الصراع مع أهالينا

walaa farouk · رقم المشاركة : ( 1 ) 17 - 06 - 2017, 11:10 PM

اختلافات وفجوات
قالوا في الأمثال "إن كبر ابنك خاويه"، لكن كمان قالوا في الأمثال برضو "اكسر للبنت ضلع يطلعلها مش عارفة كام واحد بداله" و"اللي ملوش خير في أهله ملوش خير في حد تاني"، وغيرها من العبارات اللي اتغذت عقول أهالينا عليها وإحنا كمان شربناها.
دي مش مقالة عن الأمثال ولا عن الفرق بين ابنك وبنتك، لكن عن الكتير اللي جوانا عن أهالينا وكمان اللي جواهم تجاهنا أكتر، وتوقعات وإحباطات، وخصوصًا لما بنكبر ونبتدي حياة مختلفة أو بعيدة عنهم، لكن همّ كمان بيكبروا وبتتغير وبتزيد توقعاتهم مننا.
وبنكبر كلنا وبتكبر بينّا الفجوة رغم إنهم همّ اللي مربيينا، وهم نفسهم اللي زارعين جوانا شخصياتهم ومبادئهم وتوصياتهم وتحذيراتهم، واللي ميقدروش يبطلوا يقولوهالنا مهما كبرنا، وطبعًا دي من الحاجات اللي كتير بتضايقنا وتحسسنا بالقيود.
وإحنا صغيرين بنكون تحت طوعهم وبناخذ الصح والغلط منهم، لكن بعد وقت بندخل المدرسة ونشوف ناس تانية شبه بابا وماما لكن مش أوي، وهم كمان عايزين يفضلوا يقولولنا ع الصح والغلط. لكن لحد إمتى هاحتاج الكبار ياخدوا بإيدي ويعدوني الشارع؟! أنا دلوقتي كبرت وبقيت في ثالثة إعدادي، ورغم كده بابا مش راضي يسيبني أحتفظ بأسراري مع أصحابي ولا شايف إنه بيجرحني لما بيزعقلي قدامهم، وأختي كمان بقيت بنوتة مينفعش خالص ماما تشاور على جسمها قدام طنط جارتنا وتفتخر أوي إنها كبرت! أختي كانت دايمًا تقولي: "طيب لما أنا كبرت ليه مش بتسيبني أغسل المواعين بطريقتي أو أحط السكر في الشاي بعد ما أصب الشاي؟ ليه دايمًا عايزاني أحط السكر الأول وبتزعق وبتثور لو نسيت أعمل كده؟! ليه دايمًا شايفة المزيكا مع المذاكرة غلط؟ أنا بعرف أركز كده أحسن!". ماما كانت دايمًا تختم كلامها معانا بكلمتين: "جيل بايظ وتلفان". بابا كان خايف عليّ بزيادة لدرجة إن أصحابي مكانوش يزوروني عشان بابا دايمًا بييجي يقعد معانا ويفضل ساكت ويقولي "خايف عليك يا ابني يضحكوا عليك".
وكبرت أنا وأخواتي، ودخلنا الجامعة.. والفجوة بينا بتكبر، لكن لسه في نظر بابا وماما أطفال محتاجينهم يمسكوا إيدينا ويعدونا الشارع. وزي ما فيه طلاق صامت بين الأزواج كمان فيه بنوة صامتة بين الآباء والأبناء، حاجة كده بنقدم فيها تقارير ونحفظ ماء الوجه، كل الكلام عن: نازل إمتى وراجع إمتى، ولو حد فيهم فكر مرة يسأل عاملين إيه في الشغل أو الدراسة مش بيستنوا الإجابة، ودايمًا رأيهم إننا نخضع للمديرين ونسمع كلام الأكبر مننا، مع إن الأكبر مش صح دايمًا على فكرة، و"نمشي جنب الحيط"، هو شعار جيل الآباء ووصية كل يوم "اكفي خيرك شرك"، والموبايل أصبح مضيعة للوقت وخسارة مادية، ومع واحد بيحب التكنولوجيا ويحب يتابع تطوراتها زيي في رأي بابا كائن مبذر ومجنون. حتى أختى اللي حققت أمنيتهم وطلعت دكتورة قد الدنيا رافضين إنها تكمل دراستها برة رغم البعثة المجانية، ورأيهم إنه كفاية دراسة وتعب أعصاب وشوفيلك عريس يسترك. وماما ثورجية بطبعها لكن على لوازم البيت فقط، اللي ناقص من سكر ولحمة وخضار، ولما حاولت أشاركها بمشكلتي مع خطيبتي عن طلباتها ردت بسرعة الطلقة وقالتلي: "أنا أصلاً مكنتش موافقة ع الجوازة دي، هي شكلها طالعة فيها، يعني إيه تصمم تاخدوا شقة برة العمارة بتاعتنا ومش مقدرة اللي عملناه مع صاحب العمارة عشان يديهالكم بالتقسيط؟! هي قاصدة تبعدك عني".
تعبت وقررت أكتب اللي جوايا، وحطيته في رسالة:
عزيزي بابا، حبيبتي ماما/
نفسي تفهموني، نفسي تحطوا نفسكم مكاني وتشوفوا إن أيامكم غير أيامنا، أيامكم كانت بسيطة وأهدا، صحيح بينا أمور مشتركة وقيم ومبادئ ثابتة لكن "مش كلها هتفضل ثابتة"، الدنيا بتتغير وبتطور، زمان كان احترام الكبير هو إني متناقشش ولا أختلف، واللي يقول حاضر ونعم بس هو اللي ينول الرضا، دلوقتي احترام الكبير مش في كبت شخصيتي، أنا بحترمكم لكن عاوز قبول منكم لمناقشتكم ومصارحتكم، ومش عاوزكم تحبوا نفس اللي بحبه لكن بلاش ترفضوني لأني مختلف عنكم أو لأن ذوقي مش هو ذوقكم ولا اختياراتي شبه اختياراتكم. ليه يا ماما مش فاهماني؟ ليه مش بتسمعيني؟ ليه عايزاني أعمل الحاجة بطريقتك إنتي وبس؟ كبرتم؟ طيب ما إحنا كمان كبرنا. أرجوكم شوفوا إننا كبرنا، كبرنا لدرجة إننا بقينا بعقل بيفكر ويبدع ويختار. إحنا مش ضدكم ولا اختلافنا معناه إننا استغنينا عنكم، بالعكس إحنا دايمًا عاوزين حبكم وسندكم، لكن بنشتاق لقبولكم.. ومهما اختلفنا عنكم هتفضلوا على راسنا".
واتفاجئت إن بابا وماما قروا الرسالة، ولأول مرة قرروا يتنازلوا ويجربوا طريقتي وردوا عليّ بنفس الطريقة
وسابولي رسالة مكتوبة:
ابننا الغالي/
سامحنا؛ مقدرناش نشوف بعينيك كتير أوي، لكن بحسب ما تعلمنا واتعودنا، رفضنا طريقتكم وكل جديد وسريع منكم، لكن مقصدناش نرفضكم إنتو شخصيًا. إنت كمان متجبرناش يا ابني نفهم الرتم السريع بتاعكم أو نستوعب اختياراتكم. متتوقعش مني أقبل موبايلك التاتش الهدية اللي جبتهولي هدية ونظرات السخرية في عينيك وتريقتك سابقة هديتك وإنت بتلمح إنه صعب عليّ، ولا صوتك العالي ونرفزتك عليّ وإنت بتعلمني أعمل أكاونت ع الفيسبوك وأبقى زيك، وكل اللي فرق معاك إني كسفتك لما رفضت هديتك. اوعوا تفتكروا إننا مبسوطين بالفجوة دي أو إننا راضيين عشان مش لاحقين نجاريكم. إحنا نفسنا نجيبلكم حتة من السما، لكن غالبًا مفكرناش إذا كان ده يسعدكم ولا لأ! لكن كمان يا ابني محتاجين نحس إن بالكو طويل علينا، طوّل بالك عليّ يا ابني، أنا كبرت وتعبت والدنيا ياما عملت فيّ، محتاج نظرة حنية منك، محتاج تفهّمني بالراحة ومتحسسنيش إني غبي، طوّل بالك واشرح لمامتك وطمنها، طمنها إنك حتى لو اتجوزت بعيد عنها مش هتنساها، هي خايفة وعايزاك تطمنها، ارحموا ضعفنا وجهلنا.. محتاجينكم إنتو كمان تقبلونا".
مش هقولكم رد فعل الابن لما قرا الجواب، لكن هسيبكم إنتو تقولوا رأيكم. تفتكروا المشكلة ملهاش حل ولا المكاشفة اللي حصلت بين الابن وأبوه ومامته هتساعدهم في إصلاح العلاقة بينهم؟ ممكن نبني جسور تعدي بينا فوق الفجوة دي؟ ومين يبتدي وإزاي؟