رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عشرة أيام هزت مصر قصة الإنذار الأول «عشرة أيام هزت مصر»، كتاب جديد للكاتب الصحفى الزميل مصطفى بكرى، صدر مؤخراً عن دار «سما للطباعة والنشر»، وفى هذا الفصل يروى «بكرى» قصة إصدار الإنذار الأول، الذى وجهه الجيش إلى محمد مرسى وجماعته، بضرورة إنهاء الأزمة المتفاقمة فى المجتمع، التى كادت تهدد بانهيار مؤسسات الدولة المصرية واشتعال الحرب الأهلية، فكان لهذا البيان الدور الأكبر فى حماية الشعب المصرى من مخاطر الاعتداء عليه من قبل جماعة الإخوان وحلفائها فى ثورة الثلاثين من يونيو. تابع المصريون فى هذا الوقت، قضية اقتحام السجون، والاستماع إلى أقوال الشهود، الذين أدلوا بمعلومات خطيرة حول وقائع ما جرى ودور حركة حماس وجماعة الإخوان فى سيناريو الأحداث، الذى شهدته البلاد فى أعقاب أحداث الخامس والعشرين من يناير 2011. كيف جرت صياغة البيان؟ ولماذا فى هذا الوقت تحديداً؟ كانت محكمة جنح الإسماعيلية برئاسة المستشار خالد محجوب، قد أوشكت على إصدار حكمها فى هذه القضية المهمة والخطيرة، وفى اليوم الثانى والعشرين من يونيو 2013، تابع المصريون مرافعة النيابة العامة فى هذه القضية بإعجاب منقطع النظير، وكان لهذه المرافعة، ردود فعل واسعة فى الشارع المصرى، خاصة أن النائب العام فى هذا الوقت «طلعت عبدالله» كان معروفاً بأنه صنيعة الإخوان وداعم لهم، وقد أصيب بصدمة قوية، وفوجئ بمرافعة ممثل النيابة فى هذه القضية. لقد وقف «هيثم فاروق»، ممثل النيابة العامة، أمام المحكمة ليقول: «إنه ثبت فى يقين النيابة العامة نفى أى تواطؤ أو مؤامرة تنسب إلى رجال الشرطة فى إطلاق سراح المسجونين» وتساءل فى حسرة واضحة وقال: «لمصلحة من يهان القائمون على حماية البلد وتوفير الأمن على يد أناس وفئات ضل سعيهم فى الحياة الدنيا». وقال ممثل النيابة العامة: «إن القضية المنظورة، وما تحتويه من وقائع أقل ما توصف به، أنها تسطر صفحات من نور، ليعلم الشعب ما حاق به من مكائد على يد من يدعون أنهم أبناء هذا الوطن، وهم عملاء لخارجه، لذلك كان علينا أن نقرع الأسماع وندق نواقيس الخطر، ليعلم الجميع أى جرم وقع وتم فعله». وقال ممثل النيابة: «إن المأساة الحقيقية التى تضمنتها أوراق تلك الدعوى كانت حين تبين أن الدعاوى المحركة للمؤامرة، وهى اقتحام السجون وتهريب السجناء، نبعت من قلوب مريضة أضلتها خمر السلطة، فأبت أن تفيق من سكرتها». واستشهد ممثل النيابة بأقوال الرائد محمد عبدالرحيم نجم، الذى قرر أنه خلال استقبال 34 من قيادات تنظيم الإخوان وإيداعهم سجن وادى النطرون دار حوار بينه وبين القيادى الإخوانى «حمدى حسن» الذى أكد له أنهم سيخرجون اليوم أو غداً، وأنهم هنا لتشكيل الحكومة الجديدة وتولى سلطة البلاد والقضاء على جهاز الشرطة. وقال ممثل النيابة: «من أجل ذلك ارتكبوا تلك الأفعال، من أجل ذلك قتلوا وسفكوا الدماء، من أجل ذلك راحت حمرة الخجل والحياء، حرام على هذا الوطن بعد اليوم أن يطعمهم من ثماره أو ترويهم قطرات مائه أو يحملهم ترابه، هؤلاء الذين يدعون الإسلام والعلم بأحكامه تناسوا قول الرسول «صلى الله عليه وسلم»: «لست أخاف على أمتى غوغاء تقتلهم ولا عدواً يجتاحهم، ولكنى أخاف على أمتى أئمة مضلين، إن أطاعوهم فتنوهم، وإن عصوهم قتلوهم». وتناول ممثل النيابة العامة الوقائع موضوع المحاكمة، وقال: «إن إطلاق سراح المتهمين الجنائيين من السجون المصرية كان أيضاً ضمن هذا المخطط بهدف إشاعة الفوضى فى البلاد، ولذلك طالب بإحالة محمد مرسى العياط وعصام العريان وسعد الكتاتنى وسعد الحسينى وصبحى صالح وحمدى حسن وأبوشعيشع الهاربين من السجن والضالعين فى المخطط ضمن الـ34 من قيادات الجماعة إلى النيابة العامة، ومعاقبتهم طبقاً لنص المادة 138 من قانون العقوبات. وفى صباح اليوم التالى، الأحد 23 يونيو، كان الحكم التاريخى الذى أصدرته المحكمة برئاسة المستشار خالد محجوب، الذى أكدت حيثياته بوضوح لا يقبل اللبس اتهام محمد مرسى و34 آخرين بالتخابر والتحريض على القتل والهرب واتهامات أخرى عديدة. واتهم الحكم حركة حماس بالمشاركة فى هذه الخطة من خلال تسلل عدد من عناصرها بمشاركة جماعة الإخوان، وعناصر من حزب الله فى تنفيذ الخطة الإجرامية. وكان أخطر ما احتوته حيثيات الحكم الطلب من النيابة العامة أن تأمر بالقبض على كل من محمد محمد مرسى العياط وسعد الكتاتنى وصبحى صالح وعصام العريان وحمدى حسن ومحمد إبراهيم ومحيى حامد ومحمود أبوزيد، ومصطفى الغنيمى وسيد نزيلى وأحمد عبدالرحمن وماجد الزمر، وحسن أبوشعيشع وعلى عز، ورجب البنا، وأيمن حجازى، والسيد عياد، وإبراهيم حجاج الهاربين من السجون المصرية وشركائهم فى ارتكاب الوقائع وإحضارهم للتحقيق معهم فيما أثير بالأوراق عن اشتراك الأسماء الواردة، التى تم ذكرها من قيادات الجهاد والجماعات التكفيرية والقاعدة والسلفية، فضلاً عن تكليف وزارة الداخلية بالكشف عن باقى أسماء الأربعة والثلاثين معتقلاً من التنظيم الإخوانى والمعتقلين الهاربين أثناء تلك الأحداث واتخاذ النيابة العامة إجراءاتها بشأن ما أثير بالأوراق، حتى يكون جميع المواطنين متساوين فى الحقوق والواجبات ولا يفلت جانٍ من جريمة قام بارتكابها، وأن ما أثير من وقائع وجرائم فى تلك الأوراق منسوبة للأسماء التى تم ذكرها، وهى تعتبر من أحط وأبشع الجرائم لما فيها من تعدٍ على سيادة الدولة وحرمة أراضيها واستقلالها التى قاموا بتدنيسها بأعمالهم الإجرامية التى استباحوا وسفكوا فيها دماء المصريين للوصول لأهدافهم ورغباتهم دون النظر لحرمة الوطن والدم والحق فى الحياة الآمنة لكل فرد على أرض هذا الوطن، متعاونين مع عناصر أجنبية ضد مصلحة هذا الوطن لاكتمال المخطط الذى رسموه لأنفسهم لتحقيق مصالحهم فقط. وعندما أصدرت المحكمة حكمها النهائى بإحالة الأوراق إلى النيابة العامة لاتخاذ شئونها نحو ما تقدم، ثار محمد مرسى، وفقد أعصابه، وراح يجرى اتصالاً بالنائب العام، طلعت عبدالله، ويوبخه على اتهامات النيابة العامة له وللآخرين بالخيانة والقتل والتآمر والتخابر مع قيادات حماس. د. عبدالمنعم سعيد تحدث فى محاضراته عن الوضع السياسى والاقتصادى الذى تعيشه البلاد فى هذا الوقت وأكد بالأرقام أن الدولة تمضى إلى طريق الانهيار السريع وعندما حاول طلعت عبدالله تهدئته، وقال له: إن هذا الحكم هو والعدم سواء، وإنه سيتم الاعتراض عليه، هدأت أعصاب محمد مرسى، وقال: أنا لا أعير مثل هذه الأحكام اهتماماً، ولكن اتهامنا بهذه الاتهامات الخطيرة هو الذى أثار غضبى وحنقى على هذا الحكم الذى سوف يستغله المعادون لحكمى. كنا قد التقينا فى صباح هذا اليوم بفندق رمسيس هيلتون لحضور اجتماع الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان، الذى يترأسه المستشار نجيب جبرائيل، وكان من بين الحضور د.رفعت السعيد والمستشارة تهانى الجبالى، والمستشار عدلى حسين وشريف دوس ورمزى زقلمة والشيخ مظهر شاهين. وكان الهدف من وراء هذا الاجتماع هو الرد على تصريحات السفيرة الأمريكية التى تعمدت فيها الإساءة للجيش المصرى، خاصة بعد لقائها بخيرت الشاطر فى مكتبه. وفى هذا اليوم أيضاً أعلنت حركة تمرد بقيادة محمود بدر عن أعداد الذين وقعوا الاستمارات التى تطالب بإجراء استفتاء على الانتخابات الرئاسية المبكرة، ووصل العدد إلى أكثر من 22 مليون مواطن، وكان محمود بدر قد حضر إلى مكتبى مع بداية الحملة ووقعت له الاستمارة ووقع العديد من الزملاء بصحيفة «الأسبوع». وفى صباح هذا اليوم عُقدت الندوة التثقيفية الخامسة التى أقيمت بنادى الجلاء بحضور الفريق أول عبدالفتاح السيسى والفريق صدقى صبحى، رئيس الأركان وقادة الأفرع الرئيسية وجمع كبير من الضباط والجنود، وقد استضافت الندوة للحديث كلاً من أحمد أبوالغيط، وزير الخارجية الأسبق، ود.عبدالمنعم سعيد، المدير السابق لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام. وتحدث د. عبدالمنعم سعيد عن الوضع السياسى والاقتصادى، الذى كانت تعيشه البلاد فى هذا الوقت، وأكد فى محاضرته أن الدولة تمضى إلى طريق الانهيار السريع، وقدَّم بالأرقام حقائق الوضع الاقتصادى. وخلال فترة الاستراحة التقى القائد العام برئيس الأركان الفريق صدقى صبحى وقادة الأفرع الرئيسية، وتشاور معهم فى تطورات الأمر، خاصة بعد الندوة التى تحدث فيها د.عبدالمنعم سعيد، وحذر فيها من خطورة تردى الأوضاع، وكان رأى الفريق صدقى صبحى أن الأمور تمضى من سيئ إلى أسوأ، وأن الرئيس مرسى لا يزال يعاند، ولا يريد الاستجابة للمطالب الشعبية، واستدل على ذلك بلقاء الأمس الذى جرى فى قصر القبة معه واستمر لمدة ثلاث ساعات، وأنه لابد للجيش من موقف حاسم لحماية البلاد من المخاطر. وتحدث أيضاً عدد من القادة الآخرين، وعندما جاء الدور على الفريق عبدالمنعم التراس، قائد قوات الدفاع الجوى، قال: لقد استمعت لأحد العارفين بالله يقول: «إن البلاد فى حالة فتنة، ودرء الفتنة واجب على كل مسلم، ومن بيده الأمر أولى بدرء الفتنة، ومن بيده القوة آثم إن لم يتدخل لدرء الفتنة». سأل «السيسى» عن اسم الشيخ الذى قال هذه الكلمات، فقال له الفريق التراس عن اسمه، وتصادف أنه يعرفه حق المعرفة، ويثق بأنه واحد من الرجال المعتدلين، والذين يتمتعون بعلم واسع وفقه فى الدين، وانتماء وطنى أصيل. قال «السيسى»: «استناداً إلى الأحداث التى تمر بها البلاد فى الوقت الراهن، لا بد أن يكون لنا موقفنا المحدد الذى يضع حداً لهذه الفوضى ويحمى مؤسسات الدولة». كان القائد العام على ثقة بأن البلاد تمضى نحو الهاوية، وأن استمرار الحال على ما هو عليه كفيل بتصاعد الأزمات والدخول بالبلاد إلى مرحلة الحرب الأهلية، خاصة بعد أن رفض مرسى الاستجابة للمطالب التى حملها «السيسى» قبلها بيوم واحد. طلب القائد العام مجموعة أوراق، وراح يكتب البيان التاريخى الذى حذَّر فيه من مخاطر الفتنة وأعطى أسبوعاً للقوى السياسية لإنهاء الأزمة، وإن كان البيان موجهاً أساساً لجماعة الإخوان وبعد أن انتهى الفريق أول عبدالفتاح السيسى من صياغة البيان، أطلع عليه الفريق صدقى صبحى، وبقية أعضاء القيادة العامة للقوات المسلحة الحاضرين فى هذا اللقاء، وافق الجميع على البيان، واستعد «السيسى» لإذاعته خلال خطابه المهم الشهير. وقال «السيسى» فى البيان الذى تلاه باسم القيادة العامة للقوات المسلحة: «إن القوات المسلحة على وعى كامل بما يدور فى الشأن العام الداخلى دون المشاركة أو التدخل، لأن القوات المسلحة تعمل بتجرد وحياد تام وولاء رجالها لمصر ولشعبها العظيم». وأكد الفريق السيسى فى البيان «إن القيادة العامة للقوات المسلحة منذ توليها المسئولية فى أغسطس من العام 2012، أصرت أن تبتعد بقواتها عن الشأن السياسى وتفرغت لرفع الكفاءة لأفرادها ومعداتها، وقال: «إن ما تم من إنجازات فى هذا الشأن خلال الثمانية أشهر السابقة يمثل قفزة هائلة». وقال «السيسى»: «أؤكد أن علاقة الجيش والشعب علاقة أزلية، وهى جزء من أدبيات القوات المسلحة تجاه شعب مصر، ويخطئ من يعتقد أنه يستطيع بأى حال من الأحوال الالتفاف حول هذه العلاقة أو اختراقها». وقال القائد العام: «إن إرادة الشعب المصرى هى التى تحكمنا ونرعاها بشرف ونزاهة، ونحن مسئولون مسئولية كاملة عن حمايتها، ولا يمكن أن نسمح بالتعدى على إرادة الشعب، وأنه ليس من المروءة أن نصمت أمام تخويف وترويع أهلنا المصريين»، وقال «السيسى» بلغة حاسمة: «الموت أشرف لنا من أن يمس أحد من شعب مصر فى وجود جيشه». وأنهى الفريق أول عبدالفتاح السيسى بيانه بالقول: «إن القوات المسلحة تدعو الجميع، دون أى مزايدات لإيجاد صيغة تفاهم وتوافق ومصالحة حقيقية لحماية مصر وشعبها، ولدينا من الوقت أسبوع يمكن أن يتحقق خلاله الكثير، وهى دعوة متجردة إلا من حب الوطن وحاضره ومستقبله». وفى اليوم التالى، الخميس 6 يونيو، ناشدت جبهة الإبداع المصرى فى بيان لها جموع المبدعين المصريين فى القاهرة الكبرى والمدن القريبة منها سرعة اللحاق بالمعتصمين حتى يتم تحقيق مطالبهم. أما وزير الثقافة، فقد راح يزعم أن المجموعة المناوئة له، لها أهداف مصلحية وأنه مستمر فى أداء عمله ولن ينصاع لمطالبهم التى قال إنها غير مشروعة. لقد بدأت جماعة الإخوان التحريض بكل ما تملك ضد المعتصمين الذين كانوا يعترضون على أخونة وزارة الثقافة فى مصر، وعندما أعدوا لهجوم ضدهم بقيادة أحمد المغير، وحاولوا طرد المعتصمين فى 11 يونيو، ثم رشق أحمد المغير، قائد الهجوم، بالأحذية، واضطر إلى الفرار هارباً هو ومجموعته، وقامت الشرطة بوضعه فى مصفحة وخرجت به بعيداً عن الاعتصام. وقد شهدت الأيام التالية توافد حشود كبيرة من المثقفين والمبدعين إلى هذا الاعتصام، والذى كان له دور كبير فى التمهيد لثورة الثلاثين من يونيو. ■ ■ ■ أحدث البيان الذى ألقاه القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح السيسى ردود فعل قوية لدى الشارع المصرى، بينما أثار حالة شديدة من القلق لدى جماعة الإخوان. فى البداية، زعمت الجماعة أن البيان جاء بموافقة محمد مرسى إلا أن مصدراً عسكرياً كذب هذه الادعاءات، وقال: «إن مرسى لم يلتق السيسى إلا فى الخامسة مساء، أى بعد إعلان البيان». فى كل الأحوال، فإن اللقاء الذى جرى بين مرسى والسيسى شهد جدلاً واسعاً حول البيان الصادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة. لقد كان من رأى «مرسى» أن البيان يزيد الأمور اشتعالاً، وأن جماعته ثائرة ورافضة لهذا البيان الذى هو من رأيه يشجع الرافضين لحكمه على الخروج فى تظاهرات يوم الثلاثين من يونيو.وكان موقف «السيسى» واضحاً، عندما قال «إن القوات المسلحة لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدى أمام المخاطر التى تهدد أمن البلاد، وإن على «مرسى» أن يستجيب للمطالب الشعبية، وأبرزها إجراء استفتاء على انتخابات رئاسية مبكرة. وبدلاً من أن يلجأ «مرسى» إلى صوت العقل، راح يتحدث بغرور شديد بوصفه الرئيس المنتخب، والذى لا يتوجب التشكيك فى شرعيته. ولم يعط «مرسى» اهتماماً لتحذيرات «السيسى»، وراح يؤكد أن الشعب يقف خلفه، باستثناء القلة المارقة والتى تحركها أهواء شخصية وطمع فى السلطة. وفى مساء هذا اليوم، عقد اجتماع مصغر لمكتب الإرشاد، تقرر فيه إيفاد خيرت الشاطر، نائب المرشد العام، وسعد الكتاتنى، عضو مكتب الإرشاد ورئيس مجلس الشعب السابق لمقابلة الفريق أول عبدالفتاح السيسى وتحذيره من مخاطر هذا البيان وتداعياته. وفى صباح اليوم التالى، الرابع والعشرين من يونيو، طلب د.سعد الكتاتنى، رئيس حزب الحرية والعدالة، موعداً عاجلاً مع الفريق أول عبدالفتاح السيسى للحضور إليه هو وخيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان. وقد أبلغه اللواء عباس كامل، مدير مكتب القائد العام، أن الموعد قد حُدد له صباح باكر 25 يونيو، وفى مساء ذات اليوم كان عدد من ينتمون إلى المذهب الشيعى يحتفلون بمولد الإمام المهدى حفيد الإمام على، رضى الله عنه، فى ليلة النصف من شعبان. وبينما كانوا مجتمعين فى منزل «حسن شحاتة»، أحد أبرز الشيعة فى مصر، هجم عليهم العشرات فى قرية زاوية أبومسلم بالجيزة وقتلوا أربعة منهم وسحلوهم فى الشوارع، وكان من بينهم حسن شحاتة، كما أصابوا آخرين. وفى صباح اليوم التالى، الرابع والعشرين من يونيو، كانت المظاهرات تزحف إلى مناطق متعددة فى المحافظات وأمام ضريح الزعيم الراحل جمال عبدالناصر ومناطق أخرى مهمة فى قلب القاهرة والجيزة. وفى صباح نفس اليوم، التقى الأستاذ محمد حسنين هيكل بعدد من شباب حملة «تمرد» وشدد عليهم خلال اللقاء على ضرورة الحفاظ على سلمية المظاهرات وعدم الانجرار إلى دعوات الإخوان وغيرهم التى تريد أن ينزلق الشباب إلى هاوية العنف، فتضيع الحقوق مرة أخرى، وتمكين الإخوان من الاستمرار فى حكمهم. كانت حركة «تمرد» قد انطلقت فى الشوارع والميادين بهدف تعبئة المواطنين ليوم الثلاثين من يونيو، وكان الإخوان وأعضاء الجماعات المتشددة قد أنشأوا ما سموه بحركة «تجرد» لمواجهة حركة تمرد. ولقد أشارت التقارير كافة إلى أن حركة تمرد قد اجتاحت الشارع الرافض للإخوان، بينما انحصرت حركة «تجرد» فى أعداد محدودة لم تستطع مواجهة الجماهير الغاضبة. ■ ■ ■ فى صباح الخامس والعشرين من يونيو، كانت حدة المظاهرات تشتد، وأعداد المعتصمين أمام بعض المحافظات التى عين لها محافظون إخوان ومتطرفون تتزايد، بينما كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يستعد لعقد لقاء مهم فى هذا اليوم. وفى وقت مبكر من هذا الصباح، حضر خيرت الشاطر وبرفقته محمد مرسى للقاء مع الفريق أول عبدالفتاح السيسى، القائد العام، وزير الدفاع والإنتاج الحربى، وقد عقد اللقاء بمقر الأمانة العامة لوزارة الدفاع وبحضور اللواء عباس كامل، مدير مكتب القائد العام، وخلال اللقاء، استمع «السيسى» لحديث خيرت الشاطر، الذى استمر لأكثر من 45 دقيقة. لقد نقل خيرت الشاطر إلى «السيسى» غضب مكتب الإرشاد والقوى الإسلامية من بيان التحذير الذى أعلنه «السيسى» أمام حشد من رجال القوات المسلحة ظهر يوم 23 يونيو، والذى حدد بمقتضاه مهلة لمدة أسبوع واحد للرئيس مرسى ولبقية القوى السياسية للتوصل إلى حل نهائى للأزمة التى تعيشها البلاد. قال خيرت الشاطر: «إن البلاد تتعرض لمؤامرة خطيرة تشارك فيها قوى داخلية وخارجية، وإن الأخطر أن هناك مؤسسات فى الدولة تساعد وتسعى إلى نشر الفوضى فى البلاد». وقال: «إنه يعز عليه وعلى جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة أن يصدر الفريق السيسى بياناً هو أقرب إلى الإنذار ضد رئيس الدولة الشرعى، ويمنحه فيه سبعة أيام لإنهاء الأزمة، فى وقت تعلمون فيه من هو السبب وراء الأزمة والتصعيد الحاصل فى البلاد». وأضاف المهندس خيرت الشاطر: «إن البلاد تتعرض لمؤامرة خطيرة تشارك فيها قوى داخلية وقوى خارجية، وأن الأخطر أن هناك مؤسسات فى الدولة تساعد وتسعى إلى نشر الفوضى فى البلاد». وقال «الشاطر»: لقد استخدمتم سيادتكم لغة فى مخاطبة رئيس الجمهورية ما كان يجب استخدامها، وساويتم بينه وبين المخربين ودعاة الفوضى من جبهة «الخراب» التي نعرف أهدافها الحقيقية، إنه صراع على الكرسى يا سيادة الفريق بين أناس يريدون القفز دون سند شرعى أو دستورى وبين رئيس منتخب انتخاباً حراً مباشراً. وقال: لقد تعرضت البلاد فى الفترة الماضية لأعمال عنف وتخريب، وأصارحك القول إننا تعجبنا لموقف الجيش من هذه الأحداث، والغريب أننا نرى الآن جهاز الشرطة ينضم أيضاً إلى الجيش فى نفس موقفه، حيث أعلن وزير الداخلية أكثر من مرة أنه سيحمى المظاهرات السلمية مع أنه يعلم أنها مظاهرات تخريبية، والأخطر أنه صرح بأنه لن يحمى مقرات جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة، وكأنه يمنحهم الضوء الأخضر لإحراقها، مع أنه يعرف ويعلم أن هذه المقرات مستهدفة من هؤلاء المخربين. وقال خيرت الشاطر: نحن حتى الآن نلتزم الهدوء وطلبنا من عناصرنا التحلى بالصبر حرصاً على أمن البلاد، ولكن الناس لن تسمع كلامى بعد ذلك، وهى ترى المؤامرة تنفذ والجيش يحذر والشرطة تشجع أنت تعرف يا سيادة الفريق أول أن مصر بها آلاف الآلاف من المسلحين الإسلاميين دخلوا البلاد فى فترة الثورة وما بعدها، وتعرف أن لديهم أسلحة ثقيلة جاءت إليهم من ليبيا وغيرها، ولا أحد يستطيع السيطرة على هؤلاء. وقد جاءتنى معلومات موثقة أن هؤلاء لن يقفوا مكتوفى الأيدى وهم يرون المؤامرة تنفذ، ولن يسمحوا أبداً بسقوط الشرعية وسقوط الرئيس، خاصة أنهم يعرفون أن الدولة «العميقة» أفشلت كثيراً من تطلعات وطموحات الرئيس، وكأنها أصبحت طرفاً فى المؤامرة ضده. وقال «الشاطر»: «إن هذا التحذير الذى أعلنته يزيد الأوضاع اشتعالاً ويشجع المخربين على الاستمرار فى مخططهم، وأرجوك ألا تنسى أن الرئيس مرسى هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وأن بإمكانه اتخاذ أخطر القرارات، وهو رئيس له رصيده الشعبى الكبير، كما أن المجتمع الدولى وأمريكا لن يتركوا الأمور تمضى كما يريد البعض، بل سيدافعون عن الشرعية بكل ما يملكون». وقال: «نحن لا نريد أن نفتح الأبواب أمام تدخل دولى فى شئون مصر، ولكن من يظن أن أمريكا والغرب سيظلان صامتين أمام أى محاولة للانقلاب على الشرعية، فهو واهم ولذلك أطلب منك يا سيادة الفريق أن تسحب هذا الإنذار، وأن تحمى الشرعية وأن تحافظ على استقرار البلاد. ظل «السيسى» صامتاً، يستمع دون أن يحرك ساكناً، كأنه أراد أن يعرف ويتعرف على آخر ما لديهم. وبعد أن انتهى من حديثه، سأله الفريق السيسى بالقول: «إنتم عايزين إيه بالضبط، لقد أضعتم كل شىء وخربتم البلد، وأفشلتم التجربة وأحبطتم الشعب الذى مارستم عليه القهر والإذلال عندما وصلتم إلى السلطة لم نعترض طريقكم وارتضينا بخيار الشعب رغم الإرهاب الذى مارستموه على الجميع، انتظرنا منكم الكثير، لكن للأسف منذ البداية تعمدتم الإساءة للقوات المسلحة وللشعب المصرى وإذا كان هناك من مسئول عن الأحداث التى تشهدها البلاد فهو أنتم، بعد أن أصدرتم الإعلان الدستورى فى شهر نوفمبر من العام الماضى والذى دفع البلاد إلى مرحلة خطيرة، فكان إعلاناً للفتنة». وقال «السيسى»: دعونى أقل إن البلاد منذ هذا الوقت وهى تنتقل من مرحلة إلى مرحلة أخطر، وحتى عندما حاولت القوات المسلحة أن تدعو إلى مائدة حوار بين الجميع، رفضتم ذلك، وعلمت أن د.محمود عزت اتصل بالرئيس وطالبه بإلغاء الحوار وعرفت أيضاً أنك لم تكن مشجعاً لهذا الحوار، بالرغم من أننى تحدثت مع د.أحمد عبدالعاطى وأبلغته بالهدف من وراء الحوار، فاتصل بى الرئيس محمد مرسى بنفسه وأيد الفكرة. لقد تعمدتم وضع القوات المسلحة فى موقف صعب، ومع ذلك تحملنا الإهانة، وصمتنا، وليتكم صمتّم، بل فوجئنا بالمرشد يتقول على القوات المسلحة ويحرض الجنود والضباط على قادتهم، ويا ليت الأمر توقف على ذلك. لقد كنا مستعدين أن نتحمل الإهانة ولكن إهانة الوطن وتهديد أمنه واستقراره أمر لم نكن نستطيع الصمت عليه. وقال «السيسى»: إن التحذير الأخير كان هدفه حث الجميع، وأولهم الرئيس، على إنقاذ الموقف قبل 30 يونيو، وذهبنا إليه يوم 22 يونيو، وقلنا له إن القوات المسلحة لن تسكت وستطالب جميع الأطراف بضرورة حل المشكلة قبل الانفجار المتوقع، لكن أحداً لا يريد أن يسمع، وإذا سمع، فهو لا يلتزم ولا ينفذ ولا يستجيب. لقد أسأتم للدين، وكفّرتم المصريين جميعاً بالفتاوى التى لا تمت للدين بصلة، وأريد أن أقول لكما، نحن لا نتهدد، وأنا أرفض اللغة التى تتحدث بها معى، وأرجو ألا أسمع هذا الكلام منك، أو من غيرك مرة أخرى، وأرجو منك ومنكم جميعاً أن «تلموا» عناصركم وتوقفوها عن التطاول على القوات المسلحة، أنا أعلم أن حازم أبوإسماعيل، وغيره لا يقول كلاماً إلا بالتشاور معكم، والجيش لم يعد مستعداً للقبول بالإهانة، وأنا أهدئ من مشاعر الضباط والجنود، لكنى لم أعد أستطيع بعد أن وصلت الإهانات حداً لا يمكن السكوت عليه. وقال: يؤسفنى أن أقول لك إنكم وضعتمونا أمام خيار من اثنين: «يا إما تقتلونا أو تحكمونا»، وهذا منطق مرفوض. - هنا تدخل د.سعد الكتاتنى، وحاول تهدئة الأجواء، وقال: «نحن نقدر للقوات المسلحة مواقفها المتعددة وحرصها على الاستقرار والأمن، ولكن نحن الآن أمام مؤامرة تحاك ضد الشرعية، فما هو الحل». - قال الفريق أول السيسى: «المؤامرة هى فى أذهانكم أنتم فقط، هذا شعب مسالم، لكنه ضج من الاستهانة به، انتظر الرخاء على أيديكم فإذا به يواجه القتل والمرض والجوع والخراب، انتظر بناء الدولة فإذا به أمام حكم الجماعة وأمام رئيس لا يخاطب سوى أنصاره من الجماعة والإسلاميين، ونسى أن هناك شعباً قوامه 90 مليوناً، أنا أرفض تهديد الجيش من الميليشيات أو من أمريكا. - وتابع «السيسى»: سواء أصدرت القوات المسلحة تحذيرها أو لم تصدر، فالشعب سيخرج فى 30 يونيو المقبل، وأنا أحذر من غضبة الشعب، وكان بيان القوات المسلحة هو إبراء للذمة أمام الجميع، ونحن لن نسمح أبداً بسقوط الدولة أو إذلال الشعب، ولن يجرؤ ضابط أو جندى فى أن يوجه الرصاص إلى صدور المصريين، لن يكون هناك حل أمنى ولن نسمح به أبداً وجيش مصر سيحمى شعب مصر، وأنا أحذر أيضاً من تهديدات الأخ خيرت الشاطر باستخدام الميليشيات ضد الجيش أو الشرطة أو الشعب، أقسم بالله العظيم أن أولادنا حياكلوهم ويقطعوهم لو فكروا يعتدوا على الشعب، حل الأزمة ليس بالتهديد أو الوعيد، كما يقول الأخ خيرت، ولكن الحل فى أيديكم أنتم. - قال «الكتاتنى»: أعدك بأننا سنفكر فى الأمر جيداً وسنتواصل مع السيد الرئيس، بحيث يتضمن خطابه غداً مفاجآت سارة للشعب تنهي الأزمة وتضع حداً للخلاف. - قال «السيسى»: على بركة الله ونحن فى الانتظار، لقد سبق أن قدمنا ثلاثة تقارير للرئيس حذرنا فيها من خطورة الموقف، لكنه لم يستجب لأى من المطالب المرفوعة، وسأعطيها لكما، ولكن المهم فى الأمر هو الاستجابة السريعة لمطالب الشعب. - قال «الكتاتنى»: سننظر فى الأمر ونبلغك بالموقف النهائى. انصرف الشاطر والكتاتنى، كان الغضب بادياً على وجهيهما. اتجها على الفور إلى مقر جماعة الإخوان بالمقطم، كان المرشد العام محمد بديع وبعض أعضاء مكتب الإرشاد فى انتظارهم، استمعوا إلى عرض «الشاطر» عن وقائع ما حدث، واتفقوا على حشد عناصرهم فى اليوم التالى أثناء إلقاء مرسى لخطابه فى قاعة المؤتمرات بمدينة نصر. وكانت الخطة الأخرى، هى الاستعداد لاستفزاز «السيسى» وقادة الجيش الذين سيشاركون، وأيضاً وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم والقبض عليهم جميعاً، وتجهيز اللجان النوعية للقبض على العناصر المستهدفة والاستعداد لتسلم المنشآت الاستراتيجية والسيطرة عليها. هذا الخبر منقول من : الوطن |
|