القديس البار سابا كاليمنوس (1948م)
7 نيسان غربي (20 نيسان شرقي)
ولد سنة 1862 لعائلة فقيرة في تراقيا الشرقية. عاشر سير القديسين منذ الشبابية الأولى فاشتعل قلبه رغبة في الحياة الرهبانية. لكن كانت لذويه، في شأنه، غير خطط. قطعوا عليه دروسه وهو في الثانية عشرة وسلموه إدارة مخزن صغير. رغم تهديدات أمه له أنها ستموت إذا صار راهباً لاذ، يوماً، بالفرار وكالأيل المشتاق إلى ينابيع المياه حط في إسقيط القديسة حنة في جبل آثوس. أبدى طالب الرهبنة الجديد زهداً كبيراً وطاعة كاملة. ذات يوم حرضه أقرانه في الدير على ذوق بعض الحمص الأخضر دون أن يحظى، سلفاً، ببركة أبيه الروحي. للحال عاين شيطاناً ينتصب أمامه ويقول له بلهجة فيها التهكم ورنة النصرة: "لقد خدعتك!".
ومرت السنون، اثنتا عشرة (1887م)، فخرج في حج إلى الأراضي المقدسة. هناك، في دير القديس جاورجيوس الخوزيبي، بقرب نهر الأردن، صير راهباً سنة 1890. وبعد إقامة في دير القديسة حنة ابتغاء التمرس على رسم الايقونات، سيم كاهناً وخدم سنة في مدرسة بطريركية القدس. ثم في العام 1907 اعتزل في إحدى مغاور اسقيط دير الخوزيبا لينكب على سيرة الهدوئية. الصلاة ورسم الايقونات كانا عمله الوحيد فيما كان طعامه بعض القمح المنقوع وشرابه القليل من ماء النهر. اضطُر، إثر تهديد المسلمين لأمكنة المسيحيين سلباً ونهباً، إلى العودة إلى اليونان سنة 1916. وبعدما تنقل قليلاً في باتموس وسواها عاد إلى جبل آثوس. انضم، أثناء زيارة إلى أثينا، إلى القديس نكتاريوس في جزيرة آيينا إلى حين رقاد هذا الأخير. عشرته للقديس نكتاريوس كملته في الصبر والاتضاع وسواهما من الفضائل. بقي، بعد ذلك، عدة سنوات في آيينا، في قلاية قريبة من الدير، بقوم بمهام مدبّر الشركة ويعلم الراهبات رسم الايقونات والترتيل البيزنطي. ذات يوم، بعد انكفاء دام أربعين يوماً، خرج من قلايته وهو يحمل أول أيقونة للقديس نكتاريوس. وقد أمر، بلهجة الواثق، رئيس الدير بأن يعرضها للتقبيل في الكنيسة.
وبسبب تدفق الزوار على دير الثالوث القدوس انتقل سابا، من جديد، هذه المرة إلى دير جميع القديسين في جزيرة كاليمنوس (1926). هناك بنى قلاية صغيرة فوق الدير. وعلى مدى اثنين وعشرين عاماً كان يقيم الخدم الإلهية بانتظام ويعرف الراهبات ويعلم الشعب ويعتني، عناية خاصة، بالأرامل والفقراء والأيتام. كان يكتفي لغذائه ببعض قطع القربان المغموسة بالخمر الليتورجي أو ماء إكليل الجبل (روماران). كان، في نيامه، يقتصر على ساعتين من الراحة جلوساً على كرسي لا ظهر لها. كل بقية يومه كان مكرساً لله وإخوته في المسيح. خلال الحرب العالمية الثانية كان يصلي واقفاً ليالي بطولها لأجل الشعب. ولما كانت طائرات معادية تمر فوق المكان كان يرسم عليها إشارة الصليب.
ومع أنه كان الصمت لديه فوق كل اعتبار لم يتردد في السعي إلى المضنوكين. كما كان يمضي الساعات الطوال يسمع فيها اعترافات الناس ويبكي على خطايا ابنائه الروحيين في سعيه إلى قيادتهم إلى فرح الخلاص. حين كان يصلي كانت الكنيسة أو قلايته تمتلئ عطراً وطيباً لا يوصفان. هذا الطيب إياه لا يزال إلى اليوم يفوح في جوار ضريحه.
من أخباره أنه لم يكن يترك مالاً يبيت عنده من يوم إلى يوم.
لما حانت نهاية رحلته الأرضية انكفأ ثلاثة أيام لم يعاين فيها انساناً. فلما خرج أفضى بنصائحه في شأن محبة يسوع وطاعة وصاياه، ثم صفق بيديه وهو يردد: السيد، السيد، السيد!" وإن واحدة من الراهبات الحاضرات ساعتذاك تسنى لها أن تعاين روحه ترتفع إلى السماء في وسط غيمة مذهبة، مصحوبة بلحن سماوي. كان ذلك في مثل هذا اليوم من العام 1948.
لما جرى فتح ضريحه سنة 1957 عبقت منه رائحة طيب ملأت كل تلك الناحية إلى حدود المدينة. للحال قرعت أجراس الدير وكل كنائس الجزيرة. عجائب جمة جرت إذ ذاك ولا زالت عند ضريحه.
بسيطاً، متواضعاً، مسحوقا، ناسكاً، رجل صلاة على قامة الآباء القدماء، هذا ما كان عليه القديس سابا كالمنوس، صورة للراهب الإصيل، موافقة لكل زمان. في إحدى كتاباته القليلة قال: "الراهب هو ذاك الذي يتألم ويبكي على خطاياه ولا يبالي بملاحظة خطايا الأخرين. وهو لا يدين ولا يغضب بل يتحمل بصبر، بطيبة خاطر، كل إساءه واحتقار التماساً للدالة عند الله الذي هو الحاكم السماوي وأب الجميع".