ليلة القبض على فاطمة ناعوت

[Mary Naeem]

فيليب فكري يكتب ..ليلة القبض على فاطمة ناعوت




بعد تأييد أو تأكيد الحكم على فاطمة ناعوت، ذهبت قوة من الشرطة لمداهمة بيت المتهمة والقبض عليها لتنفيذ الحكم باقتيادها إلى محبسها لقضاء ثلاث سنوات بتهمة ازدراء الأديان.

كانت القوة مجهزة بتكثيف الأعداد من الجنود والأمن المركزي والمعدات والأسلحة والسيارات.. حيث كان الضابط المكلف بالقبض على فاطمة على علم بأنها تنال من الشهرة قدرًا ما، فطلب تزويد القوة وتكثيفها تحسبًا لمواجهة أي عنف منها أو من أنصارها نظرا لخطورة الموقف.. وكان جهاز الشرطة قد اختار السيد العميد بعناية من قوات تنفيذ الأحكام لما له من خبرة كافية في التعامل مع الخارجين على القانون، خاصة الخطرين منهم، وهو أيضا المكلف من قبل الوزارة بتأمين منزل محمد الظواهري المفرج عنه، لضمان عدم التعرض له.
تم مداهمة منزل السيدة ناعوت من قبل قوات الشرطة بقيادة السيد العميد، بعد وضع خطة محكمة للسيطرة على المداخل والمخارج للمنزل، مع وضع أكمنة مناسبة تمنكنهم من مواجهة أي هجوم محتمل من المتهمة وأنصارها.
الهدوء يسكن المكان.. إلا من أصوات زقزقة عصافير تأتي من اتجاه شرفة المنزل.. ربما هي خطة للهجوم على الشرطة، أو وسيلة مبتكرة للهرب.. انتشرت القوات بحرص حول منزل المتهمة.. مازال السكون يخيم على المكان، حتى قطعه صوت السيد العميد من مكبر الصوت بالجملة الدرامية الشهيرة: "المكان كله محاصر.. على السيدة فاطمة تسليم نفسها.. فاطمة ناعوت.. سلمي نفسك.. مفيش فايدة من الهرب"، ثم إطلاق عدة رصاصات في الهواء، أعقبها صرخة من العميد للقوات بسرعة الهجوم على المنزل وتفتيشه.
تم كسر الباب.. انتشرت القوات في أرجاء المنزل.. هناك ثمة ضوء يأتي من حجرة المكتب.. ها هي فاطمة تتكئ على مكتبها لتكتب آخر مقالاتها قبل رحيلها إلى السجن، غير عابئة بما يحدث، فعالمها الخاص لا يصغي لمثل هذا الضجيج الذي لا يمنعها من الإنصات إلى تغريدات عصافيرها.. وها هي "ليزا" تلهو مع "فيكي" غير عابئان أيضًا بضجيج الخارج، مع التزامهم التام لتعليمات صديقتهما فاطمة بالهدوء أثناء انغماسها في الكتابة.. لم تلتفت فاطمة لهؤلاء المتطفلين الذين أقتحموا منزلها.. لازالت منهمكة في كتابة مقالها الآخير، حتى انتهت منه لتنظر أمامها مصوبة قلمها الأبيض في وجوه مقتحميها.. أثارهم رد الفعل الذي اعتبروه عنيف، أو غير لائق.. أمر العميد بتصويب الأسلحة نحوها.. وقفت مندهشة رافعة رأسها نحوهم لتتساءل عن ما الذي يحدث.. نامت القوات على بطونهم في أداء عسكري هجومي.. صرخ العميد في وجه المتهمة بسرعة ترك القلم من يدها.. لم تستجب.. أعاد عليها الأمر.. لم تلتفت.. وجه الإشارة المتفق عليها إلى قواته.. أنقضت القوات على فاطمة للقبض عليها بعد تكتيفها من خلاف للسيطرة عليها والتمكن من سلب القلم من يدها.
تمت العملية بنجاح بحمد الله، بعد اقتياد فاطمة ناعوت إلى محبسها في سجن القناطر بعد التمكن منها وتحريز قلمها، واستخدمت سيارات القوة في تحميل مئات الكتب التي انتشرت في أرجاء منزل المتهمة لترحيلها معها إلى محبسها، خاصة كتب كل من: ابن رشد، طه حسين، فيرجينيا وولف، فرج فودة،.. وتم ترحيل الجميع.. بينما القلم الأبيض سقط سهوًا من نافذة عربة الترحيلات أثناء لهو أحد الجنود به.. تم وضع الكتب في زنزانة مفردة لحين الفصل في الحكم عليهم، بينما انتشرت أحبار القلم على جانبي الطريق لتملأ ربوع المسكونة بقطرات أفكار وأراء لم تكتب بعد.
أستاذة فاطمة.. أستحلفك بالله ألا تعودي.. محبسك في الغربة بقدر ما به من مرارة، الا أنه ليس بمرارة محبسك في وطنك.. دعيني أنا وغيري لا نفقد ما تبقى لنا من أمل في هذا البلد.
فيليب فكري