المرحلة الثانية:
ومر بعض الوقت والأخ سمعان في ما يشبه شهر العسل، ثم عاد إليه الجحيم في حلة أخرى.
بدأت النعمة تتناقص فيه فخاف وارتبك. ذهب إلى أب روحي يسأله تفسيراً ونصحاً. فلما عرف الأب الروحي بحاله استغرب أن شاباً، في مثل حداثته، قد بلغ في النعمة قامة كهذه. ومن حيث لا يدري، تسبب الأب في دفع سمعان إلى أكثر التجارب قسوة في المسيرة الروحية: الكبرياء.
لم تعد النعمة تأتي إليه إلا قليلاً ثم تغيب، رغم نسكه وجهاداته الفائقة. حربه مع أفكاره كانت شرسة، لكن نفسه كانت في جحيم، وجحيم الراهب أن تغادره النعمة بعد أن تسكن فيه. صار همه أن يعرف كيف تقتنى النعمة وكيف يحافظ عليها وما هي الأسباب التي من أجلها تغادرنا.
استمر سمعان على هذه الحال خمسة عشر عاماً. وقد خبر برودة القلب وتشتت النفس وثورة الأهواء وبعثرة الأفكار. لم تعرف نفسه يومذاك الثبات.
كل ذلك جعله يضاعف سعيه، حتى إنه لم يعرف النوم إلا ساعة ونصفاً أو ساعتين في اليوم.
أخيراً، استنفذ نفسه من جديد ولم يعد يدري ماذا يفعل. قام مرة ليسجد فألفى الشيطان منتصباً أمامه، فعاد إلى كرسيه الصغير وقال: “قل لي يا رب ماذا افعل؟”. فجاءه صوت يقول له: “احفظ نفسك في الجحيم ولا تيأس”. إن الكبرياء هي جذر كل الخطايا وبذرة الموت، وإن الله تواضع ولا يبلغ إليه إلا في التواضع.