|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فن نحت الخشب _ أغسطينوس
فن نحت الخشب القديس أغسطينوس أسألك، لأي سبب تحب عدوك؟ هل تحبه فتتمنى له الصحة في هذه الحياة؟ ماذا لو كانت الصحة ليست في صالحه؟ هل تحبه فترجو له الغنى؟ ماذا لو قد اعماه غناه هذا؟ هل تحبه فتتمنى له أن يتزوج امرأة؟ ماذا لو مرَّرت عليه حياته؟ هل تحبه فتتمنى أن يصير له أولاد؟ ماذا لو كانوا أردياء؟ إذاً، مثل هذه الأمور المتقلبة التي قد تتمناها لعدوك ليست علامات حب أكيدة. تمنى له أن يرث الحياة الأبدية معكم. تمنى له أن يصير أخ لك. هكذا، في محبتك للعدو، إن تمنيت له أن يصير أخاً لك، تكون بالفعل تحبه كأخ. إذ أنك لا تحب ما هو عليه، بل ما ترغب أن يصير إليه. لقد أعطيتكم مرة يا أحبائي هذا التشبيه عن قطعة الخشب: قطعة خشب من جذع شجرة، رآها أحد الفنانين الماهرين، رآها غير منحوتة بل مقطوعة من شجر الغابة، عجبته فأحبها، فهو يريد أن يصنع منها شيئاً ما. أنه لم يحبها لكي تبقى دائماً كما هي على حالها. لكنه من خلال فنه وبراعته الخلاقة رأى ما سوف تصير إليه. لم يحب وضعها الحالي، لكنه أحب ما سوف يصنعه بها، لا ما هي عليه الآن. هكذا أحبنا الله ونحن خطاة، نقول أن الله يحب الخطاة، لأنه يقول "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى" (مت 9). هل أحب الله الخطاة لكي يبقوا خطاة كما هم؟ لا بالطبع، بل كفنان رآنا مثل قطعة الخشب المقطوعة من الغابة، وتطلع إلى البناء الذي سوف يصنعه منها، لا إلى وضعها الحالي كقطعة خشب مهملة في الغابة. إليها الفنان الماهر، وهي في فكره وتدبيره الشيء العظيم الذي يصنعه منها وليست قطعة الخشب المهملة التي يراها. هكذا أيضاً يجب أن تنظروا إلى أعدائكم، وهم يعملون ضدكم، يثورون، ويلذعونكم بكلماتهم، ويزدرونكم بشتائم، ويلاحقونكم بكراهية. تنظر إليه بكونه إنسان، وترى أن كل هذه الأمور العدائية صادرة من إنسان، وترى فيه أنه مخلوق من الله. هو خليقة الله بكونه إنسان، أما داء الكراهية فهو من صنعه هو، وداء الحقد من صنعه هو. وماذا تصلي في قلبك من نحوه؟ "يا رب، كن صفوحاً معه، أغفر له خطاياه، أصيب قلبه بالمخافة، بدل حاله وغيَّره" أنكم لا تحبون فيه الحالة التي هو فيها، ولكنكم تحبون الحالة التي تتمنون له أن يكون عليها، وعلى ذلك فانكم إذا أحببتم عدواً لكم إنما تحبون أخاً لكم. لذلك فالمحبة الكاملة هي أن نحب أعداءنا. وهذه المحبة الكاملة موجودة في المحبة الأخوية، ولا يقل أحد أن الرسول يوحنا يعلمنا بشء أقل (في رسالته) من الذي يوصينا به المسيح. يوحنا يوصينا بمحبة الأخوة والمسيح يوصينا بمحبة الأعداء. بل تأملوا لماذا أوصانا المسيح بمحبة الأعداء؟ هل لكي يظلوا دائماً أعداء؟ إذا كان هذا هو الهدف، فإنكم تقدمون الكراهية لا المحبة. لاحظوا كيف قدم هو المحبة لأعدائه، لكي لا يظلوا أعداء له حين قال: "يا ابتاه أغفر لهم لأنهم لا يدون ماذا يفعلون" (لو 23). أولئك الذين أراد لهم الغفران أراد لهم أن يتغيروا، ويتحولوا من أعداء إلى أخوة، وبالفعل فعل ذلك. لقد صلب وقام ثانية وصعد إلى السماء، وأرسل الروح القدس على تلاميذه القديسين، وبكل قوة بشروا باسمه، وصنعوا المعجزات باسم المصلوب. والذين قتلوا الرب رأوا ذلك، وأولئك الذين في غضبهم سفكوا دمه شربوا منه حين آمنوا. هذه الأمور تكلمت فيها طويلاً لكي أحثكم بكل شغف على المحبة، إذ أنه من الضروري يا أحبائي أن نوصيكم هكذا. إن لم يكن فيكم محبة فإننا لم نفعل شيئاً ولكن إن كانت المحبة فيكم نكون كمن أضفنا زيتاً على الشعلة، ولأولئك الذين لا توجد فيهم محبة ربما بهذه الكلمات تبدأ شعلة المحبة أن تشتعل. في الواحد تنمو وتزيد، وفي الآخر تبدأ في الظهور، ولذلك تحدثنا إليكم بهذه الكلمات، حتى لا تكونوا متكاسلين نحو محبة الأعداء. هل يثور عليك أحد الرجال؟ هو يثور، وأنت تصلي. هو يكره، وأنت ترحم. مرض الحمى بداخله يكرهك، سوف يتعافى فيشكرك. كيف يحب الطبيب المرضى؟ هل يحبهم كمرضى؟ إذا كان الأمر كذلك، هل يتمنى بقاءهم في المرض؟ الطبيب يحب المرضى لا لكي يظلوا مرضى بل لكي يتحولوا من المرض إلى الشفاء، وكم يتحمل ويعاني الطبيب عادة من المرضى المهتاجين؟ بأي نوع من الإهانات اللفظية؟ بل كثيراً ما يتلقوا الضربات منهم. الطبيب يتقدم ليحارب الحمى ويسامح الشخص. وماذا أقول يا أخوتي؟ هل يحب الطبيب عدوه؟ بل على العكس، هو يكره عدوه، الذي هو المرض، هذا هو ما يكرهه، لكنه يحب الإنسان الذي آذاه، أنه يكره الحمى. لأن من وجه له الضربات؟ الذي فعل ذلك هو المرض، هو الحمى. أنه يتخلص من الذي يقف ضداً له لكي يبقى الذي سيقدم له الشكر بعد ذلك. أفعلوا هكذا أنتم أيضاً. إذا أبغضكم أعداؤكم، وأبغضوكم بدون حق، فاعلموا أن شهوة العالم تسيطر عليهم، لذلك هم يبغضونكم. إذا ابغضتموهم أنتم أيضاً فأنتم تقابلون الشر مقابل الشر. ما الذي ينجزه مقابلة الشر بالشر؟ إن كنت أبكي على الإنسان المريض الذي يكره فإنني أنتدب وأتفجع عليكم إذا قدمتم أنتم كراهية في المقابل. أنه يهاجمكم ويسطو على أملاككم، أنه يأخذ منكم أشياء أرضية، لذلك تكرهونه لأنه يسبب لكم ضيقات على الأرض. لا تتضايقوا، غيّروا محل إقامتكم إلى السماء. ثبتوا قلوبكم حيث الإتساع والراحة حتى بالرجاء في الحياة الأبدية تتحملون الضيقات. أما عن الأشياء الذي يسلبها منكم العدو، فهو ما كان يستطيع أن يسلبها منكم إلا بسماح من الله الذي "يؤدب كل ابن يقبله". الذي يعاديكم هو بصورة ما مشرط في يدي الله للشفاء. إن كان الله يعلم أنه من المفيد لكم أن يسلبكم العدو فسوف يسمح بذلك، إذا رأى من الخير أن تصابوا بضربة ما فسوف يسمح للعدو فيضربكم. أنه يعتني بكم بواسطة هذا العدو، صلوا إذاً حتى يشفى (العدو) من دائه. |
|