الطفل الباكي انقذني
اعتدت في حياتي على نمط معين من المعيشة فأنا رجل أعمال بنيت نفسي بنفسي وجمعت ثروتي بعرقي وتعبي، لم أخن مبادئي يوماً وأعطيت كل إنسان حقه دون غش أو خداع.
يطلق عليَ أصدقائي لقب الملحد ذلك لبعدي التام عن كل ما يخص الإيمان والصلاة وهذا اللقب بات مألوفاً وغير مزعج لي مع مرور الوقت، صرت اعتبر الصلاة نوعاً من أنواع الهروب إلى الخيال المثالي الغير مطابق لعالمنا الواقعي الذي نعيشه يومياً.
جلست على مكتبي في ذلك الصباح وتذكرت الكابوس المزعج الذي حلمت به ليلة الأمس فقد رأيت نفسي أمام طفل صغير يبكي وكلما حاولت أن أقدم له لعبة يبكي أكثر فأكثر وكأنه لا يطيق رؤيتي وعندما نظرت إلى وجهي في المرآة وجدته مشوهاً.
أخذت قراري بالسفر إلى بلدة تبعد مسافة ساعة ونصف من اجل صفقة عمل، المشكلة الوحيدة برودة الطقس في هذا الوقت وقد يكون الطريق خطراً لكن هذا لا يهم.انطلقت بسيارتي مسرعاً فمن الأفضل الرجوع قبل حلول الظلام وعند منتصف الطريق بدأت صعوبة المشوار، لقد تكونت طبقة سميكة من الجليد على الأرض جعلت السيارة أكثر انزلاقاً، يجب أن أكون يقظاً ولكنني بنفس الوقت لن أخفف من سرعتي.
بدأت أشعر بالتعب وراح الضباب يمنعني من الرؤية الواضحة.هل أقف قليلاً؟لا فالبلدة قريبة وعلي أن أتحمل بعض الشيء ولكن ماذا يحصل؟لقد فقدت السيطرة على السيارة إنها تنزلق ولا استطيع إيقافها.يا الهي إما أن تصطدم السيارة بالصخر أو تقع في الوادي وفي كل من الحالتين أنا ميت ولا أمل لي بالنجاة، الصخرة الكبيرة هي آخر ما رأيته وأنا في وعيي وبعدها لم أشعر بشيء.عندما استطعت أن أفتح عينيَ تأكدت بأني ما زلت حياً ورأيت الطبيب يبتسم لي.
· أين أنا وكيف وصلت إلى هنا؟
· أنت في مستوصف بلدتنا المتواضع، صدمت سيارتك بصخرة كبيرة والحمد لله أن جرحك لم يكن عميقاً لكنك نزفت كثيراً.
· من الذي رآني على الطريق؟
· إنه شخص من البلدة وجدك على الطريق فعاد وأحضر بعض الشباب ليساعدوه على نقلك إلى المستوصف.
· أريد أن اشكر ذلك الرجل، لقد أنقذ حياتي.
· إنه بالخارج، هل تسمح له بالدخول؟
· طبعاً أنا أتوق لرؤيته.
دخل إلى الغرفة رجل وامرأة تحمل طفلاً صغيراً.
· اذاً أنت من أنقذني لا أعرف كيف سأشكرك؟
· لا تشكرني أنا يا سيدي بل اشكر من كان السبب في خروجي من البلدة في ذلك الوقت.
· من تقصد؟
· إنه طفلي الصغير، كان يبكي كثيراً ولم نعرف أنا وأمه السبب وعندما عاينه الطبيب وصف لي دواء لم أجده في مستوصف بلدتنا فاضطررت للنزول إلى البلدة القريبة على الرغم من برودة الطقس والغريب أني عندما أحضرت الدواء أخبرتني زوجتي بتحسن الطفل وكأنه كان يبكي من أجل إنقاذك فقط.
· ما أروع ذلك الطفل هل تسمح لي برؤيته؟
عندما حملت الطفل ونظرت إلى وجهه عرفته فوراً، هو من رأيته في الحلم، الطفل الذي لم يقبل مني أي شيء ومن المؤكد أنه كان ينظر إلى قلبي المتحجر والمتكبر وكأنه يقول لي آنذاك: “لقد ربحت العالم كله وخسرت نفسك”..
لم أتمالك نفسي وبدأت الدموع تنهمر من عينيَ بغزارة لكن الطفل رد على دموعي بابتسامة بريئة هي الأثمن من كل ما جمعته من ثروة وأموال.
في المساء وعندما كنت وحيداً في غرفتي سمعت صوت أجراس تدق بقوة وتذكرت أن الليلة هي ليلة عيد الميلاد وشعرت بأن الأجراس راحت تدق في داخل قلبي الصغير معلنة ميلادي أنا أيضاً من جديد.في صباح اليوم التالي وقفت أمام طفل المغارة وصليت في نفسي: “طفلي الصغير سامحني لم أتمكن ولو لمرة واحدة، رغم الأيام والساعات الكثيرة، أن أشكرك على كل ما أعطيتني إياه وبالرغم من ذلك بقيت معي ولم تتركني أشكرك لا على شيء بل على كل شيء”..
كان الطفل ينظر إلي مبتسماً وكأنه يقول لي “لا تهتم، المهم أنك كنت ضالاً فوجدت وميتاً فعشت”