وكما لو أن من يعادى محمد مرسى يدفع أجرًا ثابتًا لعناصر الجماعة كى تثير الرأى العام ضده بتصرفاتهم الخرقاء التى تتسم بالصلف المعتاد، فإن فيالق «حاسبوا الإخوان بياكلوا عيال صغيرة» تتصرف وكأن جماعة الإخوان المسلمين قد استأجرتها خصيصا لكسب التعاطف لصالح مرسى.
لا أفهم البتة سر الهيستيريا المصحوبة بخيال طفولى عن بيوت أشباح الإخوان التى ستغتصب عناصرها كل النساء غير المحجبات، وتسبى كل المسيحيات.
ما زلنا نُشتت فنتشتت. وما زلت أشعر كأن جهة مجهولة دفعتنى بقوة إلى داخل فيلم «ألف مبروك»، حيث تتكرر الأحداث كل يوم بتفاصيلها. كل ما حدث فور فوز الإخوان المسلمين بأغلبية البرلمان يعاد إنتاجه مرة أخرى عقب فوز محمد مرسى بالرئاسة: جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر التى لا تظهر إلا بشكل موسمى لإرهاب الناس من التيار الإسلامى، صراخ ونواح حول ما ستفعله الجماعة وتوقعات بتحول مصر إلى إيران أو السعودية، وطبعا فى الخلفية عناصر الجماعة تكرر الجملة التى تم توزيعها عليهم فى بطاقة التعليمات دون الالتفات إلى ما يُثار من حملات تشويه سيريالية، مما يزيد من مخاوف الرأى العام. إذ يسمع الناس أن «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» تقتل شابا يسير مع خطيبته، وأن الإخوان يروجون لزواج مِلك اليمين، وأن المسيحيات وغير المحجبات يواجهن بعض المتحرشين الذين يقولون لهن: جالكو اللى حيربيكو. ولا يجيبون بنفى أو إثبات، لأن مافيش تعليمات حضرتك… التعليمات جات المرة اللى فاتت بـ«موتوا بغيظكم» والمرة دى جاية بـ«احترموا الرئيس»!
لا نحن سنموت بغيظنا، ولا أحد سوف يحترم الرئيس ولا غير الرئيس، تماما كما أن الإخوان المسلمين لا يضعون فى برنامجهم زواج مِلك اليمين، ولا اغتصاب المسيحيات، ولا جلد غير المحجبات، وأؤكد لكم، بما لا يدع مجالا للشك، أن الإخوان المسلمين لا يتناولون كوب دم مسيحى أو ليبرالى فى وجبة الإفطار… آه والله، أنا متأكدة يعنى.
ما بين انشغال البعض بتصوير الإخوان بوصفهم كائنات فضائية، نبتت على كوكب المريخ، ثم هبطت فى سفينة فضائية على مثلث برمودا، حيث بدّلت العناصر الفضائية ملابسها هناك، وتحولت إلى الإخوان، وما بين انشغال الإخوان ذاتهم فى «تسول» البرستيج للرئيس الجديد، تماما كما تسولوا له أصوات الناخبين، لا أجد أحدا يجيب عن تساؤلاتى، والتى يبدو أنها لا تعنى أحدا فى البلاد غيرى:
لماذا لم يُصدر السيد الرئيس الدكتور الأستاذ اللواء المهندس الطبيب محمد مرسى عفوا عاما عن المحاكَمين عسكريا وضباط «8 أبريل» و«27 مايو» وضباط نوفمبر؟ هاه؟ أدينا احترمناه ومنحناه كل الألقاب. بما إنه من جماعة الإخوان المسلمين الفضائية المرعبة، فلماذا لا يقوم مرسى بإرعاب المجلس العسكرى، كرئيس للمرعبين، ويُطلق سراح الأسرى دون الاضطرار إلى تشكيل لجنة منبثقة من لجنة تدرس الملفات؟ ملفات إيه اللى حتدرسها؟ 12 ألف ملف؟ دول لو قضوا المدة حيخرجوا أسرع.
طيب… أين النائبان اللذان وعد بهما مرسى؟ واحد أخضر وواحد أحمر فى فوشيك. ألم يعدنا مرسى بأنه لن ينفرد بالحكم، وبأنه سوف يختار نائبا مسيحيا، ونائبة امرأة؟ حتى بالأمارة كان قد أكد لنا السيد الرئيس المُفدّى، بعد أن فتح صدره أمام الملايين، بأنه لن يتنازل عن صلاحياته، طيب أين الحكم؟ وأين وعده بأنه لن ينفرد بالحكم؟ الشهادة لله الرجل لا ينفرد بالحكم… ولا يحكم أصلا، هو راح فين الريس مرسى؟
هل تعلم عزيزى المواطن أن الحكومة القائمة بالأعمال حتى هذه اللحظة هى حكومة الجنزورى التى كان بينها وبين جماعة الإخوان المسلمين نزاع وشجار وفضائح ورموا لبعض الهدوم من الشباك وغيروا الكوالين؟ إيه بقى؟ أين الحكومة الائتلافية المشكَّلة؟
يبدو أن الجميع يتجاهل هذه التساؤلات، فإن كانت جماعة الإخوان المسلمين تتجاهل الإجابة عن هذه التساؤلات لأنها لا تريد توجيه أى نقد لمرسى، وإن كان مرسى الظاهر طلع المصيف بعد انتهاء امتحانات الثانوية العامة، فإن من يدعون أنهم من القوى المدنية لا يريدون إجابة عن هذه التساؤلات، لأن لفت انتباه مرسى إليها قد يساعده فى تصحيح أخطائه، وهم لا يريدون له سوى الفشل المريع، حتى لو كان ذلك على حساب الوطن، وحساب الثورة والدماء التى أريقت، والتى تحولت إلى تجارة رابحة، الكل يطرحها على الرصيف مناديا: باتنين ونص.. دم الشهييييد.. باتنين ونص.. عين المصاااااب.. باتنين ونص.. حرية الأسيييير.. باتنين ونص..
من يسمون أنفسهم بالقوى المدنية لا يلتفتون إلا إلى السفاهات والتفاهات لتخويف العامة من مِلك اليمين، وفرض الحجاب، ومنع الخمور، وحاجات كده عمرها فى حياتها ما حتحصل… فين الريس يا جدعان؟
جريدة
البشاير