القدّيس البارّ كسينوفوندوس مع زوجته ماريّا وولديه أركاديوس ويوحنّا
القدّيس البارّ كسينوفوندوس مع زوجته ماريّا وولديه أركاديوس ويوحنّا (القرن6م):
كسينوفون هو أحد رجال المشيخة المعروفين في مدينة القسطنطينية، أيام الإمبراطور البيزنطي يوستينيانوس الأول (527-565م). زوجته مريّا، امرأة فاضلة، وله ولدان أركاديوس ويوحنا.
نعم الصبيّان بفرص تعليمية جيّدة يسَّرها لهما وضع العائلة. فلما بلغا أرسلهما والدهما لتلقّي العلم القانوني في مدرسة بيروت الشهيرة، في تلك الأيام. ولم يمرّ على ذلك زمان قصير حتى مرض كسينوفون وشارف على الموت، فاستدعى ولديه.
ولكن، وبصورة غير متوقّعة، استعاد كسينوفون عافيته، بنعمة الله، فركب الشابان البحر من جديد طالبين بيروت.
في الطريق، ضربت المركب عاصفة مجنونة فتكسّر. وإذ لم تكن إرادة الله أن يهلك الصبيّان، نجيا، ولكن وُجد كل منهما في موضع لا يدري به أخوه، وظنُّه أن أخاه قضى وهو وحده باق على قيد الحياة. ليس الموضع الذي انكسر فيه المركب ونجا إليه الأخوان محدّداً بدقة. في بعض المراجع إن ذلك حدث في نواحي صور. ولكن ورد عندنا إن الموضع هو رأس الشقعة، مقابل دير النورية، ولعلّ هذا هوالأصح جغرافياً.
أنّى يكن الأمر، فإن أحدهما، يوحنا، ترهّب في أحد أديرة لبنان، فيما انتقل الثاني، أركاديوس، إلى الأرض المقدّسة حاجّاً، وهناك التقى شيخاً قدّيساً له موهبة التبصّر، فاحتضنه وطمأنه إلى أخيه ووالديه ووعده بأنه سيلتقيهم، بنعمة الله، في الوقت المناسب، ثم أخذه ورهبنه في دير القدّيس خاريطون، المدعو سوقا، جنوبي بيت لحم وغربي البحر الميت.
ومرّت سنتان لم يتلقّ كسينوفون خلالهما أية رسالة من ولديه فانشغل باله وأوفد أحد خدّامه يستطلع حالهما.
بلغ الرسول بيروت وسأل عن الشابين فلم يجدهما ولا أخبره أحد عنهما شيئاً فترك إلى أثينة وهو يضرب أخماساً بأسداس. وإذ حدث، بتدبير الله، إن نزل خاناً، التقى أحد الخدّام السابقين للشابين وكان في حلّة رهبانية. فأخبره الراهب بأن المركب غرق وإنه هو صار راهباً ولا يعرف من أمر يوحنا وأركايوس شيئاً. أغلب الظن أنهما هلكا في البحر.
عاد الرسول إلى القسطنطينية وأطلع مريّا على ما اجتمع لديه من معلومات فاضطربت، لكنها أمسكت نفسها لأنها امرأة مؤمنة تعرف أن تلقي حملها على الله. فلما عاد كسينوفون، زوجها، عند المساء وعلم بعودة خادمه طلب أن يرى الرسالة التي لا بد أن يكون قد حملها معه. فانفجرت ماريّا بالبكاء وأخبرته بأن ولديها غرقا في طريق عودتهما إلى بيروت، منذ سنتين. فصمت كسينوفون من هول المفاجأة، ثم تنهّد وقال: "الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركاً!" (أيوب21:1).
في تلك الليلة لبس الزوجان المسوح وأقاما في الصلاة طول الليل. في الصباح الباكر جاءهما حلم رأيا فيه ولديهما واقفين أمام المسيح ورأس كل منهما مزيّناً بالذهب والحجارة الكريمة. على الأثر قرّرا الحجّ إلى الأماكن المقدّسة في فلسطين.
بلغ كسينوفون ومريّا أورشليم فالتقاهما الشيخ القدّيس الذي التزم أركاديوس راهباً، وعرفهما بالروح، فقال لهما عن ابنيهما أنهما ما زالا على قيد الحياة وسوف يلتقيانهما بعد عودتهما من زيارة أديرة الأردن. وإذ لم يفصح الشيخ أكثر من ذلك ترك الأبوين بين مهابة ورجاء.
الشيخ، فيما يبدو، كان معروفاً من الكثيرين. في تلك الأثناء خرج يوحنا من ديره طالباً وجه الأرض المقدّسة حاجّاً، وكذا فعل أركاديوس، فالتقيا في الجلجثة عند الشيخ الذي جاءاه مستبرِكَين مسترشّدَين. ثم بعد يومين عاد كسينوفون ومريّا ورغبا في زيارة الشيخ. فلما وصلا إلى هناك لاحظا شابين، هما اللذان قاما بخدمة المائدة، وكان هذان الشابان لطيفين، هادئين، متماسكين، فلم يعرفاهما لأنهما كانا قد تغيّرا من النسك والسهر وأتعاب الرهبنة. فلما سأل الأبوان عن الشابين من يكونا ومن أين أتيا عرفا أنهما ولداهما فانفجرا فرحاً وشكرا الله جزيلاً على لطفه وتدبيره.
ثم إن الأخوين خرجا، برفقة الشيخ، بعد حين، إلى الصحراء ليتمِّما نذرهما، فيما وزّع الزوجان ثروتهما على الفقراء وترهّبا. وقد أتمّ الأربعة سعيهم رهابين إلى أن تكمّلوا في الفضيلة وانضمّوا إلى معشر القدّيسين.