مريم المصرية
السقوط حدث مستمرّ في حياة البشر. هو خروج الإنسان من ذاته الّتي خُلق عليها، هو تخلٍّ عن صورة الله الّتي فينا.
كلّنا دخلنا، وندخل باستمرار، في هذا الحدث الأنطولوجيّ في حياة الإنسان الأوّل. منّا من ينزلون إلى عمق الأعماق في انحدارهم الكيانيّ الوجوديّ، تغرُّبًا عن حقيقتهم الإلهيّة المزروعة في كلّ خلايا وجود الإنسان المنظورة منها وغير المنظورة.
جوهر سقوطنا هو الأنا (Ego). منه تتفرّع الإنشقاقات في شخصيّة الإنسان، مع أنّه قد يظهر أنّ الأنا يجمع الإنسان؛ هذا في الظّاهر لأنّ الأنانيّ يرُدُّ كلّ شيء إلى ذاته، أي أنّه يريده لذاته وفي ذاته.
مريم المصريّة، منذ طفوليّتها، سَلَبَها الأنا جرّاء ما تلقّته من تأكيد لوجودها عبر جسدها وجمالها من محيطها. بُثَّ فيها روح حبّ اللذة من خلال اعتيادها على تأكيد وجودها بحُسنها. لذلك، لمّا سنحت لها الفرصة تحرَّرت، برأيها، من قيود الأهل والمجتمع لتلحق هواها… هي، بالحقيقة، استُعبِدت في قلبها
للشهوة… والقلب هو من يقود الإنسان وليس العقل كما يظنُّ الكثيرون…
القلب في الإنسان هو المجهول الكبير وهو الربّان الخفيّ لحياته. أيها الإنسان أنت تجهل نفسك… إعرف نفسك لتعرف الله ولتتحرَّر…
كلّنا، في موقف من المواقف، كمريم المصريّة مسلوبُو الإرادة للشرّ أو، بالأحرى، مُفَعِّلون الإرادة باتّجاه الشّهوة والأنا.
الأمثولة الّتي نتعلّمها من مريم هذه هي أنّ الأنا يُدمِّر صاحبه؛ وكلّما استغرق الإنسان في هوًى من الأهواء كلّما خسر ذاته وزادت الهوّة بين حقيقته الداخليّة العميقة الّتي هي صورة الله فيه وبين حقيقته الخارجيّة الّتي هي حياته في عبوديّة الأنا.
فلنتب سريعًا لأنّنا غير قادرين، على الأرجح، أن نتخلّى، كمريم المصريّة، عن كلّ شيء لنربح حياتنا…