الأصحاح الثاني عشر تفسير سفر الخروج
الإصحاح الثالث عشر
الآيات (1-8): "وكلم الرب موسى قائلًا. قدس لي كل بكر كل فاتح رحم من بني إسرائيل من الناس ومن البهائم انه لي. وقال موسى للشعب اذكروا هذا اليوم الذي فيه خرجتم من مصر من بيت العبودية فانه بيد قوية أخرجكم الرب من هنا ولا يؤكل خمير. اليوم انتم خارجون في شهر أبيب. ويكون متى أدخلك الرب ارض الكنعانيين والحثيين والأموريين والحويين واليبوسيين التي حلف لآبائك أن يعطيك أرضًا تفيض لبنًا وعسلًا انك تصنع هذه الخدمة في هذا الشهر. سبعة أيام تآكل فطيرًا وفي اليوم السابع عيد للرب. فطير يؤكل السبعة الأيام ولا يرى عندك مختمر ولا يرى عندك خمير في جميع تخومك. وتخبر ابنك في ذلك اليوم قائلًا من اجل ما صنع إلى الرب حين أخرجني من مصر. ويكون لك علامة على يدك وتذكارًا بين عينيك لكي تكون شريعة الرب في فمك لأنه بيد قوية أخرجك الرب من مصر."
حتى يذكر الشعب هذه الليلة طلب الرب ثلاثة أشياء منهم وهي:
1. الفصح.
2. الفطير.
3. تقديس الأبكار (موضوع هذا الإصحاح).
ويبدأ الإصحاح بقوله قدس لي كل بكر (آية2)= وقدس أي إفرز وخصص لله. فقبل العبور لابد من التقديس وإلا سيكون العبور عبورًا من عبودية إلى عبودية أخرى. والبكر هو أثمن وأعز شيء لدى العائلة، وهذا ما يطلبه الله أن نقدم له أثمن شيء عندنا. ونلاحظ أن هذه الوصية هي أول وصية يقدمها موسى ويأمر بها الله بعد الخروج مباشرة. وهي ليست وصية بمقدار ما هي وعد وعطية، فبخروج الشعب من دائرة العبودية والإنطلاق نحو أورشليم العليا (غل26:4) يدخل المؤمن في دائرة ملكية الله، ويصير عضوًا حيًا في هذا الملكوت الإلهي، إذ يقول الله "إنه لي" وتقول النفس وأنا له.. أنا لحبيبي وحبيبي لي.
خطوات التقديس:
1. الفرز: لسنا للعالم فقد إشترانا المسيح (آية2).
2. الإيمان: أذكروا هذا اليوم (آية3) = في الشدائد نذكر عمل الله فيكون لنا إيمان بل يزداد كل يوم.
3. عزل الشر كل أيام الحياة= لا يؤكل خمير (آية6).
4. إتحاد بجسد المسيح ودمه= تصنع هذه الخدمة (آية5).
5. التعليم: وتخبر ابنك (آية8).
ولقد اهتم الرب بموضوع البكور، وطلب البكر من الإنسان والحيوان والنباتات. راجع (لا10:23-14، 26:27-29 + عد19:15-21 + 13:18-20 + 23:19). والمفهوم أنه بتقديم البكر يتقدس الكل وبهذا يحسب أن الكل قد قدم للرب. وكان هذا رمزًا لما صنعه لنا المسيح بكرنا، وبكر كل خليقة ورأسها (كو15:1،18 + رو29:8). فهو تقدم نيابة عنا نحو إخوته الأصاغر مقدمًا حياته للآب ذبيحة طاعة وحب بلا عيب، فإشتمه أبوه الصالح رائحة رضا وسرور، فصارت البشرية المتحدة فيه موضوع سرور الآب ورضاه. وكما فقد رأوبين وعيسو وغيرهم بكوريتهم لينالها من هم أصغر منهم فقد آدم بكوريته للبشرية وصار المسيح آدم الثاني هو بكر البشرية الجديدة، هو القدوس وحده وبلا عيب. تقدم كبكر ثمار البشرية للآب فتقدس فيه كل المؤمنين. والآن فإن الآب قدَّم لنا أثمن ما عنده فهو يطالبنا أن نقدم له أثمن ما عندنا (هو يريد قلبنا المملوء حبًا له) هو يريدنا بالكلية (ولاحظ أننا حين نعطي أنفسنا لله يكون هذا حرية لنا أما لو أعطينا أنفسنا لأي أحد غيره نستعبد).
ونلاحظ ن الله طلب الأبكار فهو الذي أنقذ الأبكار في ليلة الخروج فهو يعتبرهم له. ونحن صرنا في المسيح أبكارًا أعطانا المسيح حياة بعد موت بفدائنا كما أعطى أو أبقى حياة أبكار الشعب في ليلة الخروج وكما طلب الأبكار الذين أبقى حياتهم يطلبنا نحن الذين وهبنا حياته.
وكان البكر يحصل على نصيب إثنين في الميراث (تث17:21) إشارة إلى فيض نعم الله علينا في الميراث الأبدي. وكان بكر الملك يملك مكانه فنحن في المسيح ملك الملوك نكون ملوكًا. ولقد طلب الله بتقديم اللاويين له بعد ذلك عوضًا عن الأبكار بعد أن شرحت وصية تقديس البكر عمل المسيح لنا. إذًا وصية تقديم الأبكار لله كانت مجرد شرح أن الله يريد لنفسه من أنقذهم من الموت. وهذا إشارة لنا نحن الذين أنقذنا الله من الموت فصرنا أبكارًا (عب23:12) أي صرنا له مقدسين أي مخصصين ومكرسين له.
آية (9): "ويكون لك علامة على يدك وتذكارًا بين عينيك لكي تكون شريعة الرب في فمك لأنه بيد قوية أخرجك الرب من مصر."
ويكون لك علامة على يدك وتذكارًا بين عينيك.. في فمك= فهم اليهود هذه الوصية حرفيًا للأسف فكانوا يرتدون عصابات على رؤوسهم وعلى أياديهم (مثل الساعة الآن) وكانت تصنع من جلد على هيئة علبة صغيرة لها سوار جلدي ومكتوب داخلها آيات من الشريعة هي (خر2:13-10 + خر11:13-16 + تث13:11-21 + تث4:6-9)
ولكن كان قصد الله أن تكون الوصية منفذة عمليًا ومطبقة في حياتنا= علامة على يدك وأن تكون وصايا الله وشرائعه موضع لهجنا وحديثنا (مز15:119،16،31..)= في فمك.
(آية 13): "ولكن كل بكر حمار تفديه بشاة وأن لم تفده فتكسر عنقه وكل بكر إنسان من أولادك تفديه."
الحيوانات الطاهرة كانت تقدم منها الذبائح التي تشير للمسيح، أما البهائم غير الطاهرة فتشير للإنسان في حالته الطبيعية، الذي إن لم يفدي بشاة تًكْسَرْ عنقه. ونحن إن لم يكن المسيح قد إفتدانا لكنا قد هلكنا. ولعل الإنسان يتواضع إذ يتساوى هنا بالحيوان غير الطاهر. ولاحظ أن الله يرفض الحيوانات غير الطاهرة فهو لا يريد أبكارها. إنه لا يريدها بل يريد من يفتديها (شاة فداءً عن بكر الحيوان غير الطاهر). وعمليًا فالحمار وسيلة للركوب والنقل وهو حيوان ثمين لدى الفلاح والشاة أرخص منه كثيرًا فكان الفلاح يفضل فداء حماره عن قتله. والحمار هنا إتخذ كعينة لكل الحيوانات غير الطاهرة فهو الشائع استخدامه. وكسر العنق حتى لا تسول لهم نفوسهم أن يأكلوه. وكانت الشاة تعطى للكهنة.
(آية 17): "وكان لما أطلق فرعون الشعب أن الله لم يهدهم في طريق ارض الفلسطينيين مع أنها قريبة لأن الله قال لئلا يندم الشعب إذا رأوا حربًا ويرجعوا إلى مصر."
الله لم يهدهم في طريق ارض الفلسطينيين كان الطريق السهل من مصر إلى فلسطين هو الطريق الذي يمر بالساحل الشمالي لكن الله أرشدهم لطريق آخر، فكان عليهم أن يدوروا بسيناء كلها. وقطعًا لقد تحيَّر الشعب لماذا أتى بهم الله لطريق غير الطريق المعروف؟!
وكان لهذا أسباب عديدة:
1. كان الطريق الرسمي من مصر إلى فلسطين به كثير من الحاميات المصرية بالإضافة إلى أن جيش الفلسطينيين هو جيش قوي. فالله أراد أن يجنبهم الحرب مع المصريين والفلسطينيين فهو يعلم إمكانياتهم وأنهم لا يحتملون مثل هذه الحرب وغير مؤهلين لها. والله لا يدعنا نجرب فوق ما نحتمل (1كو13:10)= قال لئلا يندم الشعب إذ رأوا حربًا ويرجعوا إلى مصر.
1. أراد الله لهم في البرية فترة تنقية من أثار العبودية، هي فترة صقل واختبارات روحية.إذ كيف يدخلون لكنعان بوثنيتهم وروح العبودية فيهم. وهي أرض الله.
2. كان يجب أن تتم كل الرموز، بعبورهم في البحر رمزًا للمعمودية، وهلاك جيش فرعون رمزًا لدينونة إبليس، ورمزًا للهلاك الأبدي للأشرار من أتباعه.
3. كانت فرصة البرية فرصة لهم لنمو إيمانهم (مدرسة للإيمان) يعرفون فيها الله ويختبرون أنه لا يستحيل عليه شيء فهو يعطي المن من السماء والماء من الصخرة.
4. كان لهم تدرج في الحروب، فهم لا يستطيعون الحرب مع الجيوش الكبيرة. لكن بعد أن عبروا البحر وشربوا الماء وأكلوا المن سمح الله لهم بالحرب مع عماليق (تدرج في الحروب).
5. كان الله يخطط لدمار فرعون نهائيًا، وإلا لظل يتبعهم في طريق فلسطين.
6. كان من السهل على الله أن يبيد أمامهم كل جيوش الأعداء ويدخلوا فلسطين بعد أيام قليلة من خروجهم من مصر لكن طبيعة التذمر وضعف الإيمان كان سيبقى داخلهم.
7. كانت انتصاراتهم وعمل الله معهم مصدر رعب لشعوب كنعان (يش9:2،10).
8. لذلك وإن بدت طريق الخروج طريق متخبطة لكنها كانت بحكمة وإرشاد الله.
فكان هناك سحابة تقودهم
(آية 18): "فأدار الله الشعب في طريق برية بحر سوف وصعد بنو إسرائيل متجهزين من ارض مصر."
متجهزين= أي سائرين بنظام دقيق عكس ما يتصوره المرء من أناس هاربين فهم لم يكونوا مشوشين وبلا نظام فإلهنا إله ترتيب.
(آية 19): "واخذ موسى عظام يوسف معه لأنه كان قد استحلف بني إسرائيل بحلف قائلًا أن الله سيفتقدكم فتصعدون عظامي من هنا معكم."
عظام يوسف معه= كأن يوسف أدرك أن شعبه سيخرج من أرض مصر ويستريح في أرض الموعد، فكان يود أن يستريح جسده في أرض كنعان كتعبير عن اشتهائه أن يقوم بجسده النوراني بعد القيامة في كنعان السماوية. وكانت عظام يوسف مع الشعب خلال الرحلة رمزًا للكنيسة التي تحمل ذكرى القديسين الذين سبقوا فرقدوا (السنكسار والمجمع).
(آية 20): "وارتحلوا من سكوت ونزلوا في إيثام في طرف البرية."
إيثام هي المحطة الثالثة (الأولى رعمسيس والثانية سكوت) وإيثام تعنى حد أو تخم. وأول مرة نسمع عن السحابة كانت بعد ذكر إيثام. والسحابة تشير للروح القدس الذي يقود الكنيسة والذي أعطى للكنيسة بعد قيامة المسيح في اليوم الثالث. كما سمعنا عن السحابة بعد المحطة الثالثة. (نفس مفهوم مسيرة الثلاثة أيام).
(آية 21): "وكان الرب يسير أمامهم نهارًا في عمود سحاب ليهديهم في الطريق وليلًا في عمود نار ليضيء لهم لكي يمشوا نهارًا وليلًا."
الله سمح لهم بالتوهان بعيدًا عن الطريق السهل لكنه كان هو قائدهم فكيف يضلون الطريق. وهذه السحابة ظلت معهم حتى كنعان ولم تتركهم حتى في لحظات تمردهم وتذمرهم ومعاني هذه السحابة:-
1. السحاب فيه معاني المطر والخير والتنقية. وتحمل معنى المعمودية (1كو2:10).
2. كانت السحابة تظللهم في النهار فتمنع عنهم حرارة الشمس المحرقة (1كو1:10).
3. عمود النار يحمل معاني التنقية والنور للإرشاد والتطهير (راجع مز39:105، أش5:4).