القديس ثيوفيلاكتُس أسقف نيقوميدية المعترف
القديس ثيوفيلاكتُس أسقف نيقوميدية المعترف (القرن 8 م):
ولد ثيوفيلاكتُس قرابة العام 765م لعائلة متواضعة من العامة. ترك موطنه شابا وذهب للمدينة المتملكة، والذي كان يومذاك مستشارا أمبراطوريا. فلما تبوأ طراسيوس (25 شباط) سدّة البطريركية عام 784، اقتبل ثيوفيلاكتُس الرهبنة في دير أنشأه طراسيوس عند جسر أوكسينوس. أحد رفقائه كان القديس ميخائيل الذي تسقّف، فيما بعد ، على سينادا. تبارى الرفيقان في ساحة الأتعاب النسكية فأجادا. كانا دائمي التأمل في الكلمة الإلهية عاملين على ردّ كل متعة عن نفسيهما وكل إشباع للجسديات. ويُنقل عنهما انهما في نهار صيفي شديد الحرارة انتابتهما رغبة شديدة في شرب الماء، فلكي لا يفسحا لنفسيهما في المجال لتلك الرغبة ان تملك عليهما سكبا الماء على الأرض ولم يسمحا لنفسيهما ان يتناولا منه نقطة واحدة. وقد نجحا، بعون الله، في تخفيف ثقل الجسد لدرجة ان نعمة الله سكنت فيهما بوفرة وامتدت إلى جسديهما جاعلة منهما صورة حيّة للفضيلة. وإذ لم يشأ القديس طراسيوس لهذن القمرين ان يبقيا مغمورين رفعهما إلى سدة الأسقفية، فاختير القديس ميخائيل متروبوليتا لسينادا في فيرجية، والقديس ثيوفيلاكتُس متروبوليتا للمدينة المشهورة نيقوميذية في بيثينيا. لم يكتف ثيوفيلاكتُس كراع ان يبثّ التعليم القويم ويسلك في الوصايا الإنجيلية بين شعبه وحسب بل انخرط في سلسلة من أعمال الإحسان وخدمة الموائد. فلقد أسس في نيقوميذية، نظير القديس باسيليوس الكبير من قبله في قيصرية الكبادوك، مدينة محبّيه، فكان من بين ما عمله بناء بيوت من طبقتين ضمّنها كل ما هو ضروري لاستقبال المرضى والعناية بهم، كما نظم مستشفى ضمّ إليه الأطبائ والممرضين. اهتمّ هذا المجمع بالمرضى من ناحية صحتهم الجسدية والروحية في آن. كما أقام بقربه كنيسة على اسم القدّيسَين قزما ودميانوس الصانعي العجائب العادمي الفضة. كان ثيوفيلاكتُس أبا للأيتام ومحاميا عن الأرامل. انعطف برأفة على حاجات خراف الله الناطقة الموكلة إليه. وعلى مثال القديس طراسيوس، أنشأ ثيوفيلاكتُس سجلات بأسماء المحتاجين في المدينة بقصد توزيع حسنات شهرية عليهم. كل أسبوع، بعد نهاية السهرانة، كان يقدم للمرضى في مستشفياته حماما ساخنا ويتّزر بمنشفة نظير معلمه يسوع فيعبر بينهم ويمسح جراحاتهم. ساس ثيوفيلاكتُس الكنيسة في سلام إلى ان جاء يوم أثار فيه الأمبراطور لاون الخامس الأرمني (813 – 820) الرب من جديد على الأيقونات المقدسة ومكرميها. في أرجاء الأمبراطورية استُعيد جو تحطيم الإيقونات ومطاردة الرهبان وإذلالهم، مما حدا بالبطريرك نيقيفوروس خلال العام 815م إلى جمع العديد من المطارنة ورؤساء الأديرة في القسطنطينية، من بينهم القديسين أفثيميوس سرديس (26 كانون الأول) و أمليانوس سيزيك (8 آب) و يوسف التسالونيكي (14 تموز) وأفدوكسيوس العموري وميخائيل السينادي وثيوفيلاكتُس النيقوميذي. هؤلاء قابلوا الأمبراطور غير خائفين من غضبه عليهم، وكرجل واحد وبصوت واحد عبّروا عن إيمانهم الواحد مبيّنين له الأسس المتينة التي يقوم عليها إكرام الإيقونات المقدسة. هذه الجهود المباركة والجسارة الإلهية اصطدمت بالإرادة السيئة للأمبراطور ولاهوتيي القصر.وبعدما أصغى لاون إلى حجج القديس نيقيفوروس وجماعته غضب عليهم غضبا شديدا وأمر بعزل البطريرك ونفي الجميع. وقد جرى نقل القديس ثيوفيلاكتُس إلى قلعة ستروبيلوس حيث بقي ثلاثين عاما وعانى أسوأ معاملة، لكنه استمر سائسا لرعيّته عن بعد. وسعيا لخلاص شعبه وحفظه من الذئاب الكاسرة وتأكيدا للأرثوذكسية، كانت لثيوفيلاكتُس مراسلات مع العديدين على نطاق واسع. بعض هؤلاء راسلهم حاضا إياهم على نبذ الامتيازات والكرامات التي يسرها لهم محاربو الإيقونات وعلى العودة إلى الإيمان القويم وحمل الصليب. والبعض الآخر شدّدهم ليثبتوا أمناء للإيمان الأرثوذكسي إلى النهاية. القديس ثيودوروس الستوديتي دعاه في إحدى رسائله: "عمرد الحق، قاعدة الأرثوذكسية، حافظ التقوى وسند الكنيسة". ولم ينس ثيوفيلاكتُس حاجات الفقراء والمضنوكين. كل الذين كانوا على صلة به لمسوا نعمة الله الفاعلة فيه فكانوا يتعزّون ويتقوّون.
وإلى ى آلام النفي والغربة، شاء الرب الإله، تكميلا لعبده، ان يفتقده بمرض دام طويلا فكابده دون تذمر شاكرا الله على كل شيء. وبقي كذلك إلى ان أسلم الروح قرابة العام 840م. بعد سنوات قليلة من وفاقه وانتصار الأرثوذكسية نقل البطريرك مثوديوس القسطنطيني رفات ثيوفيلاكتُس إلى نيقوميذية وأودعها كنيسة القديسَين قزما ودميانوس.