رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ولما جاء داود ورجاله إلى صِقلغ في اليوم الثالث، كان العمالقة قد غزوا الجنوب وصِقلغ، وضربوا صِقلغ وأحرقوها بالنار ( 1صم 30: 1 ) تغرَّب داود في أرض الفلسطينيين ستة عشر شهرًا، كان فيها بعيدًا عن الله وعن إسرائيل. واستمر في وضعه الخاطئ حتى إنه كان مستعدًا أن يحارب مع الفلسطينيين ضد شعب الله! لكن الله في رحمته استخدم قادة الفلسطينيين لينقذ داود من وضعه الغريب، فهم بخبرتهم السابقة عن داود، حكموا أنه لا يمكن أن يكون حليفهم. ”أَ ليس هذا داود؟ فكيف نثق فيه؟“. إن أهل هذا العالم لا يمكنهم إطلاقًا أن يضعوا كل ثقتهم في شخص وقف مرة في صف حق الله. والمؤمن الذي يخرج عن قوة الشركة مع الله ويرجع إلى العالم، مهما انحدر في السقوط إلى أبعد حد، لا يمكن للناس أن يثقوا به أو يعتبروه واحدًا منهم، بل يشكّوا فيه كما شك الفلسطينيون في داود «أرجِع الرجل فيرجع إلى موضعه الذي عيَّنت له، ولا ينزل معنا إلى الحرب، ولا يكون لنا عدوًا في الحرب» ( 1صم 29: 4 ). قد يعطي الفلسطينيون لداود مكانًا بينهم، لكن حين تنشأ حرب بينهم وبين إسرائيل، فهم عندئذٍ لا يعرفوه. وقد كانوا حكماء في ذلك، لأن داود مهما بدّل من شكله لا يستطيع إلا أن يكون للفلسطينيين عدوًا. قد يمثِّل دور المجنون ( 1صم 21: 10 - 15)، أو يدَّعي أنه غزا على جنوبي يهوذا ( 1صم 27: 9 - 12)، ولكن عندما تأخذ الأمور الشكل الإيجابي، عندها يتصرف داود بما يتوافق مع شخصيته الحقيقية كقاتل الربوات من الفلسطينيين. يتعرض المؤمن أحياناً للسقوط في بعض خطايا وقد يسمح الرب بسقوطه فيها لكي ينقيه من الاتكال على الجسد ويدربه في الاتكال على نعمة الله الغنية. لكن يوجد نوع من الخطايا لا يسمح الله قط بسقوط المؤمن فيه. فمثلاً إذا رأى والد ولده يتسلق حاجزاً بسيطاً، فإنه ينبهه لئلا يسقط. ولما لا يسمع يتركه حتى يسقط فيتعلم اختبارياً نتائج عناده. أما إذا كان يحاول أن يقفز على حائط عالِ يسبب له الأذى، فإن والده لا ينتظر عليه حتى يسقط وينكسر أو يموت، بل يقوم ويمنعه بنفسه. وهذا ما حصل مع داود؛ فلم يسمح له الله أن يحارب شعبه بل منعه ثم أرجعه لبلاده، ولكن بمرارة نفس. لأن رَّد النفس ليس بالأمر الهيَّن .. انظروا كيف رَّد الرب نفس داود .. "فرفع داود والشعب الذين معه أصواتهم وبكوا، حتى لم تبق لهم قوة للبكاء... فتضايق داود جداً لأن الشعب قالوا برجمه" ومَنْ هم الذين قالوا بذلك؟ هم أصحابه أنفسهم الذين كان يقاتل بهم .. تصوروا رجلاً يدخل مدينته فلا يجد زوجته ولا أولاده. لا بل ويجمع الكل على رجمه هو أيضاً .. يا لها من جراحة قاسية! لكنها كانت الوسيلة الوحيدة لرَّد النفس، لخلعها من الذات والعالم وربطها بالرب وشعبه. أليس هو الذي كتب كلمات المزمور المشهور "الرب راعيَّ فلا يعوزني شيء" وأكد لنا فيه عن الرب أنه يرُّد نفوسنا عندما نضل، ويهدينا إلى سُبل البر من أجل اسمه. وقصده في ذلك أن يقودنا لأن نثق ـ لا في أنفسنا أو في قوتنا ـ بل في أمانة ذاك الذي هداه إلى سُبل البر من أجل اسمه. فإن كنا "بقوة الله محروسون ..." فإن هذه الحراسة تكلفنا كثيراً إذا لم نَسِر في طريق الطاعة. فعلينا ألاّ نبرح من مركز الطاعة لئلا يضطر الرب لأن يستعمل معنا طرق الشدة والعنف لإرجاعنا إليه. وإن شئنا ألاّ نخرج عن طريق الطاعة، علينا أن نلازم عرش النعمة. على أن الله لم يسمح بظهور داود في الحرب ضد إسرائيل، بل أرجعه أو بالحري نحَّاه جانبًا ليتسنى له أن يتعامل معه على انفراد «ولما جاء داود ورجاله إلى صِقلَغ ..، كان العمالقة قد غزوا الجنوب وصِقلغ، وضربوا صِقلغ وأحرقوها بالنار، وسبوا النساء اللواتي فيها. لم يقتلوا أحدًا لا صغيرًا ولا كبيرًا، بل ساقوهم ومضوا في طريقهم» ( 1صم 30: 1 ، 2). وهنا بدأ داود يذوق مرارة طلبه مساعدة أخيش في يوم حاجته. لقد اتخذ مكانه بين الغُلف، لذلك تحتم عليه أن يشاركهم أيضًا في مصائبهم وخسائرهم. ولو كان قد ظلَّ في جبال يهوذا، لما تعرَّض لهذه الأحزان المريرة. لكنه هرب إلى صِقلغ ليتجنب شاول. وكانت النتيجة المُرّة أنه بينما كان شاول يسقط على جبل جلبوع، كان داود يبكي على أطلال صِقلغ. في كل هذا كان الله يتعامل مع فتاه العزيز، ليس ليسحقه بل ليرُّد نفسه، وليُشعره بنتائج الطريق الذي سلكه وسط الفلسطينيين. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
اختبار صِقلغ |
اختبار صِقلغ |
صِقلغ تحترق في عهد داود |
كان اختبار صِقلغ مُذلاً جدًا لداود |
حالة داود لدى رجوعه إلى صِقلغ |