدس. تابع الأب رانييرو كانتالاميسا يقول إنَّ صفحة الكتاب المقدّس التي تحدثنا عن العلَّيقة المشتعلة هي عينها عُلَّيقة مُشتعلة، تحترق بدون أن تفنى. وبالرغم من آلاف السنين لم تفقد قوّتها في نقل المعنى الإلهي؛ فهي تُظهر أفضل من أي خطاب ماذا يحصل عندما نلتقي الإله الحي حقًّا. لقد فكّر موسى في نفسه: “أريد أن أقترب…” فكّر أنه سيّد نفسه وهو الذي يقرّر ولكن ها هي الألوهة تظهر بكيانها وتفرض شريعتها: “موسى! لا تقترب. أنا إله أباك” وتغيّر كلُّ شيء فجأة. وأصبح موسى طائعًا وأجاب: “هأنذا” وغطّى وجهه ودخل في السرّ. أضاف واعظ القصر الرسولي يقول في هذا الجو يُظهر الله اسمه: “أنا هو الذي هو”. لقد تمَّ تفسير هذه الكلمة كتحديد لما هو الله أي الكائن المُطلق. ولكن يقول اختصاصيو الكتاب المقدّس أنَّ هذا التفسير غريب عن أسلوب التفكير في العهد القديم وبالتالي فهذه الجملة تعني ببساطة: “أنا حاضر لأجلكم!”، إنّه إقرار ملموس ويشير إلى وجود الله ولا إلى جوهره، إلى حضوره ولا إلى “ما هو عليه”. في ذلك اليوم اكتشف موسى أمرًا بسيطًا ولكنّه قادر على أن يحرِّك ويعضد مسيرة التحرير التي ستتبع. لقد اكتشف أنَّ إله إبراهيم واسحق ويعقوب موجود وأن هناك واقع حاضر يعمل في التاريخ ويمكن الاعتماد عليه. تابع الأب رانييرو كانتالاميسا متسائلاً ماذا يعني إذًا وكيف نحدد الإله الحي؟ أن نصف الله الحي ونرسم صورة له، حتى بالاستناد إلى الكتاب المقدّس، هو سقوط في تجربة تحويل الإله الحي إلى مجرّد فكرة. ما يمكننا فعله هو تخطّي العلامات السطحيّة التي رسمها البشر وإنما علينا أن نكسر قشور أفكارنا حول الله أو أواني الكلس التي نحبسه فيها بشكل يمنع عطره من أن ينتشر ويملأ البيت. ولدينا معلّم في هذا الأمر وهو القديس أغوسطينوس الذي ترك لنا طريقة لنرتفع من خلالها بالقلب والعقل نحو الإله الحي والحقيقي. أضاف واعظ القصر الرسولي يقول يمكننا أن نفهم الإله الحي، على أنّه حيّ، بشكل مبهم أو من خلال نوع من الإحساس إذ يتحدّث القديس غريغوريوس النيصي عن أحد أشكال معرفة الله كـ “شعور بحضوره”. إنَّ الألوهة هي فئة مختلفة عن الفئات الأخرى إذ لا يمكن تحديدها وإنما يمكن استنتاجها فقط ويمكننا أن نتحدّث عنها من خلال المقارنة أو المقابلة. قليلة هي الألقاب البيبليّة القادرة على أن تخلق فينا شعورًا حيًّا عن الله ولاسيما عما هو الله بالنسبة لنا بقدر ما يقوم بذلك تعبير الله – الصخرة. تابع الأب رانييرو كانتالاميسا يقول أكثر من مجرّد لقب تظهر كلمة صخرة في الكتاب المقدس نوعًا ما كإسم شخصي لله “هُوَ الصَّخْرُ الْكَامِلُ صَنِيعُهُ” (تثنية ٣٢، ٤) “الرَّبِّ صَخْرَ الدُّهُورِ” (أشعيا ٢٦، ٤) ولكي لا تخيفنا هذه الصورة للقساوة والصلابة التي تشير إليها هذه الكلمة يضيف الكتاب المقدّس إلى هذه الكلمة فورًا حقيقة أخرى: هو صخرتنا، هو صخرتي. أي أنه صخرة لنا لا ضدّنا. لقد خاف المترجمون الأوائل للكتاب المقدّس إزاء هذه الصورة المادية لله التي يدو وكأنها تخفف من قيمته وبالتالي استبدلوا كلمة صخرة بكلمات أخرى كقوة وملجأ وخلاص؛ ولكن الترجمات الحديثة أعادت إلى الله لقبه الأصلي كصخرة. إنّ إصرار الكتاب المقدس على لقب الله-الصخرة يهدف لخلق ثقة في الخليقة وطرد الخوف من قلبها “لِذَلِكَ لَا نَخْشَى وَلَوْ تَزَحْزَحَتِ الْأَرضُ، وَلَوِ انْقَلَبَتِ الجبَالُ إِلَى قَلبِ البِحَارِ” وذلك لأنَّ “رَبُّ الْجُنُودِ مَعَنَا. مَلْجَأُنَا إِلَهُ يَعْقُوبَ” (مزمور ٤٦، ٣. ٨). وختم واعظ القصر الرَّسوليّ الأب رانييرو كانتالاميسا تأمّله الأوّل لزمن المجيء بالقول يصف تومازو دا شيلانو أول كاتب سيرة للقديس فرنسيس الأسيزي فترة مُظلمة عاشها القديس في المرحلة الأخيرة من حياته بسبب الانحرافات التي كان يراها حوله في أسلوب حياة إخوته البدائي. ويقول الكاتب الفرنسي الأب إيلوا لوكلير أنّ في هذه الفترة كانت كلمات المسيح تعيد إحياء القديس فرنسيس إذ كان يردّد في ذاته: “الله موجود وهذا الأمر يكفيني”. لنتعلّم نحن أيضًا هذه الكلمات البسيطة عندما نجد أنفسنا في أوضاع مشابهة في الحياة أو في الكنيسة ولنكرر مع القديس فرنسيس “الله موجود وهذا الأمر يكفيني!” |
|