من الأخطاء التي يقع فيها بعض رجال الكهنوت:العنف. فيتعامل الكاهن مع رعيته بعنف.وقد يكون عنفا جسديا مثل الضرب والإهانة,إذ توجد قلة ضئيلة تتصرف هكذا.أو يكون عنفا في طريقة الكلام, إذ يستخدم ألفاظا شديدة أو قاسية. وقد يلبس عنفه ثوبا من التدقيق الشديد هو في حقيقته عنف.كما كان يحدث مع الكتبة والفريسيين الذين كانوا يحزمون أحمالا ثقيلة عسرة الحمل,ويضعونها علي أكتاف الناس.وهم لا يريدون أن يحركوها بأصبعهم (مت23:4). ولكن لأن الكاهن لايريد أن يوصف بالعنف,لذلك يصف عنفه بأنه دفاع عن الحق, أو دفاع عن القيم,أو لون من التدقيق! وهو في عنفه يخسر الكثيرين ممن يتصرف معهم هكذا. إن السيد المسيح لم يكن عنيفا, بل كان يتعامل بلطف.
* لم يكن عنيفا في قيادته المرأة السامرية إلي التوبة,بل استدرجها إلي الاعتراف في لطف,بقوله لها حسنا قلت ليس لي زوج....هذا قلت بالصدق (يو 4:17,18).وآمنت به المرأة وتابت.
* ولم يكن عنيفا في تعامله مع نيقوديموس,الذي جاء إليه ليلا خوفا من اليهود( يو 3:2,1) فلم يوبخه علي خوفه.
* ولم يكن السيد المسيح عنيفا مع تلاميذه ,الذين لم يقدروا أن يسهروا معه ساعة واحدة في بستان جثسيماني,بل قال لهم في لطف أما الروح فنشيط, وأما الجسد فضعيف .ناموا الآن واستريحوا (مت 26:45,41)
* ولم يكن عنيفا مع تلميذه توما الذي شك في قيامته,بل أظهر له جروحه وقال له لا تكن غير مؤمن بل مؤمنا (يو20:27).
* ولم يكن عنيفا في توبيخه لتلميذه بطرس الذي أنكره ثلاث مرات بل قال له في لطف ياسمعان بن يونا,أتحبني أكثر من هؤلاء؟...ارع غنمي .ارع خرافي (يو21:15 ـــ17).
* أيضا قيل عن السيد في لطفه وعدم عنفه,إنه:
لايخاصم ولا يصيح,ولا يسمع أحد في الشوارع صوته.قصبة مرضوضة لا يقصف, وفتيلة مدخنة لا يطفئ(مت 12:20,19).
وللأسف ,ماأكثر رجال الكهنوت الذين يقصفون القصبة المرضوضة, ولا يبالون بالفتيلة المدخنة بل يطفئونها! ويعللون ذلك بالغيرة المقدسة والدفاع عن وصية الله! الغيرة حسنة ,ولكن أسلوب التنفيذ هنا خاطئ..
إن العنف منفر. لذلك فالكتاب يدعو إلي اللطف.
وهكذا يقول الكتاب كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض .شفوقين متسامحين, كما سامحكم الله أيضا في المسيح(أف4:32) وقد وضع اللطف ضمن ثمار الروح (غل 5:23)
وقد وصف الله ــ تبارك اسمه ـــ باللطف.
فقال الرسول ولكن حين ظهر لطف الله مخلصنا وإحسانه,لا بأعمال في بر عملناها, بل بمقتضي رحمته خلصنا.. (تي 3:5,4) ,وقال أيضا أم تستهين بغني لطفه وطول أناته؟! غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلي التوبة (رو 2:4) ولم يلجأ الله إلي الشدة إلا بعد أن تستوفي كل وسائل اللطف والهدوء.
واللطف وعدم العنف يدخلان في فضيلتي الوداعة والتواضع.
فمن هو وديع ومتواضع لا يكون عنيفا.
فالكاهن الذي يطرد بنتا من التناول ,بسبب روج علي شفتيها هو عنيف في تصرفه,مهما اعتذر بكرامة الأسرار المقدسة.حقا إن الأسرار لها قدسيتها. ولكن وسيلة المحافظة علي قدسيتها لا تكون عنيفة.
ربما يسمي الكاهن تصرفه حزما وحسما.ولكنه عنف.
وفي هذا المجال ,أود أن أشير إلي قول الرسول:
أيها الأخوة إن انسيق إنسان فأخذ في زلة, فاصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة.ناظرا إلي نفسك لئلا تجرب أنت أيضا. احملوا بعضكم أثقال بعض(غل 6:2,1)
هذا هو بولس الرسول الذي قال لتلميذه تيموثاوس الأسقف: وبخ انتهر عظ ,بكل أناة وتعليم (2تي 4:2) .ويذكر البعض الجزء الأول من هذه الآية,وينسون عبارة بكل أناة وتعليم .وينسون كيف قال الرسول لشيوخ أفسس ثلاث سنين ليلا ونهارا لم أفتر أن أنذر بدموع كل واحد ( أع 20:31)..إنه ينذر بدموع لا بعنف.
هنا ولابد أن ألفت أنظاركم المقدسة إلي عبارة قد يحتج بها بعض العنفاء وهي أن السيد المسيح كان شديدا في قوله:
الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون.القادة العميان(مت23).
ونجيب بأنه سلك بكل لطف مع الكتبة والفريسيين,في إقناعهم بالحق وفي احتمال إهاناتهم واتهاماتهم,ولكنه أخيرا قال لهم في الأسبوع الأخيرالويل لكم كما وبخ كهنة اليهود وشبههم بالكرامين الأردياء(مت 21) ووبخ أيضا الصدوقيين وقال لهم تضلون إذ لا تعرفون الكتب (مت 22:29).فلماذا تصرف هكذا؟
كان ذلك في الأسبوع الأخير. وقد أراد الرب أن يخلص المؤمنين به من هذه القيادات اليهودية قبل أن يؤسس الكنيسة بقياداتها الجديدة.
فعل ذلك بعد سنوات من الحوار الهادئ ,واللطف والهدوء مع تلك القيادات التي أرادت أن تحطم رسالته,والتي قالت عنه إنه ببعلزبول يخرج الشياطين(مت 12:24)وأنه خاطئ وكاسر للسبت( يو 9:24,16),بل قالوا له بك شيطان (يو 7:20) ألسنا نقول حسنا إنك سامري وبك شيطان ( يو 8:48)..كان يلزم إذن اتخاذ موقف حازم ضدهم بكشفهم....
من المفروض أن يبعد الكاهن عن العنف حتي لا يعثر الكنيسة
الشخص العادي إذا كان عنيفا ,يسئ إلي نفسه .أما الكاهن إذا سلك بعنف, فإنه يسئ إلي الكنيسة,وربما إلي الأرثوذكسية أيضا. وبهذا قد يشتت الشعب بعيدا عن الكنيسة. وربما ما يجمعه الخدام والمفتقدون بجهود كثيرة, يضعيه أحد الكهنة في ثورة غضبه وعنفه.
وإن قال إنه يصحح خطأ,فيجب أن يكون ذلك بغير عنف.
يجب البعد عن العنف في معاملة الجميع,وبخاصة الأطفال الذين يحبون أن ينظروا إلي الأب الكاهن بتقديس ممثلا للأبوة الحانية,وأيضا في معاملة الطبقات الفقيرة والمحتاجة...الذين كثيرا ما ينتهرهم الآباء أو العاملون في الخدمة الإجماعية.فيظنون فيهم الظنون كمحتالين وأدعياء,ويعاملونهم بقسوة...إن العنف يعثرهم من الكنيسة والعاملين فيها ,في وقت يلتمسون فيه العطف والحب...
إن العنف مع الضعفاء ,الذين لا يستطيعون أن يردوا بالمثل,أو ليست لهم جرأة علي ذلك هو عنف مسئوليته أكثر...
الرغبة في التسلط
كثيرون يرون أن الكهنوت لون من السلطان .فيحبون أن يتسلطوا.
والرغبة في التسلط هي فروع من الشعور بالذات فيري أن له مركزا وسلطانا وحقوقا.ويفرض هذا الأمر علي الشعب أو علي الخدام,أو حتي علي زميله في الخدمة!
وباستخدام السلطة تكثر أوامره ونواهيه,وتكثر قراراته وعقوباته وحروماته وتهديداته. وفي كل ذلك يفقد روح الأبوة. ويتحول إلي حاكم وإلي رجل إدارة.
وفي التسلط يطلب الكاهن الهيمنة علي كل أنشطة الكنيسة.
ليس مجرد الإشراف ,بل الانفراد بالسلطة فيدير هو كل شئ. ويشل حركة العاملين, فلا يقوم أحدهم بعمل أي شئ إلا بأمر أو بإذن منه.
يصطدم مثلا بخدام التربية الكنسية, أو بأعضاء مجلس الكنيسة.ويستمر الاصطدام وتكون النتيجة:
*أما حالة انقسام تنتقل إلي الشعب أيضا.
* وإما أن يخضعهم لرأيه ,وافقوا أو لم يوافقوا.
* وإما أن يسأم بعضهم هذا الصراع ,ويتركوا الخدمة حرصا علي سلامة قلوبهم فيخلو الجو له ليباشر سلطته.
* وإما أن يعزل الخدام (غير الخاضعين له) ولا يبقي سوي الطائعين,ويعين خداما آخرين يسيرهم بالريموت كنترول..!
أما إن كانت نتيجة السلطة اصطدامه مع زميله في الكهنوت.
فإن الأمر يتحول إلي عثرة خطيرة بين الشعب.فينقم البعض مع بولس,والآخر مع أبولس 1كو3 ويكون ذلك إن انفرد أحدهما بالسلطة, وصار يفعل ما يشاء دون استشارة زميله,ويكون له مجموعة تؤيده وتنفذ له مايريد. ويشكو الآخر إلي الشعب, وتتسع دائرة الانقسام.وتتحول إلي خصومة..
وتنتقل الخصومة إلي البيوت من خلال الافتقاد والزيارات!
ويحكي أنه يريد أن يعمل,وزميله واقف ضده.ويحتار الشعب من من الأبوين هو الظالم ومن المظلوم.وبدلا من أن يكون الكهنة هم الذين يحلون مشاكل الشعب,يتطوع الشعب لحل مشاكل الكهنة! ويكثر الجدل والضجيج والتحزب.
ونتيجة التسلط قد يتحول الكاهن إلي العناد وتصلب الرأي.
وبخاصة إذا كان له اتجاه معين في الخدمة,ولم يوافق عليه البعض,وناقشوه فيه.ولم يقبل النقاش,وأصر علي رأيه.ثم بدأ يهاجم كل هؤلاء.كيف يعارضونأبونا؟!كيف يقفون ضد الكهنوت؟!كيف يقفون ضد الكنيسة؟!وهم لم يقفوا ضد الكهنوت ولاضد الكنيسة.لكن لهم فكرهم يعرضونه.وقد يكون هو الفكر الأصح!ولكن الأب الكاهن يتشبث برأيه.ولايتنازل عنه ولا عن جزء منه,شاعرا أن ذلك ضد كرامته!
الكاهن المتسلط لايحترم عقليات الآخرين ولايحترم إرادتهم.
بل لا يفترض لهم وجودا سوي منفذين لما يطلبه منهم.وما أسهل أن يستخدم عبارةعلي أبناء الطاعة تحل البركةوالطاعة في مفهومه تعني أنهم لايفكرون ولايبادلونه الرأي.
إن الكاهن له أن يرشد,وليس له أن يتسلط.
وفي إرشاده يدلي بنصيحته,ويعمل علي إقناع الغير بها.وفي الإقناع يقبل الرأي الآخر بصدر واسع.وإن كان سليما يقبله.ولا يرغم الناس علي قبول أمر,هم غير مقتنعين به...
وإلا فإنه سيرغم الناس علي الابتعاد عنه.
فينفرون من الكنيسة.ويأخذون موقفا سلبيا.إذ يحضرون لمجرد الاشتراك في الصلاة فقط.دون الاشتراك في أي عمل يفقدون فيه فكرهم وإرادتهم.وبهذا يفقد الكاهن العقول النيرة,ولا يحيط نفسه إلا بالطائعين أو المتملقين...
وهنا يفقد الكاهن وضعه كأب,ويصير مجرد رئيس عنيف.
يستبدل الأبوة بالسلطة.والله لم يمنع الآباء من أن تكون لهم سلطة.ولكنه إلي جوار عبارةاطيعوا والديكم في الربأف6:1,قال أيضاأيها الآباء لاتغيظوا أولادكم لئلا يفشلواأف6:4.وعبارةاطيعوا في الربتعني في ما يوافق مشيئة الله الصالحة, وليس مجرد مشيئة الكاهن.
أحيانا إذا لم يستطع الكاهن أن يصل إلي الإقناع,فإنه يصل إلي العنف والنرفزة لكي ينفذ سلطته.
وهكذا يضيف إلي خطأ التسلط أخطاء أخري كثيرة.وربما يشتمل العنف علي مجموعة من النقائض,لاتتفق مع ماينتظره الناس من مثالية تليق بالكهنوت...
إن الله لم يمنح رجال الكهنوت سلطة يتعالون بها علي الناس.إنما السلطة مجرد أداة للقيام بالمسئولية,تستخدم بضوابط روحية,بحيث لاتصير أداة للكرامة والرفعة.
إن السلطة هي ضغط من الخارج.أما الإقناع فيسبب استجابة من الداخل.ولذلك فهو أكثر صلاحية من السلطة.
الكاهن الذي يقنعك,فتطيعه بقلب مستريح,يقودك إلي احترامه واحترام أسلوبه الرعوي.أما الذي يجبرك-بالسلطة-علي طاعته.فقد تطيعه وأنت متذمر في داخلك, شاعرا أنك مغلوب علي أمرك...!
أتذكر أنه في التعهد الذي وضعناه للأسقف والكاهن,قلنا فيهولا آمرهم فوق ما يستطيعون.
الكاهن المتسلط يجب أن يكون الأول في السلطة.وأسوأ من ذلك من يري أن يكون هو الوحيد.