رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الفتــــور الروحـــى " في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي طلبته فما وجدته .. إني اقوم وأطوف في المدينة في الأسواق وفي الشوارع أطلب من تحبه نفسي طلبته فما وجدته .. وجدني الحرس الطائف في المدينة فقلت أرأيتم من تحبه نفسي فما جاوزتهم إلا قليلاً حتى وجدت من تحبه نفسي .. فأمسكته ولم أرخه حتى أدخلته بيت أمي وحجرة من حـبلت بي .. أحلـفكن يا بنات أورشليم بالظباء وبايائل الحقل ألا تيقظن ولا تنبهن الحبيب حتى يشاء .. " (نش 3 : 1 - 5 ) بعد أن انتهى الإصحاح الثانى الذى تركزت الأحاديث فيه ، كما قلنا قبلاً عن بحث الله عن الإنسان وعن عمل النعمة فى القلب .. تعود العروس من جديد هنا فى الإصحاح الثالث لتتحدث ، لكننا نرى أحاديثها وقد تركزت على وجه العملة الآخر .. ألا وهو بحث النفس البشرية عن الله ، وذلك بالجهاد الروحى .. فالحياة الروحية هى جهاد تؤازره نعمة ، أو نعمة تعين جهاد المؤمن لتخلصه .. ولقد مرت العروس بمرحلة جفاف روحى إذ طلبت من الحبيب أن يُخرج لها الثعالب الصغار المفسدة للكروم .. وإنتهت هذه المرحـلة عندما قالت : " حبيبى لىَّ وأنا له .. الراعى بين السوسن .." وما لبثت أن عادت من جديد فى إنحدار آخر ، لا فى حالة جفاف بل فى حالة فتور روحى .. وهى مرحلة أصعب من مرحلة الجفاف الروحى .. فالفتور الروحى هو عملية إنحلال قلبى وضياع لا تجد فيه النفس عريسها الرب يسوع المسيح .. فتقول : " بالليل على فراشى طلبت من تحبه نفسى .. طلبته فما وجدته .. " فهى مرحلة فتور ونوم وكسل وتراخى يمر بها جميع الذين لم يبدأوا بعد فى طريق التوبة ، كما قد يعانى منها بعض الذين بدأوا .. إذ يمرون بليل الخطية ويشتاقون إلى فجر جديد تشرق فيه شمس البر والشفاء فى أجنحتها فيقومون من فتورهم وتكاسلهم .. ولنا فى حالة الفتور الروحى هذه ثلاث كلمات ، فنجد : 1) قـــلبٌ غـافـل . 2) سعىٌ باطــــل . 3) حــبٌ عــامـل . أولاً : قلــب غـــافل وهى أولى خطوات الفتور ، إذ يبدأ فى القلب بالغفلة والنعاس الروحى ، فهى تقول: " فى الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي طلبته فما وجدته .. " فلم تعد فى بيت خمر محبة الفادى ، بل تركت الأحضان السماوية التى كانت تعانقها وفى ليل التهاون والتكاسل وجدت نفسها بلا حبيب ، فلقد ضاع من أمام عينيها وجود عريسها .. لذا قال الكتاب : " وفيما الناس نيام جاء عدوه وزرع زواناً في وسط الحنطة ومضى " (مت 13 : 25) فالمشكلة تكمن فى نوم صاحب الحقل ، وليس فى وجود عدو .. وقد تدخل الغفلة إلى قلب الإنسان من عدة مداخل أهمها : 1) الشعور بالذات والاعتماد على النفس والإكتفاء بماضى مجيد فى خدمة أو حياة مقدسة .. لذا قال معلمنا بولس الرسول : " ليس إني قد نلت أو صرت كاملاً ولكني أسعى لعلي أُدرك الذي لأجـله أدركني أيضاً المسيح يسوع " (في 3 : 12) 2) وقت الفراغ الذى فيه يشفق الإنسان على نفسه فيتكاسل ويهمل قداسته كما فعل داود النبى ، فبرغم أنه وقت الحرب إلا أنه تكاسل ، كما قال الكتاب : " وكان في وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك فرأى من على السطح إمرأة تستحم وكانت المرأة جميلة المنظر جداً " (2صم 11 : 2) فأخذها وزنى معها ثم قتل .. وتوالى السقوط .. 3) البيئة الروحية غير المقدسة التى يتواجد فيها المؤمن فيتأثر بمن هم حوله ، ولا يؤثر هو فيهم .. فتكون النتيجة أنه يتكاسل ويترك جهاده فيضيع فى تيارهم .. لذا قال الكتاب : " لا تضلوا فإن المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة " (1كو 15 : 33) ، كما يحذرنا قائلاً : "ولا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري وبخوها .. " (أف 5 : 11) 4) إهمال وزنة الوقت متناسياً أننى سأعطى حساباً عنها يوم الدين .. فكل يوم يقدم الرب شيكاً قيمته 24 ساعة فهل أستثمر هذا الوقت أم أضيعه فأقع فى الدينونة .. لذا قال الرب يسوع : " أليست ساعات النهار اثنتي عشرة إن كان أحد يمشي في النهار لا يعثر لأنه ينظر نور هذا العالم " (يو 11 : 9) 5) إهمال التواجد مع جماعة المؤمنين فى الكنيسة ، بما فى ذلـك مـن فقـد لبركات كثيرة .. لذا قال الكتاب : " وكانوا كل يوم يواظبون في الهيكل بنفس واحدة وإذ هم يكسرون الخبز في البيوت كانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب " (أع 2 : 46) 6) الإستسلام للكسل وعدم أخذ قرار صارم مع النفس لتقوم وتثابر مجاهدة ضد الخطية .. لذا قال الكتاب : " غير متكاسلين في الاجتهاد حارين في الروح عابدين الرب " (رو 12 : 11) لذا فالكنيسة تعلمنا فى تحليل الآباء الكهنة بعد صلاة نصف الليل فنقول : [ نجنا وأحفظنا وأسترنا وانهضنا من الملل والضجر والتوانى والكسل .. ولا تدع العدو الشيطان يطغينا بواسع الأمل ، بل نبه عقولنا وايقظ قلوبنا من نوم الغفلة وتسويف العمر باطلاً .. ] أيها القارئ الحبيب ، هل تعيش فى نهار كامل أم فى ليل مظلم ؟ هل فى نشاط كامل أم فى تكاسل وخمول .. ؟ هل تمارس أمورك العالمية بنشاط ، وتتكاسل فى حياتك مع الله ولا تسمع لصوته الخفيف ، ولا يشغلك إلا صوت العالم بضجيجه وإلحاحاته ؟ إن كان فى حياتك منفذ من هذه المنافذ تسرب منه الكسل والغفلة إلى حياتك .. إنها فرصة اليوم لتقوم وتبنى أسوار حياتك المنهدمة ولا تكون بعد عاراً .. فرصة لنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور .. نعم ، قم من الأموات فيضئ لك المسيح .. ثانياً : ســـعىٌ باطـــلٌ أخيراً استيقظت العروس لتبحث عن حبيبها ، لكن للأسف بحثت عنه فى أماكن لا يمكن لها أن تجده فيها إذ بحثت عنه فى المدينة فى الأسواق فى الشوارع ، فكان سعيها سعياً باطلاً .. ووصلت إلى الحقيقة المُرة : فما وجدته .. فالبعض يبحثون عن السعادة فى المراكز ، ويتوهمون الفرح فى الحفلات والملذات والموديلات ، ويفتشون عن الراحة فى المال أو فى الجنس أو فى تمجيد الذات أو فى سيجارة أو فى كاس أو فى مسلسل .. فى الشوارع وفى النواصى أو فى الأماكن غير المقدسة .. والرب يعاتب هؤلاء قائلاً : " لأن شعبي عمل شرين تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لانفسهم آباراً آباراً مشققة لا تضبط ماء " (إر 2 : 13) والواقع أن الأمر فى منتهى الوضوح ، إذ قال الكتاب : " لا يجتنون من الشوك تيناً ولا يقطفون من العليق عنباً " (لو 6 : 44) فكيف لبضاعة إبليس القتال أن تهب حياة ؟ وكيف لمسلسلات العالم أن تهب حرية ؟ وكيف لسراب الخطية أن يهب ارتواءاً ؟ قال أحد اساتذة الجامعة المشهورين ذات يوم : [ لم اكتف بصنع الشر فى بلادى ، بل هاجرت إلى بلاد أوروبية لأمارس الفسق على أوسع نطاق .. عشت فى الخطية بالطول والعرض وكنت أبحث فيها عن السعادة واللذة ، فما وجدتها .. إنها لذة وقتية .. فكنت أضحك ضحكات وقتية من فمى وليس من قلبى .. وأخيراً تعرّف على مصدر السلام والسعادة .. إذ وهو جالس فى حديقة سمع صوتاً يقول له : افتح واقرأ فى الكتاب المقدس .. ففتح ووجد الكلمات : " هذا وإنكم عارفون الوقت إنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا قد تناهى الليل وتقارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور .. لنسلك بلياقة كما في النهار لا بالبطر والسكر لا بالمضاجع والعهر لا بالخصام و الحسد .. " (رو 13 : 11 ـ 13) فعلى الفور قام من غفلته وعاد إلى أحضان من كان يحبه وهو يبحث عنه بعيداً بعيداً فترك النجاسة إذ كان له إبن فى الحرام من الزنى .. ويسجل سعادته بلقاء المسيح وفتح قلبه له فيقول : [ كنت أبحث عنك فى أشياء خارج عنى فلم أجدك .. وأخيراً هنا وجدتك وفى قلبى أمسكتك .. ] ما أروع هذه البداية التى بدأها هذا الاستاذ الجامعى .. أتعرف من هو ؟ إنه القديس أغسطينوس .. الذى سجل هذا الكلام فى كتاب اعترافات اغسطينوس .. لقد كان استاذاً فى الفلسفة والبيان فى جامعات فينا .. أخى المحبوب .. كفاك سعياً باطلاً عن السعادة .. كفاك نقراً فى الصخر لتبحث عن المياه .. بل افتح القلب لنبع الشبع والارتواء فتجد فيه السلام والراحة الحقيقية فتبتهج بفرحٍ ولا ينزع أحد فرحك منك .. ثالثاً : حبٌ عامل تقول عروس النشيد : " وجدني الحرس الطائف في المدينة فقلت أرأيتم من تحبه نفسي فما جاوزتهم إلا قليلاً حتى وجدت من تحبه نفسي فأمسكته ولم أُرخه حتى أدخلته بيت أمي وحجرة من حَبُلَت بي.." وما الحرس الطائف إلا المرشدين الروحيين الذين يرشدون الإنسان إلى المسيح .. لكن ما أخطر أن يقف الإنسان عند مرحلة التعلق بالمرشد الروحى ولا يصل إلى المسيح .. فالعروس تقول : ما جاوزتهم إلا قليلاً .. فلقد تجاوزت مرحلة العيان لتتعامل مع الحبيب الغالى على مستوى الإيمان .. فالمرشد الروحى هو صوت صارخ فى البرية .. أعدوا طريق الرب .. وهو بذلك يوصلك إلى المسيح .. وما أجمل هذه العبارة التى تكررت 5 مرات فى سفر النشيد .. وهى عبارة " من تحبه نفسى .. " وإذ ترى النفس البشرية حبيبها الغالى الذى أسلم نفسه لأجلها ، فعلى الفور تمسكه بيدها ولا ترخه .. لقد ذهبت مريم المجدلية تبحث عن جسد المسيح لتضع الحنوط عليه لتطيبه .. فلاقاها هو بنفسه .. وظنت أنه البستانى لكنه نادها بإسمها قائلاً : يا مريم .. فعلى الفور عرفته مريم وقالت له يا معلم .. لذا فالنفس التى تبحث عن المحبوب لا بد أن يأتى ويُظهر لها ذاته بل يدخل إليها ويتعشى معها وهى معه .. إنها المحبة التى تغيِّر القلب بل وتضئ الحياة .. فبعد الظلام يأتى النور ، وبعد الفتور تأتى الجدية والنشاط فى الحياة الروحية .. إنه الحب العامل المغيِّر الذى يحرر المقيدين ويفك الماسورين ويطلق ويخلص الذين فى الشدائد .. لذا فالقديس الأنبا أنطونيوس حين وجد العريس السماوى ، وجده لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن ، فعلى الفور قرر أن يمسك به ولا يرخيه ، بل وقرر أن لا يشغله شئ أو شخص عن التمتع بالمحبوب .. فترك الكل وانحل من الكل ليتحد بالواحد الكثير الثمن .. وهكذا سار على نفس الدرب كل آبائنا القديسين .. سواء كانوا رهباناً أو علمانيين .. بتوليين أو متزوجين .. أخيراً .. أدركت العروس أنه لا مكان يمكن أن تتمتع بالحبيب ولا يفصلها أحد عنه .. فقررت إلا أن تدخل به إلى بيت أمها , وحجرة من حبلت بها .. ومن هى هذه الأم إلا الكنيسة المقدسة التى حبلت بنا ونحن اطفال فى المعمودية .. فصار الله أباً لنا وصارت الكنيسة أما حنوناً نفرح بالقائلين لنا إلى بيت الرب نذهب .. فالكنيسة هى عمود الحق وقاعدته (1تي 3 : 15) ففى الكنيسة تتجدد النفس بفعل أسرارها التى هى قنوات مقدسة تجرى من خلالها عمل نعمة المسيح إلى القلب .. فيخلص المؤمن ويدخل ويخرج ويجد مرعى .. فتتمتع بالمسيح فى الكنيسة وتخرج إلى العالم لتخبرهم بجمال المحبوب فيأتون إليه ليتمتعوا معها به .. أخى الحبيب .. هل لك الأشواق المقدسة للعريس السماوى التى تذيب ثلوج الخطية من القلب ، وتضئ ظلمات الضعف والكسل والتراخى فتأخذ حبيبك السماوى وتدخل به إلى الكنيسة لتأكل جسده وتشرب دمه .. وتبقى فى حضنه حتى يشأ فى خلوة حب مقدسة وترفض الفتور وتقوم من غفلة النوم وتقول له فى قطع صلاة النوم : هوذا أنا عتيد أن أقف امام الديان العادل مرعوباً ومرتعداً من كثرة ذنوبى ، لأن العمر المنقضى فى الملاهى يستوجب الدينونة .. لكن توبى يا نفسى ما دمت فى الأرض ساكنة ، لأن التراب فى القبر لا يُسبح ، وليس فى الموت من يذكر ، ولا فى الجحيم من يشكر .. بل إنهضى من رقاد الكسل وتضرعى إلى المخلص بالتوبة قائلة : اللهم ارحمنى وخلصنى .. ** ترنيمة : 1) يا سـيدى الحبـــيب يا نــــور عمـــرى آتـى إليـك يـا ربـى فانهـــضــــــنى آتى إليك بكل ضعــفى اسمع صراخى واشف نفسى محـــتاجٌ إليك يا ربى انهضـــــنى يا يسوع قرار : مشــتاق لعملك فىَّ محــــتاج للمسة قوية انهضــنى يا يســوع انهــضنى يا يســـوع 2) بحبك العجيب إلهب قلبى فأُشبع قلبك بصدق حــبى تعال برعش فىكل عظامى روحك يملأ كل كـــيانى تعـال وبدد كل احــزانى انهضــــــنى يايسوع |