خلع مرسي لـ البدلة الحمرا ..هل هو تبريد قبل انتخابات الرئاسة أم أتجاه للمصالحة؟!
كشفت ردود أفعال متباينة بشأن لجنة عفو رئاسي وإلغاء أحكام قضائية بإعدام قيادات في جماعة الإخوان المسلمين بمصر عن وجود تيارين مقربين من النظام الحاكم، أحدهما يرفض هذه الإجراءات بشدة، والآخر يؤيدها كخطوة على طريق المصالحة السياسية.
هذه الإجراءات اعتبر خبير في الشأن السياسي، في حديث مع وكالة الأناضول، أنها بداية مصالحة بين نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي وبين جماعة الإخوان؛ لطي صفحة الإطاحةعام 2013 بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا (ينتمي للإخوان)، بينما ذهب خبير سياسي آخر إلى أنها مجرد "تبريد" للمواقف قبل انتخابات الرئاسة، ورأى ثالث أنها تعبر عن "مواقف مرتبكة"، متهما النظام باستخدام الإخوان لتبرير وجوده. وفي ختام مؤتمر للشباب بمنتجع شرم الشيخ (شمال شرق)، حضره السيسي، أعلن الأخير عن تشكيل لجنة عفو رئاسي، برئاسة الشخصية المعارضة، أسامة الغزالي حرب؛ لبحث العفو عن شباب محبوسين، وسط أنباء عن احتمال العفو عن نشطاء سياسيين معارضين ليس من بينهم أي ناشط من جماعة الإخوان المسلمين. انقسام حول العفو وخلال الأيام القليلة الماضية، أظهرت برامج تلفزيونية حوارية وتصريحات صحفية وجود حالة انقسام في صفوف المقربين من النظام الحاكم، بين تيار رافض لعمل لجنة العفو، وبين تيار آخر مؤيد لها داعم لاحتمال المصالحة. تيار الرافضين تزعمه الإعلامي أحمد موسى، المؤيد للسيسي، بقوله في برنامجه على قناة تلفزيونية خاصة، الثلاثاء الماضي، إن "القضاة غاضبون من اللجنة (الخاصة بالعفو)، التي تعني أنه لا فصل بين السلطات، ولا توجد استقلالية للسلطات". وداعيا المصريين إلى التجاوب مع موقفه، أعرب موسى عن رفضه احتمال العفو عن نشطاء معارضين، بينهم أحمد ماهر وعلاء عبد الفتاح وأحمد دومة، وهم يقضون عقوبات بالسجن في قضايا عدة، بعضها متعلق بخرق قانون تنظيم التظاهر الذي يحظر المظاهرات بدون موافقة أمنية.
وخلال اتصال هاتفي مع البرنامج، أعربت عضوة لجنة العفو الرئاسي، نشوى الحوفي، عن رفضها هي الأخرى العفو عن المنتمين لجماعة الإخوان بشكل خاص، متحدثة عن وجود انقسام داخل اللجنة بشأن قرارات العفو. مواقف الحوفي هو أيضا موقف عضو اللجنة، عضو مجلس النواب، طارق الخولي، الذي رفض هو الآخر العفو عن أسماء بعينها. ومعلقا على هذا الرفض، قال رئيس لجنة العفو، أسامة الغزالي حرب، إن تلك التصريحات "غير ملزمة له أو للجنة". وفي منتصف المسافة بين الرفض والتأييد، وقف الإعلامي المؤيد للنظام الحاكم، خالد صلاح، حيث انتقد في برنامجه على قناة تلفزيونية خاصة، الهجوم على لجنة العفو، لكن في الوقت نفسه استنكر اختزال ملف العفو في "أسماء مشاهير معينة لهم ملفات جنائية (يقصد ماهر وعبد الفتاح ودومة والإخوان).
بينما أعرب عمرو أديب، وهو إعلامي مصري مؤيد للسيسي، عن تأييده للجنة العفو، قائلا، في برنامجه على قناة تلفزيونة خاصة، إن "خطوة العفو تحدث عادة بعد الثورات"، مشجعا على العفو عن اسماء بينها ماهر ودومة. حديث أديب لقي تأييدا من الإعلامي يوسف الحسيني، المؤيد للسيسي، حيث أشاد به في برنامجه التلفزيوني وكتب على حسابه على موقع التدوينات القصيرة "تويتر": "عمرو أديب بيقول كلام مثل الفل (جيد جدا)".
ظهور المشير الحديث المتصاعد عن عمل لجنة العفو الرئاسي تزامن مع انتشار مقطع مصور لوزير الدفاع الأسبق، المشير محمد حسين طنطاوي، يرصد حديثه مع مواطنين أثناء مروره بسيارته في ميدان التحرير وسط القاهرة، يوم 11 نوفمبر الجاري. وخلال توقف سيارته لدقائق، قال أحد المواطنين لطنطاوي: "عايزين نعدم الإخوان"، فرد المشير بقوله: إن شاء الله (...) لا نعدم ولا نعمل". وطنطاوي كان رئيس المجلس العسكري، الذي حكم مصر بعد أن أطاحت ثورة 2011 بالرئيس الأسبق، حسني مبارك، وهو الذي سلم الحكم لمحمد مرسي عقب فوزه في العام التالي بأول انتخابات رئاسية بعد هذه الثورة، ثم أقاله مرسي في أغسطس 2012 وعين السيسي بدلا منه. حديث طنطاوي عن إعدام الإخوان جذب انتباه الكثير من الإعلامين، وبينهم الإعلامية المؤيدة للسيسي، لميس الحديدي، حيث بدا انها تنتقده ضمنا على خلفية تصريحه عن الإخوان، حين قالت في برنامجها على قناة تلفزيونية خاصة، السبت الماضي، إن "أي شخص مسؤول أو مسؤول سابق يجب أن يحسب تحركاته.. يجب ألا تكون هناك تحركات تثير غضبا.. صحيح ناس رحبت بها، لكن ناس كثيرة لم تكن ترغب في رؤية المشير طنطاوي في الشارع". بعدها بأيام، وتحديدا يوم الثلاثاء الماضي، ألغت محكمة مصرية أحكاما بالإعدام بحق مرسي و26 آخرين، بينهم مرشد الإخوان، محمد بديع، في القضية المعروفة بإعلاميا بـ"اقتحام السجون" إبان ثورة 25 يناير 2011.
هذا التعاقب بين الحدثين ركز عليه إعلاميون مناهضون للسيسي، ففي برنامجه التلفزيوني الذي يبث من خارج مصر، تساءل الإعلامي المصري المعارض، محمد ناصر: "هل تراجع السيسي بالفعل عن أحكام الإعدام للإخوان بعد تصريحات طنطاوي؟". قبل أن يجيب ناصر أن صديقا له ومتابعين "ربطوا بين تصريحات المشير وإلغاء حكم الإعدام". وعادة ما ترفض وزارة الخارجية المصرية أي انتقاد يوجه للقضاء المصري، مشددة على أنه مستقل ونزيه تماما وبعيد عن السياسة. مصالحة بين السلطة والمعارضة تشكيل لجنة للعفو الرئاسي يقودها أسامة الغزالي حرب، وحديث طنطاوي غير الراغب في إعدام الإخوان، اعتبره سعد الدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماعي السياسي، أنهما "جزء من توجه مستقبلي لإجراء مصالحة بين السلطة والمعارضة".
وبلهجة متفاءلة مضى إبراهيم قائلا، في حديث هاتفي مع وكالة الأناضول، إن "المشير طنطاوي قيادة أبوية يحترمها الجميع لدوره الممتد في خدمة الوطن وتواضعه، وبالتالي يمثل سلطة معنوية كبيرة، وربما يكشف حديثه عن رغبته في عدم إعدام الإخوان عما قد يحدث مستقبلا.. خاصة مع تشكيل السيسي لجنة العفو برئاسة حرب". ظهور تيار من المؤيدين للسيسي يعارض العفو والمصالحة، رأى الخبير السياسي المصري أنه "طبيعي.. هذا التيار المقرب من السلطة ليس هو الوحيد الذي سيعترض على هذا التوجه، لكن هناك قطاعات من المصريين ليست مستعدة نفسيا لتقبل المصالحة، وقد تكون في مرحلة الانفعال لما يفعله بعض الإخوان وعناصر أخرى معارضة". إبراهيم، وهو أحد من طرحوا مبادرات لمصالحة وطنية خلال العامين الماضيين، اعتبر أن "المصالحة ستأتي آجلا أم عاجلا كما قلنا ونقول مرارا، وهو خيار مستقبلي سيحدث بين السلطة والمعارضة، لاسيما الإخوان، وبدأت تظهر علاماته.. وعلى أبناء الجماعة الوطنية أن تجري مصالحات داخله وتتجاوز الخلافات". تبريد للمواقف مقتربا من جانب من طرح ابراهيم، رأى طارق فهمي، أستاذ السياسات العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن "تشكيل لجنة للعفو الرئاسي وتصريحات المشير طنطاوي بشكل عام يمكن أن تعتبر مؤشرات جيدة على احتمال حدوث تغييرات سياسية في المشهد". هذا المشهد، بحسب حديث فهمي مع الأناضول، يتمثل في "مناخ جديد يتشكل مع كل القوي السياسية، بما فيها الإخوان.. وملامحه هي محاولة السيسي لم الشمل تحت مظلة الوطن في ظل أزمات كثيرة تعاني منها مصر، إضافة إلى انتخابات رئاسية مقبلة (بعد أقل من عامين)، وربما يكون فيه السيسي المرشح الأوفر حظا".
وعقب فوزه في انتخابات رئاسية، تولى السيسي الحكم في يونيو 2014، ومن المقرر أن تنتهي ولايته صيف 2018، وأعلن في أغسطس الماضي عن احتمال ترشحه لولاية ثانية إذا أراد المصريون ذلك، على حد قوله. وفي ظل أزمة سياسية واضطرابات أمنية وأوضاع اقتصادية متردية، أظهر استطلاع للرأي أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة- غير حكومي)، تراجع شعبية السيسي بنسبة 14%، أي من 82% قبل إلى 68%، وذلك بحسب نتائج نشرها المركز، في أكتوبر الماضي، بمناسبة مرور 28 شهرا على تولي السيسي الرئاسة. لكن فهمي اعتبر أن السياسة الجديدة المحتملة من جانب السيسي "ليست تعبيرا عن ملامح مصالحة حقيقة بين النظام والإخوان، ولكنها تهدف فقط إلى تبريد المواقف (الراهنة الملتهبة).. وأحد تجليات هذا المشهد هو إلغاء أحكام الإعدام بحق مرسي وآخرين من قيادات الجماعة". فهمي، الذي يتمسك بأن ما يحدث مجرد مؤشرات لا تفيد بوجود توجه نحو تغيير هيكلي في علاقة النظام بالمعارضة، دعا "الإخوان إلى قراءة هذه المؤشرات جيدا، والبدء في مراجعة سياساتها، وبدء اتصال مباشر مع النظام في هذا التوقيت.. فلم يشهد التاريخ جماعة هزمت دولة". وعن موقف بعض المؤيدين للسلطة المعارض لما تبدو محاولات من السيسي للانفتاح على المعارضة، رأى فهمي أن "السيسي يدرك أن هناك تكلفة لابد أن يدفعها مع أي انحياز للوطن، خاصة مع إقدامه على تبريد المواقف وإيجاد مناخ جديد.. ووارد أن يحدث اختلاف وتباين في وجهات النظر".
قبل أن يستدرك، معربا عن اعتقاده بأن "السيسي كان يسمع تحذيرات مماثلة من احتمال حدوث أزمات شعبية مع إقدامه على إصلاحات اقتصادية مؤخرا، بينها تعويم الجنيه (تحرير سعر صرفه مقابل العملات الاخرى) وخفض الدعم (على أسعار الوقود) لكن لم يحدث شيء.. السيسي سيضع هذا في اعتباره لو أقدم على إصلاحات سياسية، خاصة وأن المشهد بلا لاعب سياسي بينما هناك انتخابات رئاسية مهمة مقبلة تحتاج لمشاركة (من جانب المعارضة) وليس تنظيرا من الخارج من محمد البرادعي وعصام حجي". والمصريان البرادعي وحجي معارضان لحكم السيسي، وقبل شهور اقترح الأخير تشكيل مجلس رئاسي لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة. وبشأن حديث المشير طنطاوي عن عدم إعدام الإخوان، قال فهمي إن المشير "خارج السلطة ورمزيته العسكرية يجب ألا توظف في إرسال تصريحات أو رسائل".
مواقف مرتبكة: وبحسب حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، فإن لجنة العفو وحديث المشير طنطاوي وإلغاء أحكام بالإعدام "ليست مؤشرات حقيقية على مصالحة أتمناها؛ فالنظام يتعامل مع السياسية بشكل يومي ولا يمتلك رؤية استيراتيجية، وبالتالي هذه مواقف مرتبكة". نافعة أضاف، في حديث مع الأناضول، أن "النظام لم يقم بالأساس بمصالحة مع رموز ثورة 30 يونيو(حزيران 2013 على مرسي) القربين منه، وجعلهم بين السجن والمنع من الكتابة والظهور والإعلامي والسفر".
وختم بقوله: "أستبعد أن يكون في ذهن النظام المصالحة مع جماعة الإخوان، التي يستخدمها لتبرير وجوده.. أما الهجوم الإعلامي على لجنة العفو فهو مجرد صراح بين أجهزة في الدولة (لم يسمها)".
وكان السيسي وزيرا للدفاع، حين أطاح الجيش المصري، بدعم من قوى سياسية ودينية وشعبية، بالرئيس مرسي يوم 3 يوليو 2013. ومنذ الإطاحة بمرسي، تشهد مصر أزمة سياسية كبيرة، حاولت مبادرات محلية وغربية حلحتها، غير أن البلد منقسم بين طرف مؤيد للإطاحة بمرسي، وآخر يعتبر ما حدث انقلابا مرفوضا. ومن وقت إلى آخر، تشهد شوارع مصرية مظاهرات مناهضة للنظام الحاكم، وإن قلت أعداد المشاركين فيها، في ظل إجراءات أمنية مشددة.