أعباء امرأة اليوم جراء تعدد أدوارها
المرأة المعاصرة تسعى –ويُنتَظَر منها – أن تكون امرأة كاملة، أي أن تحقق على أكمل وجه مختلف أبعاد شخصيتها وسائر أدوار وجودها، فتكون لزوجها رفيقة وعاشقة، وتكون لأولادها أماً حنوناً ساهرة، وتكون في عملها المهني دائبة وبارعة. ولكنّ تراكم الأدوار على هذا النحو، لا سيما في المرحلة التي يكون فيها الأولاد صغاراً يحتاجون إلى الكثير من الاهتمام والرعاية، ويكون العمل المهني فيها متطلباً لمزيد من التركيز والدقة، هذا التراكم قد يسبب لها إرهاقاً يُنشئ لديها تعباً مزمناً ويخلّف في نفسها مللاً ويأساً، بحيث ينعكس كل ذلك على كافة نواحي حياتها، ويصدّع العلاقة العاطفية والجنسية التي تربطها بزوجها.
وقد لاحظت إحدى الأخصائيات النفسيات بهذا الصدد "أنّ عملاً بوقت كامل ووجود عدة أولاد صغار، أمران لا يتفق وجودهما مع التوازن الجسديّ والنفسيّ للكائن البشريّ".
إنّ المرأة التي تودّ أن توفّق بين مختلف الأدوار التي أشرنا إليها آنفاً، قد تعاني من صراع نفسي، كما أشارت المحللة النفسية هيلين دوتش، من جرّاء توزّعها بين مهمتين تتطلب منها كلّ منهما توظيف طاقة انفعالية كبيرة، وهما الأمومة من جهة، والعمل المهني من جهة أخرى.
ولكنّ الأخطر من ذلك، أنّ التركيبة الاجتماعية من جهة، وتوزيع الأدوار بين الزوجين داخل الأسرة من جهة ثانية، لا يساعدان المرأة البتة على التوفيق بين مختلف المهمات التي تودّ هي حالياً – وينتظر المجتمع منها – الاضطلاع بها معاً.
فالمجتمع يفرض على المرأة نفس شروط العمل التي يفرضها على الرجل من حيث التوقيت، متجاهلاً تعارض هذا التوقيت مع مقتضيات الأمومة، وكأنه يقبلها كعاملة ولكنه يرفض أن يعاملها في ميدان العمل بموجب خصوصيتها كأمّ، مع أنه يطالبها بممارسة هذه الأمومة.
فهو يفرض عليها في كثير من الأحوال أن تكون غائبة عن البيت حين يعود ولدها من المدرسة، وينظر شزراً إلى اضطرارها إلى الغياب عن العمل بسبب مرض أطفالها، أو بسبب ضرورة تفرّغها لهم مؤقتاً ريثما تجد مَن يرعاهم. ثم إنه يفرّق بين عطلتها الأسبوعية وعطلة أولادها بحيث يحرم الأولاد من وجودها إلى جانبهم في يوم عطلتهم المدرسية، في حين يقضي بأن يكونوا في المدرسة عندما تكون هي في إجازة.
هذا بالإضافة إلى عدم توفير المجتمع العدد الكافي من دور الحضانة وروضات الأطفال الجيدة، وذات الأسعار المقبولة، التي من شأنها أن تتعهّد رعاية الأطفال في فترة عمل أمهاتهم.