قصة مبنية من انجيل لوقا 15
ترعرع بين أحضان أبوين محافظين، وحينما بلغ سن الثامنة عشر من عمره؛ نظر إلى نفسه في المرآة فوجد طولاً وعرضاً، مع شارب بدأ يخط أولى ملامحه بين قسمات وجهه؛ فسيطر على نفسه شعوراً بالاستقلالية، وعدم الرغبة في التبعية لأحد؛ حتى ولو كان أبواه!! فطلب من والديه عدم وضع أي قيود عليه في تصرفاته أو حركاته؛ بحجة أنه لم يعد صغيراً بعد اليوم!!
لم يجد والده بداً من الاستسلام لرغباته، مع محاولة الإبقاء على الحد الأدنى من الرعاية؛ لضمان عدم تجاوزه الخطوط الحمراء التي قد يخترقها جهلاً منه أو رغبةً في تجربة كل ما هو محظور!!
ومع محاولات المنع المتكررة من قبل الاب؛ حفاظاً عليه من مخاطر تجاوز تلك الخطوط الحمراء، تولدت لديه الرغبة العارمة في المزيد من التمرد؛ لتحقيق ذلك الاختراق!! حتى تطور الأمر في نهاية المطاف إلى حد تركه المنزل!!
حيينها أضحى فريسة سهلة لأصحاب السوء على اختلاف أنواعهم وأشكالهم، حيث كان منعدم الخبرة بمخاطر وشرور هذه الحياة، كما أن البيئة التي تربى في ظلالها، قد حجبت عن الكثير من ألوان شرورها التي لم يكن يتصور مدى فظاعتها؛ إلا بعدما عاينها بنفسه، فتجرع بسببها ألوان المعاناة التي كلفته خسارة كل شيء!!
نعم . . فلقد خسر كل شيء بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معاني!! حيث أسفرت رحلة ضياعه التي بدأت بالهروب من منزل أسرته؛ عن تردي صحته التي نزفت آخر قطرات ماء حياتها تحت سياط المخدرات، كما أفقدته كامل إدراكه تحت وطأة المعاناة والحيرة بين دروب الشر التي طمست كل آمال المستقبل، وأفقدته الهدف والغاية المرجوة من مثل تلك الحياة البهيمية!!
لقد كان قرار هروبه من أسرته، بمثابة أخطر انزلاقة له على مفترق الطريق في هذه الحياة، وذلك حينما فشل في المفاضلة بين الرضا بالعيش في ظلال توجيهات الأسرة ورعايتها، وبين الرغبة في إطلاق شهواته الحيوانية التي حالت دون استيعابه لمخاطر سبيل الهلاك!!
ومضت به الأيام، حتى انتهى به الأمر إلى أن يصبح مجرد جثة هامدة ملقاة في الطرقات؛ بعدما لفظه أصحاب السوء باعتباره معدوم الفائدة، حتى استلمته الجهات الأمنية ذات يوم لتسليمه لذويه، وبالتحري استطاعوا الوصول إلى محل إقامة أسرته، فوقف والده بجوار تلك الجثة الهامدة يسترجع تلك الآمال والأمنيات العريضة التي طالما حلما بها لفلذة كبده!!
ونظر أبوه إلى هذا الشاب البائس محدثاُ نفسه بدموع الحسرة والأسى قائلاً : ألم أقل لك يا ولدي أني أحبك، وأنني لم أقصد بتوجيهك أي نوع من التضييق عليك، وإنما هو الخوف والحرص عليك لا أكثر؟! فلماذا تركتنا للهموم تنهش منّأ المهج وتدمي الفؤاد حين شردت عنَّا؛ لتلقي بنفسك في هذا الوادي السحيق من التهلكة؟!
أهو فقط لإدراك تلك الشهوات والملذات الرخيصة الدونية؟!
فتح الشاب عينيه، ونظر إلى اباه نظرة، نطقت بجميع عبارات الندم والحسرة والأسى التي تلفظ بها جميع البشر على وجه هذه الحياة، وعلى الرغم من عجزه التام عن التلفظ أو الكلام، إلا أن الغريب قبل القريب كان بوسعه أن يقرأ بين نظرات هذا الوجه الشاحب، والعيون الغائرة عبارة واحدة مفادها : أرجوك ابي أن تسامحاني . . فلقد عانيت بسبب مخالفتي لأمرك كل ألوان الأسى، وهكذا أصبحت . . بعدما ضيعت أمنيتك!! فهل بوسعك العفو عني؟!
مقتبسة من انجيل لوقا 15 عن قصة الابن الضال