الكنيسة: طبيعتها ومهمتها
الفكر الجامع:
يتعذَّر علينا أن نبدأ بإعطاء تحديد رسمي للكنيسة، لأنه لا يقدر أيّ تحديد أن يدَّعي السلطان العقيدي، ولأنه لا يوحد أيّ تحديد عند آباء الكنيسة وفي مقرارات المجامع المسكونية. وفي الملخصات العقيدية التي وُضعت أحياناً في الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية وعلى الأخص في القرن السابع عشر، والتي تُنعت خطأ “بكتب اللاهوت الدستوري” لا نجد أي تحديد للكنيسة، باستثناء الاستشهاد بعبارة دستور الإيمان التي تتعلَّق بالكنيسة وإضافة بعض التفاسير بعبارة دستور الإيمان التي تتعلَّق بالكنيسة وإضافة بعض التفاسير إليها. لكنَّ قلة التحديدات الرسمية لا تشير إلى تشويش في الأفكار أو غموض في الآراء. فآباء الكنيسة لم يهتموا كثيراُ بعقيدة الكنيسة، لأن حقيقتها المجيدة كانت ظاهرة أمام رؤيتهم الروحانية. إن المرء لا يحدِّد ما هو واضح في ذاته، مما يفسِّر غياب فصل خاص بالكنيسة في كلّ العروض الأولى للعقيدة المسيحية، عند أوريجنس والقديس غريغوريوس النيصصي حتى عند القديس يوحنا الدمشقي. يعتقد عدد من الباحثين المعاصرين الأرثوذكسيين والكاثوليك أن الكنيسة نفسها لم تحدِّد طبيعتها وجوهرها. فروبرت جروش يقول: “إن الكنيسة نفسها لم تحدِّد حتى اليوم طبيعتها” . ويرى بعض اللاهوتيين أكثر من ذلك فيدَّعي إمكانية وجود أي تحديد لها. فلاهوت الكنيسة مازال في الصيرورة (im Werden) والتكوّن
واليوم يبدو أنه على المرء أن يتجاوز النزاع اللاهوتي المعاصر، لكي يبلغ ثانية المنظور التاريخي الواسع، ولكي يستعيد “الفكر الجامع” الحقيقي الذي يحوي خبرة الكنيسة التاريخية في محجتها خلال العصور. وعليه أن يعود من غرفة الصف إلى الكنيسة المصلِّية وأن يستبدل، على الأقل، لغة اللاهوت المدرسية بلغة الكتاب التصويرية والمجازية. فلعلّه يقدر أن يصف طبيعتها وأن يصوِّرها أكثر من أن يحدِّدها فعلياً. فهو يقدر أن يفعل هذا من داخل الكنيسة فقط. ولعلّ هذا الوصف مقنع لابناء الكنيسة فقط. فالسرّ لا تدركه إلاَّ بالإيمان.