ناسكاً
كان القديس سيرافيم قد شاخ قبل أوانه. كما كان المرض و الإمساك قد أضنياه، وكانت رجلاه منتفختين متقرّحتين. لهذا سمح له رؤساؤه بالعزلة.
اعتاد أن يقرأ الأناجيل كمن يطلب أن يشترك في خبرة أحداثها. لهذا السبب أطلق على عدد من الأمكنة في محيطه أسماء كتابية، و أخذ يقرأ في كل منها الفصول التي تناسبها. فهنا الناصرة و هناك بيت لحم و هنالك قمة ثابور و الجسمانية.
كان لا يذهب إلى الدير إلا في آخر الأسبوع و لا يحمل معه إلا القليل من الخبز عائداً. و قد كان له شركاء في طعامه: حيوانات البرّية التي صارت له عشيرة أليفة. فمن المعروف مثلاً أن دباً كان يأتيه كالحملان ليأكل من يده. وقد اعتاد أن يعمل قليلاً في الأرض ويرتل أثناء العمل. وكثيراً ما كان يحدث أن يخطف بالروح و هو يرنم.
وفي عودة القديس إلى الدير، في الآحاد والأعياد، كان الرهبان يتحلّقون حوله ويصغون إليه و هو يحدثهم عن الله: "بمقدار ما تدفئ محبة الرب قلب الإنسان، بنفس المقدار يجد المرء، في اسم الرب يسوع، حلاوة و سلاماً".
اعتاد الرهبان انتظاره في مجيئه إليهم و البهائم في عودته إلى منسكه. كانت الحيوانات و العصافير و الزحّافات تجتمع أمام بابه تنتظر طعامها. مرة سأل الشمّاس ألكسندروس القديس سيرافيم كيف يتمكن من إطعام هذا الجم من الحيوانات فأجابه: لا أعرف كيف، أعرف فقط أني كلما مددت يدي إلى كيسي وجدت فيه ما ألقيه إليها.
كان منسكه أجرد. حتى السرير لم يكن موفوراً، لأن سيرافيم كان يستلقي على كيس من الحجارة الملساء. غمبازه كان يتيماً وله حبل يربط وسطه به، لكن كان عنده للشتاء معطف سميك وقبعة رهبانية.
كثيرون أخذوا يشقّون طريقهم إليه طلباً للنصح و البركة فتضايق و سأل الله حلاً فتشابكت الأغصان حول منسكه إلى حدّ تعذّر معه وصول الراغبين إليه.