مع من يتشاور الله؟ _ يوحنا ذهبي الفم
(********************(
"لنصنع الإنسان بحسب صورتنا" (تك 1)
فليسمع اليهودي.
لمن يتحدث الله؟ فهذا المكتوب هو لموسى، موسى الذين يقولون أنهم يصدقونه، ولكنهم في الحقيقة لا يصدقونه.
فالمسيح يقول: "لو كنتم تصدِّقون موسى لكنتم تصدقونني" (يو 5).
في الحقيقة، عندهم الكتب، ولكن عندنا الكنز الذي تتضمَّنه الكتب.
عندهم الحرف، أمّا عندنا فالحرف والروح.
إذاً، لمن قال الله: لنصنع الإنسان؟
يجيب اليهودي: أنه يتحدث إلى ملاك أو رئيس ملائكة.
حقاً، أمركم مثل عبيد يستحقون السوط: حين يوبِّخهم سيِّدهم ولا يستطيعون أن يجيبوا بلا مواربة، يعلنون كل ما يدور في فكرهم.
قال اليهودي: توجَّه الله إلى ملاك أو رئيس ملائكة.
ولكن أي نوع من الملائكة؟ أيّ نوع من رؤساء الملائكة؟ فلا سلطان للملائكة بأن يخلقوا ولا لرؤساء الملائكة بأن يُسمَّوا هذا. فحين خلق السماء والأرض، ما توجَّه إلى ملاك ولا إلى رئيس ملائكة، بل خلق كل شيء بنفسه. وحين خلق الكائن الحي الذي هو أكرم من السماء والكون كله أي الإنسان، أفيتخذ الله شريكاً له من العبيد في عمله؟!
لا، لا، ليس الأمر هكذا، لأن عمل الملائكة أن يكونوا معاونين، لا خالقين، ولرؤساء الملائكة أن يؤدُّوا السجود لا أن يكونوا مشاكرين في فكر الله وتشاوره.
واسمع ما يقول أشعيا عن القوات السرافيميّة الذين هم أسمى من رؤساء الملائكة: "رأيت السيد جالساً على عرش عال رفيع، وأذياله تملأ الهيكل. والسيرافيم وقوف حوله. لكل واحد ستة أجنحة، وبجناحين اثنين يغطي وجهه" (أش 6). وذلك لكي يحمي عينيه لأنهما لا يستطيعان تحمُّل النور الذي يجري من العرش. يقف السيرافيم لدى العرش، في إعجاب كبير وفي رعدة، وذلك حين ينظرون تنازل الله، بينما أنت تظن الملائكة يشاركون الله في فكره ويقاسمونه تفكيره؟ ليس هذا بالرأي المعقول.
ولكن من هو الذي قال له: لنصنع الإنسان؟
إنه المشير العجيب، صاحب السلطان،
الله القدير، رئيس السلام، أبو الدهر الآتي (أش 9).
ابن الله الوحيد شخصياً.
له يقول: "لنصنع الإنسان على صورتنا كشبهنا".
وما قال أيضاً "صورتي وصورتك" ولا "صورتي وصورتكم" .. بل "بحسب صورتنا"، فدلَّ هكذا أنَّ هناك صورة واحدة ومثالاً واحداً، بينما الله والملائكة ليس لهم صورة واحدة ولا تشبيه واحد. فكيف تكون صورة وشبه واحد بين السيّد وعابديه؟ ... هكذا سلطان الله وسلطان الملائكة لا يمكن أن يكون واحداً، لأنه كيف يمكن أن تكون السلطة واحدة للعبيد والسيد، للخدم ولمن يأمر؟!
المرجع: العظة الثانية للقديس يوحنا ذهبي الفم عن سفر التكوين ترجمة بولس فغالي (مجلة البيبليا 2008) + ترجمة د. جورج فرج إصدار مركز دراسات الآباء.