الثالوث القدوس في الفكر القديس باسيليوس الكبيرالثالوث القدوس في الفكر القديس باسيليوس الكبير
1ـ عقيدة الثالوث القدوس:
يجيب القديس باسيليوس على الذين يطرحون على المسيحيين سؤال: لماذا تؤمنون بثالوث؟ بردٍ بعيد كل البُعد عن الإثباتات العقلية، إذ يقول لنا
“ آمنوا بالآب والإبن والروح القدس، ولا تخونوا وديعة الإيمان”
الرد يتلخص في أن عقيدة الثالوث ليست من إختراع المسيحيين هي بمثابة إعلان إلهي، ووديعة إيمان تسلمتها الكنيسة وآمنت بها.
وهذا هو معنى عبارة القديس باسيليوس ” ولا تخونوا وديعة الإيمان“.
فالإعلان الإلهي كشف لنا عن عقيدة الثالوث من خلال الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.
بالنسبة للعهد القديم هناك شواهد كثيرة تعلن لنا الثالوث القدوس، ويفضل القديس باسيليوس (مز6:33): “ بكلمة الرب صُنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها” ويعلق قائلاً: ” الكلمة هو ذاك الذي كان عند الله في بدء الخلق، وكان الله الكلمة” (يو1:1).
بينما “بنسمة فيه” أي روح فم الله، هو “روح الحق الذي من عند الآب ينبثق” (يو26:15). إذن تأمل، كيف أن (…..) الثلاثة أقانيم هم يعملون معًا، فالرب (الآب) يأمر، والكلمة (الإبن) يخلق والروح القدس هو الذي يتمم، (EPE10, 378-380).
أما بالنسبة للعهد الجديد، هناك أيضًا شواهد كثيرة تعلن لنا الثالوث القدوس، إلا أنه يفضل الآية الواردة في (مت19:28):
” فأذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس“، ويرد على الذين ينكرون الروح القدس بالإستشهاد بهذه الآية قائلاً: ” أولئك الذين يفصلون الروح القدس عن الآب والإبن ويحسبونه من ضمن المخلوقات يجعلون المعمودية ناقصة، وكذلك يجعلون إعتراف الإيمان ناقص. وبالطبع الثالوث القدوس لا يظل ثالوثًا إذا نُزع منه الروح القدس” (EPE7, 74).
2ـ أقانيم الثالوث:
يصف القديس باسيليوس أقنوم الآب بأنه البداية أو الأصل لكل الكائنات، أما الإبن يصفه بأنه: وحيد الجنس، المولود من الآب، الإله الحق، الكامل الذي وُلِدَ من الكامل، صورة الله الحية، الذي أظهر الآب في ذاته.
وعندما يصف الروح القدس يقول: الذي من الله الآب، نبع القداسة، والقوة التي تمنح الحياة، والنعمة التي تقود إلى الكمال، الذي بواسطته ينال الإنسان التبني (بحسب النعمة)، والفاني يصير خالدًا (بحسب النعمة).
ويركز على أقنوم الروح القدس في الدفاع عنه أمام الذين أنكروا أنه أحد أقانيم الثالوث قائلاً:
“ الروح القدس هو المتحد بالآب والإبن في كل شيء، في المجد والأبدية، في القوة وفي المُلك، في الربوبية والإلوهية مثلما يشهد تقليد المعمودية الخلاصية (أنظر مت19:28). ” كل الذين يدعون الإبن أو الروح القدس مخلوق أو يُنزلون من مكانة الروح إلى مكانة الخادم والعبد هم بعيدون تمامًا عن الحق“،
وينصح المؤمنين قائلاً: ” لذلك عليكم أن تتجنبوا الشركة مع هؤلاء (محاربي الروح) وقاوموا أحاديثهم معتبرينها بمثابة سموم تُسمم النفوس”
نلاحظ هنا أن القديس باسيليوس مثل كل آباء كنيستنا عندما يدافعون عن عقيدة ما ينطلقون من أن عقائد الإيمان التي أُعلنت للكنيسة هي لأجلنا ولأجل خلاصنا. وهذا واضح عندما يذكر تعبير: ” تقليد المعمودية الخلاصية” التي إستلمناها من الرب نفسه حين قال للتلاميذ: ” إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم بإسم الآب والإبن والروح القدس” (مت19:28).
هذا التقليد الذي إستلمناه يصفه القديس باسيليوس بتقليد المعمودية الخلاصية، أي لأجل خلاصنا، فمن ينكر أحد أقانيم الثالوث، أو يهدم عقيدة الثالوث، كأنه يهدم وينكر خلاصنا. إذن عقيدة الثالوث مثل شأن كل العقائد التي تؤمن بها كنيستنا هي عقيدة لا تهم الله في حد ذاته بل تهمنا نحن البشر فهي لأجلنا، ولأجل خلاصنا.
هكذا عقيدة الثالوث هي إعلان إلهي يحمل عطايا للإنسان بمقتضاها يستطيع هذا الإنسان أن يقبل علاقة حيَّة مع الله. فالآب بالنسبة للإنسان كما يصفه القديس باسيليوس هو البداية والأصل، هو مصدر الوجود إذ خلقه من العدم.
أيضًا الإبن وحيد الجنس، المولود من الله الآب هو صورة الله الحية فبدونه ما كان الإنسان عرَّف شيئًا عن الآب ” الله لم يره أحد قط. الإبن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر” (يو19:1).
وكذلك الروح القدس الذي من الله الآب، يصفه القديس باسيليوس، كما رأينا، بنبع القداسة: فهو مصدر القداسة للإنسان، وهو القوة التي تمنح حياة للإنسان، والنعمة التي تقود للكمال كما يخبرنا القديس باسيليوس، وأجمل عطية يمنحها الروح للإنسان هي نعمة التبني، وطبعًا الإنسان ينال هذا التبني بحسب النعمة وليس كالكلمة الأقنوم الثاني الذي هو إبن بحسب الطبيعة.
كل هذه العطايا هي للإنسان ولخلاص الإنسان ولمكانته المميزة عند الله.
إذن السؤال الذي يفرضه علينا غير المؤمنين لماذا عقيدة الثالوث؟
يبدو سؤالاً يفتقر لأبسط قواعد الحديث والحوار، لأن فحوى السؤال يعلن عن عدم الدراية بالموضوع المتعلق بالسؤال. كأن يسأل أحد سؤالاً ما فائدة عقل الإنسان؟ أو هل من ضرورة لأن يتحرك الإنسان ويمشي؟ أفضل الردود على هذه الأسئلة هو الصمت، والدعوة لأن يتذوق الإنسان بنفسه عطايا الله، ثم بعد ذلك إذا أراد أن يسأل فليسأل.
سر الوحدة في الثالوث:
يؤكد القديس باسيليوس على أن إيماننا بالثالوث لا يعني أننا نؤمن بثلاثة آلهة منفصلين بعضهم عن بعض، بل يصف هذا الفكر بأنه فكر منحرف، فيقول:
” عندما نتحدث عن الثالوث القدوس لا تظن أنه ثلاثة أجزاء منفصلة، وكل جزء غير قابل للتقسيم ( لأن هذا الفكر هو فكر منحرف)” ثم يوصينا قائلاً:
” إقبل الوحدة والشركة التامة للأقانيم الثلاثة“
ويستمر في شرحه موضحًا الوحدة في الثالوث وشركة الأقانيم، قائلاً: ” لأنه حيث يكون الروح القدس حاضرًا، هناك يقيم المسيح إقامة دائمة، وحيث يكون المسيح يُوجد أيضًا الآب:
” أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي من الله” (1كو19:6) ” إن كان أحد يفسد هيكل الله فسيفسده الله” (1كو17:3).
” إذن عندما تقدسنا بالروح القدس قبلنا المسيح يسكن في إنساننا الداخلي ومع المسيح أيضًا الآب. هذه العلاقة الشديدة والمتبادلة بين الأقانيم يظهرها كل من تقليد المعمودية وإعتراف الإيمان“
ونلاحظ أن القديس باسيليوس مثل كل الآباء الكبادوك يركز على اقنوم الآب كسر الوحدة في الثالوث فهو يصف الآب ” بأنه بداية الكل، علِة الوجود، منه يأتي نبع الحياة، الحكمة، القوة، صورة الله غير المنظور (كو15:1)، الإبن المولود من الآب، الكلمة الحيَّ الذي هو الله، والذي كان عند الله (يو2:1)”
أيضًا عندما يتحدث عن الروح القدس، يقول: ” الروح القدس الكائن من الله الآب، نبع القداسة، القوة التي تمنح الحياة، والنعمة التي تقود إلى الكمال”
هكذا أمام البشر أن يعيشوا في وحدة مثل وحدة الثالوث القدوس مع الإحتفاظ بتمايز كل إنسان مثلما تتمايز أقانيم الثالوث. إننا أمام الوحدة والتنوع.
مرة أخرى نقول للذين يسألوننا عن عقيدة الثالوث:
هل نرفض عطية الوحدة والتنوع. ففي الكنيسة نعيش الشركة والوحدة وكذلك التميز فكل شخص يتمتع بالشركة والتفرد في آن واحد. إنه سر عطية الثالوث. نعم نؤمن بإله واحد الله الآب والإبن والروح القدس. ” تعال وأنظر”.