أغثني في عدم إيماني
في الأحد الرابع من الصوم تقيم الكنيسة المقدسة ذكرى ناسك عظيم كان رئيسا لدير طور سيناء وألّف كتابا ذاع صيته في المسيحية الا وهو كتاب “سُلّم الفضائل”، يصوّر فيه حياة الراهب أصلا وحياة المؤمن بصورة عامة. في الكتاب يتسلّق المؤمن سُلّمًا، ودرجات السُلّم هي الفضائل يسمو بها من درجة إلى درجة إلى قمّة السُلّم، وهذا بعد صراع مرير.
وفيما نحن مدركون آخر الصيام أرادت الكنيسة أن تضع أمامنا هذه السُلّم لكي نصعد عليها ونحن ننظر إلى قمّة الحياة التي جاءتنا بالفداء، إذ ان إنجيل اليوم ينتهي بإعلان السيّد لتلاميذه أنه صاعد إلى أورشليم. طبعا الرب قد وصل إلى نهاية السُلّم ولم يسقُط، والسُلّم كانت بالنسبة له الصليب الذي ارتفع منه إلى أعلى السموات. على هذا الدرب تريدنا الكنيسة أن نسلُك، ولذا أَخذت من الإنجيل حادثة الشاب المصاب بداء الصرع وكان يسقط ويزبد ويقع في نوبات مرض الفترة تلو الفترة. ونرى السيد يُمسك بيده ويُنهضه، وكأنه بذلك يجعله معه على الصليب وفي القيامة.
لمّا طلب والد الشاب من يسوع أن يَشفي ابنه قال له يسوع: “إن استطعتَ أن تؤمن فكل شيء مستطاع للمؤمن”. عند ذاك يعترف الوالد بأنه ضعيف الإيمان ويترّجى أن يزيد السيد ثقته به: “إني أُومن يا رب فأَعِنْ قلّة إيماني”. ماذا يعني هذا لنا اليوم؟
الإيمان مُعرّض للضعف لأن الانسان تتجاذبه أهواء الدنيا المعشّشة فيه كما كان الشيطان مستقرّا في جسد الولد المصروع. لذلك ينبغي أن يطهر الانسان كي يبقي على الإيمان. قضية الإيمان ليست قضية تصديق عقليّ. ليست أن نسلّم بأن الله موجود وأنه مصدر الكائنات. الشياطين كلها تُسلّم بوجود الله ولكنها تُحاربه بآن. كيف نتحوّل من أناس يُصدّقون بوجود الله إلى أناس إلهيين يكونون قيثارات للروح، هياكل متحرّكة، سماء للآخرين؟ يتم هذا اذا تسلّقنا السُلّم التي تحدّثَ عنها يوحنا رئيس دير طُور سيناء. كيف نتسلّق السُلّم لنصل إلى فوق؟ كيف نتحوّل من أناس بُكْم إلى بشر فُصحاء بشهادتهم الحيّة؟ الجواب ايضا في هذا الفصل الإنجيلي: “هذا الشيطان لا يخرُج الا بالصلاة والصوم”. هذان هما الركنان اللذان نعتمدهما في الحياة المسيحية لكي نصل إلى الكمال.
الصلاة والصوم بمعناهما العميق هما افتقار إلى الله. المُصلّي هو إنسان جثا أمام ربّه ليقول انه لا شيء وأنه بحاجة إلى كل شيء من الله لكي يوجد. الإنسان لا يوجد دون صلاة. والصوم في معانيه البليغة يعني أننا ننتظر من الله كل شيء، كل عطاء، كل نعمة، كل فضل.
الصلاة والصوم يعنيان في آخر المطاف أننا سلكنا في تواضُع أمام الله، لذلك فإنهما يحفظان الإيمان. ولذلك إن اعتبرنا أننا ذوو وجود وجاه وعظمة فليس لله مكانة في النفس. ولكن إن أَحسسنا عميقا، وكل منا في غرفته، بأننا بالكلية لا شيء، دودة الأرض وتراب ورماد، إن صدّقنا بأننا كالهباء الذي تُذرّيه الريح، إن قادتنا رياضات الصلاة إلى هذا الشعور، فعند ذاك يأتي الله إلى فراغنا ويملأه بنعمة من عنده ويعطينا كل وجود. وعند ذاك إذا تكلّمنا، فلسنا نحن المتكلّمين ولكن روح أبينا هو الذي يتكلّم فينا. عند ذاك نرتفع إلى ذروة السُلّم ونرفع معنا العالم إلى الملكوت الباقي.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)