حنان المسيح وشعبيته
بقلم: البابا شنودة الثالث
أولا, أحب أن أهنئكم ياإخوتي وأبنائي بعيد الميلاد المجيد وببدء عام جديد, راجيا فيه للعالم كله سلاما واطمئنانا, وبخاصة لبلادنا مصر, وللشرق الأوسط, عسي الله أن يبسط رحمته علي هذه الأراضي المقدسة, ويمنح عزاء من عنده لعائلات ضحايا زلزال إيران, وضحايا الطائرة في كل من لبنان وشرم الشيخ. ويحل مشاكل بلادنا الاقتصادية, ويوقف القتال في كل من فلسطين والعراق. ويسود الحب والسلام في العالم أجمع. ويعم الفرح بعيد ميلاد السيد المسيح له المجد..
كان السيد المسيح مصدرا للحب في كل مكان, ومع كل أحد..
وماأجمل ماقيل عنه إنه كان يجول يصنع خيرا( أ ع10:38). وأنه كان يطوف كل الجليل, يعلم في مجامعهم, ويكرز ببشارة الملكوت, ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب. فذاع خبره في جميع سورية, فأحضروا إليه جميع السقماء المصابين بأمراض وأوجاع متنوعة, والمجانين والمصروعين والمفلوجين, فشفاهم. فتبعته جموع كثيرة من الجليل والعشر المدن وأورشليم واليهودية ومن عبر الأردن( مت4:23 ـ25).
هكذا كانت شعبيته: هو يذهب الي الناس, والجموع تأتي إليه
كان يدخل بيوت الناس ويختلط: دخل بيت سمعان بطرس, وبيت متي, وبيت سمعان الفريسي, وبيت زكا العشار, وبيت مريم ومرثا, وبيت مار مرقس, وبيوت أخري. وتحدث وحاور..
وكان يقابل الناس ويكلمهم: في الطريق, وعلي شاطيء البحيرة, ومن سفينة في البحر, وفي الزروع, وفي مواضع خلاء, وعلي الجبل, وعند بئر يعقوب.. ومجامع اليهود أيضا دخلها وعلم الناس فيها.. كان للكل. لقد جاء من أجل الجميع, ليخلص من قد هلك..
وكان الجماهير تتبعه بالآلاف, وكانت تزحمه أحيانا, حتي أنه في معجزة شفائه للمفلوج, لم يستطع حاملو المفلوج أن يدخلوا البيت ـ من شدة الزحام ـ ليقدموه إليه ليشفيه, فنقبوا سقف البيت ودلوه( من2).
وفي معجزة اشباع الجموع من الخمس خبزات والسمكتين, كان عدد الرجال الذين يستمعون لوعظه خمسة آلاف رجل غير النساء والأطفال( مت14:21) أي نحو عشرة آلاف, علي الرغم من أنهم كانوا في موضع خلاء.
وفي غطته علي الجبل, كانت التي تسمعه جموع من الناس..( مت5:1)
وبعد معجزة إقامة لعازر من الموت, تشاور ضده الفريسيون ورؤساء الكهنة, حانقين وقائلين هوذا العالم قد ذهب وراءه( يو12:19)
كان المسيح قلبا كبيرا عطوفا, يعطي من حنانه للكل..
كان قلبا مفتوحا للجميع. كل شخص يجد له نصيبا فيه, مهما كانت نوعية من يقابله, ومهما كان سنه, ومهما كانت حالته الاجتماعية أو ثقافته أو جهله.. إنه للكل, قلبا محبا محبوبا, يفيض حنانا وتعليما علي من يتصل به, حتي لمعارضيه, كما فعل مع سمعان الفريسي لما زاره في بيته( لو7), وكما قابل بكل عطف المرأة الخاطئة لو غسلت قدميه بدموعها في بيت ذلك الفريسي. وكما صلي من أجل صالبيه قائلا اغفر لهم ياأبتاه, لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون( لو23:34)
كان رجاء لمن ليس له رجاء, ومعينا لمن ليس له معين
أصحاب الأمراض المستعصية كانوا يجدون فيه أملهم في الشفاء. مثال ذلك العميان, وذلك الرجل المولود أعمي, فشفاه( يو9). وكذلك الأبرص والمفلوج. ومريض بيت حسدا الذي قضي في مرضه ثمانية وثلاثين سنة لايجد من يساعده علي الشفاء. هذا جاء إليه السيد المسيح بنفسه, بقلبه وحنانه, وبإدراكه لاحتياجات الإنسان.. وشفاه وجعله يحمل سريره ويمشي( يوه:1 ـ9). يضاف إلي أولئك الخرس والصم.
وماأكثر حالات شفائه للمصدوعين من الشياطين. ولعل من أشهرهم لجينون إذ كانت فيه فرقة من الشياطين مسيطرة عليه( لو8:26 ـ33). وكذلك مريم المجدلية التي كان عليها سبعة شياطين فأخرجهم منها, فتبعته كتلميذة( لو8:3).
بل كان قلبا عطوفا علي الخطاة أيضا يعتبرهم كمرضي يحتاجون الي علاج
فكان يترفق عليهم ليقتادهم الي التوبة. وقد قال في ذلك لا يحتاج الأصحاء الي طبيب بل المرضي.. إني لم آت لأدعو أبرارا بل خطاة إلي التوبة( مت9:13,12). وقال أيضا إنه يكون فرح في السماء بخاطيء واحد يتوب, أكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون إلي توبة( لو15:7).
وهكذا غفر للخاطئة التائبة الباكية في بيت سمعان الفريسي( لو7). وأنقذ من الرجم الخاطئة التي ضبطت في ذات الفعل. ولما سأله الكتبة والفريسيون في أمر رجمها, قال لهم عبارته المشهورة من كان منكم بلا خطية, فليرمها أولا بحجر( يو8:7). ولما أنقذها منهم وذهبوا, قال لها.. وأنا أيضا لا أدينك. اذهبي ولا تخطيء أيضا..
وبنفس القلب الشفوق, قاد المرأة السامرية الي التوبة, دون أن يجرح شعورها, فآمنت وذهبت تبشر به أهل السامرة( يق4)
وقص علي الناس قصة الابن الضال, وفرح الأب بعودته وتوبته, وقوله: ينبغي أن نفرح ونسر, لأن ابني هذا كان ميتا فعاش, وكان ضالا فوجد( لو32,24,15)
الخطاة الذين لم يحتملهم أحد, احتملهم السيد المسيح..
وفي حنوه أيضا أشفق علي النساء والأطفال الذين لم ينالوا تقديرا كافيا في المجتمع اليهودي..
لقد رفع من معنويات المرأة بدرجة لم تعرفها من قبل. وبعد أن شفي مريم المجدلية, جعلها كواحدة من تلاميذه. وأقام الفصح في بيت مريم أم يوحنا الملقب مرقس التي صار بيتها فيما بعد أول كنيسة( أ ع12:12). وكان يذهب أحيانا الي بيت مريم ومرثا( لو10:28). ولما مات أخوهما لعازر, ذهب الي قبره وأقامه, بل بكي أيضا حتي قالوا انظروا كيف كان يحبه( يو36,35,11).
ومن رفعه لقيمة النساء, كانت نساء كثيرات يتبعنه وكن يخدمنه من أموالهن( لو8:3)
أما الأطفال فكان المسيح يحبهم ويدافع عنهم. ويعلق إعجابه بنقاوة قلوبهم. ولكي يعطي درسا لتلاميذه, دعا طفلا وأقامه في وسطهم, وقال لهم إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد, فلن تدخلوا ملكوت السموات( مت18:3).
وقال: من أعثر أحد هؤلاء الصغار. فخير له أن يعلق في عنقه حجر الرحي ويغرق في لجة البحر( مت18:6).
وفي احدي المرات, انتهر تلاميذه بعض الأطفال عن أن يأتوا إليه. فوبخهم علي ذلك بقوله دعوا الأولاد يأتون إلي ولا تمنعوهم. لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات( مت19:14)
وفي حنو المسيح علي الكل, دافع عن الأمميين( غير اليهود) وامتدحهم
فلما رأي إيمان قائد المائة الأممي في شفاء غلامه بكلمة من المسيح, قال للذين يتبعونه الحق أقول لكم اني لم أجد ولا في اسرائيل إيمانا بمقدار هذا. وأقول لكم إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب, ويتكئون مع ابراهيم واسحق ويعقوب في ملكوت السموات, وأما بنو الملكوت فيطرحون في الظلمة الخارجية( مت8:10 ـ12)
كذلك امتدح المرأة الكنعانية في اتضاعها. وقال لها: ياامرأة, عظيم هو إيمانك( مت15:28) وشفي لها ابنتها..
كان السيد المسيح يحب الشعب, وهم يحبونه. لكن رؤساء الشعب كانوا يحسدونه ويتآمرون عليه
وكانوا لا يهتمون برعاية الشعب وقيادته. وإن قادوه يقودونه في ضلالة! ولذلك قيل عن السيد المسيح ولما رأي الجموع تحنن عليهم, إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها( مت9:36)
وكان في حنوه مستعدا أن يحمل أثقال هؤلاء الناس ويعينهم. لذلك فإنه قال لهم تعالوا الي ياجميع المتعبين والثقيلي الأحمال, وأنا أريحكم( مت11:28).
إن السيد المسيح درس عملي في حنانه وشعبيته, وفي سعيه وراء كل إنسان في ضيقة, لكي يريحه من ضيقته..
وفيما نحن نحتفل بميلاده, نسأله البركة لبلادنا وشعبنا ونصلي أن يحفظ الله مصر, ورئيسها الذي يتعب كثيرا لأجلها مع كل العاملين معه.
وكل عام وجميعكم بخير