حكايات الرعب في «بوابة جهنم» على الأرض
برك تشع باللونين الأصفر والأخضر، تغلي المياه الساخنة في الينابيع كما تغلي المياه في المراجل، وينتشر في الجو غازا الكلور السام والكبريت إلى درجة تسبب الاختناق. وبحسب "بى بى سي"، هذه البقعة المخيفة هي منخفض داناكيل في إثيوبيا، وهي بقعة ذات حرارة حارقة، وتمثل أحد الأماكن الأكثر غرابة في العالم، حتى إنها اشتهرت باسم "بوابة جهنم". لكن فريقا بحثيا اكتشف مؤخرا أن هذه البقعة تعج أيضا بكائنات حية. في قلب القرن الأفريقي، يقع منخفض داناكيل، الذي يعد واحدا من أكثر المناطق قساوة وصعوبة للعيش في العالم. لكن هذه المنطقة لم تنل إلا قدرا قليلا من الدراسة. وتنخفض هذه البقعة عن مستوى سطح البحر بما يزيد على 330 قدما، وتقع في منطقة بركانية شمال غربي إثيوبيا، بالقرب من الحدود مع إيريتريا، وسميت باسم "عفار".
وتشكل منطقة عفار جزءا من نظام الوادي المتصدع الكبير شرقي أفريقيا، حيث تتفاعل القوى الباطنية للأرض حاليا لتفكيك ثلاث صفائح تكتونية وإبعادها عن بعضها لتكوين أرض جديدة.
ويقال إن هذا المشهد المخيف يقع في أكثر المناطق سخونة على وجه الأرض، وأكثرها جفافا. إذ تصل درجة الحرارة المعتادة إلى 45 درجة مئوية، ويندر فيها سقوط الأمطار، وتوجد أسفل القشرة الأرضية مباشرة بحار من الصهارة البركانية المتوهجة. ويوجد في منطقة عفار بركانان نشطان، أحدهما إيرتا أيل، الذي يعد واحدا من البراكين القليلة حول العالم التي تعلوها بحيرة نشطة من الحمم البركانية. وتنتشر في المنطقة أيضا البِرك الحمضية وينابيع المياه الساخنة، والتي تضم فوهة بركانية عميقة تسمى "دالول".
ونتجت هذه الألوان الساطعة عن الأمطار ومياه البحر القادمة من الساحل المجاور، التي تسخنها الصهارة وتصعد بها إلى أعلى. ويتفاعل الملح من مياه البحر مع المعادن البركانية في الصهارة، ليثري المشهد بطيف من الألوان الجذابة.
وعندما يتفاعل الكبريت مع الملح في البرك الأكثر سخونة، والتي تحتوى على أعلى نسبة حموضة، تنتج شقوق في الأرض من اللون الأصفر الزاهي. وفي البرك الأقل حرارة، تنتج أملاح النحاس لونا فيروزيا زاهيا.
ولأن الطقس حار وجاف، لا يعيش هناك إلا القليل من الحيوانات أو النباتات. وتعد فوهة بركان دالول نفسها مكانا مقفرا، لكن قبائل الرحل التي تعيش في منطقة عفار قد استقرت في قرية مجاورة تسمى حاماديلا، بشكل شبه دائم. وإيجازا، يبدو منخفض داناكيل كما لو كان من كوكب آخر، ولا يوجد له مثيل على وجه الأرض. ربما يشبه إلى حد ما المناطق ذات الأنظمة المائية الحرارية، مثل متنزة يلوستون في الولايات المتحدة، لكنه أشد حرارة، ونسبة الحموضة في المياه على سطحه أعلى بكثير. وفي الواقع، يبلغ متوسط الرقم الهيدروجيني للمياه في منخفض داناكيل 0.2، ما يدل على درجة عالية من الحموضة لا تكاد تجدها في أي بيئة طبيعية أخرى.
كما أن المعلومات التي نعرفها عن منخفض داناكيل أقل بكثير من تلك التي نعرفها عن البركان الخامل أسفل متنزه يلوستون. وهذا ما يحاول العلماء تغييره.
ومنذ عام 2013، انطلق فريق من العلماء لسبر أغوار المنطقة، وهم من الاتحاد الأوروبي لعلوم الكواكب "يوروبلانيت"، وهو ائتلاف من المعاهد والشركات البحثية يجري أبحاثا على مناطق من الأرض قد تضاهي كوكب المريخ. كما أن العمل في هذه المنطقة محفوف بالمخاطر. ويرى الباحثون المبتدئون أن هذه المنطقة موحشة إلى أقصى حد، ويتعذر الوصول إليها. والأصعب من ذلك، أن الصراعات السياسية على الحدود بين إثيوبيا وإريتريا قد تندلع في أي لحظة. وفي عام 2012، اختُطف زوار أوروبيون إلى المنطقة، وقُتلوا فيها. ولهذا، في كل مرة يأتي الباحثون إلى داناكيل، يرافقهم عناصر من الجيش لحمايتهم.