رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إثبات عجز الإنسان عن تخليص نفسه
الهدف الثاني من الناموس هو أن يرى الناس أنهم غير قادرين على جعل أنفسهم أبراراً بمجهوداتهم الشخصية. فهناك ميل طبيعي في كل إنسان إلى الإستقلال عن نعمة الله ورحمته. هذه الرغبة بالإستقلال عن الله هي دليل على طبيعة الإنسان الخاطئة وهي نتيجة لتلك الطبيعة في الوقت نفسه. رغم ذلك لا يرى معظم الناس هذه الرغبة كما هي فعلاً، فما أن يوبَّخ الإنسان بسبب حالته الخاطئة، حتى يبدأ بالسعي لإيجاد الوسائل التي يستطيع أن يشفي نفسه بها، صانعاً برّه الشخصي بمجهوداته الشخصية من دون الإعتماد على نعمة الله ورحمته. وهذا ما جعل النواميس والأنظمة الدينية تصبح ملاذاً قوياً للبشر عبر الأجيال. فقد سعى البشر بغض النظر عن جنسياتهم وخلفياتهم إلى إسكات الصوت الداخلي في ضمائرهم عن طريق ممارسة مثل هذه الشرائع والنواميس صانعين برّهم الذاتي بمجهودهم الشخصي. هذا هو تماماً ما عمله الكثيرون من اليهود المتدينين كردّ فعل على ناموس موسى. ويصف بولس محاولة إسرائيل لتأسيس برّهم الذاتي فيقول لأنهم إذ كانوا يجهلون برّ الله ويطلبون أن يثبتوا برّ انفسهم لم يُخضعوا لبرّ الله . رومية 10\3 وبسبب محاولتهم هذه فشلوا في الخضوع لله ولطريقته في منح البرّ، كان الكبرياء الروحي هو السبب الرئيسي لفشلهم، إذ أنهم رفضوا الخضوع لله ورغبوا بالإستقلال عن نعمته ورحمته يصف بولس التجربة التي خاضها مع نفسه في يوم من الأيام، حينما كان يكافح من أجل تحقيق البرّ في حياته من خلال حفظ الناموس. إنها تجربة كل من يتحلّى بالصدق مع نفسه، فيضطر إلى الإعتراف بعجزه عن جعل نفسه باراً من خلال حفظه لبعض الشرائع الدينية والأخلاقية. يقول بولس في رومية 7/18-23 فإني أعلم أنه ليس ساكن فيّ، أي في جسدي، شيء صالح. لأن الإرادة حاضرة عندي وأماً أن أفعل الحسنى فلست أجد. لأنني لست أفعل الصالح الذي أريده بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل. فإن كنت ما لست أريده إياه أفعل فلست أفعله أنا بل الخطية الساكنة فيّ. إذ أجد الناموس لي حينما أريد أن أفعل الحسنى أن الشرّ حاضر عندي. فإني أسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن، ولكني أرى ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي يتحدث بولس هنا كمن يعترف برغبته في أن يعيش بحسب الناموس، ويقرّ بحاجته إلى البرّ الذي يتوقع الحصول عليه بحفظ الوصايا، لكنه كلما كافح أكثر لتطبيق هذه الوصايا كلما أدرك وجود ناموس آخر وقوة أخرى في طبيعته الجسدية تحارب ناموس الله باستمرار، وتحبط أقوى مجهوداته للتمتّع بالبرّ بواسطة حفط الناموس ويعبّر بولس عن محور هذا الصراع الداخلي في عدد 21 قائلا إذ أجد الناموس لي حينما أريد ان أفعل الحسنى أن الشر حاضر عندي وفي ترجمة أخرى وهكذا أجد أني في حكم هذه الشريعة، وهي أني أريد أن أعمل الخير ولكن الشر هو الذي بإمكاني وهذا تناقض ظاهري إلا أن التجربة الإنسانية أثبتت صحته. فالإنسان لا يعرف كم هو سيّء إلا عندما يحاول أن يكون صالحاً، وفي كل محاولة للعيش بطريقة صالحة، يرى الإنسان بوضوح أكثر عجز وفساد ومرض طبيعته الجسدية، ويكتشف أن كل جهوده التي بذلها وكل نياته الحسنة التي أضمرها بلا فائدة على الإطلاق. فالهدف الثاني من الناموس هو أن يعرف البشر أنهم ليسوا خطاة فحسب لكنهم عاجزين كلياً عن تخليص أنفسهم من الخطية أو تبرير أنفسهم بمجهوداتهم الشخصية |
|