+++ احذروا من أن نُدين بعض ونظن ظن ردئ في إخوتنا +++
+ في الواقع الروحي من جهة الخبرة فأن أصل الإدانة هو عدم المحبة، لأن المحبة هي طبيعة مـتأصلة في القديسين، لأن جذرها هو الروح القدس، لأن ثمره فينا هو الحب. والحب لا يدين الأخ، لكنه يدفع المؤمن الحي بالله لكي يدخل في شركة الجسد الواحد مع إخوته، لذلك فهم يتألمون معاً كأعضاء لبعضهم البعض، لذلك يشفق الأخ على جرح أخيه، يعضده ويسنده ويخدمه من قلبه بكل قوته.
والمسيحيين الحقيقيين بطبيعتهم حاملين حنان سيدهم ورأسهم المسيح الرب، ويعملون بكل جهدهم ويبذلون أنفسهم في صلاة وصوم، ويعملون بكل طريقة بالمحبة الحانية المترفقة في سبيل خلاص أي إنسان وكل إنسان فاجر وأثيم، حتي ينشلونه كالصيادين من الماء العكر، لذلك فأن قديسي العلي بطول الروح والمحبة يجتذبون الأخ الساقط حتي يقيموه بلطف الروح الذي فيهم بلا انتقاص أو تعيير.
+ لذلك يا إخوتي فلنحذر جداً من أن يقول أحد فينا في قلبه من جهة أي إنسان، أنه أحرص منه في الطريق الروحي، أو أكثر منه معرفة، أو أبرّ منه، أو أقدس منه، أو أمين عنه، بل علينا أن نخضع لنعمة الله، ولروح الحكمة والحب الذي ليس فيه غش، لئلا نطفي الروح القدس فينا بالعظمة ويضيع تعبنا كله وينهدم ما بنيناه لأنه مكتوب: "من يظن أنه قائم فلينظر ألا يسقط" (1كورنثوس 10: 12)
فلا يستحسن أحد أن يُدين إنسان ويحكم في الضمائر، لأن الدينونة والكذب واللعن والشرّ والشتم والاستهزاء، أو تكريم الآخرين بمبالغة مفرطة، كل هذه غريبة عن المسيحي الأصيل، فلماذا نحكم على ضمائر بعضنا البعض ونظن أننا نعرف ما في فكر الآخرين وما هي أعمالهم الخفية ونستنتج ميولهم الداخلية، ونذم فلان أو نمدح فلان ونحن لا نعرفه حق المعرفة.
فأن كنت أنا أتحدث عن الله أو أتكلم عن أي شيء – مهما ما كان هوَّ – بحرية، فلماذا غيري يحجر على رأيي ويحبس كلماتي بحجة أنه يراني ضد الحق واتكلم باطلاً، كأنه رأى ضميري وعرف خفايا قلبي ودوافعي الخفية، ويتكلم عنها ويحاول أن يهديني لطريق البرّ والتقوى واستقامة العبادة، فأن كثيرين يفعلون هذا ويتكلمون بتبكيت وتوبيخ شديد كأن ما يعرفونه هوَّ الحق الثابت، وبطبيعة الحال وحسب إعلان الكتاب المقدس: المستعجل برجليه يُخطئ...
لذلك فأن أحكامهم كلها تظل خاطئة فيرتكبون الإدانة التي بالكلام يرفضونها، أما من جهة الفعل والعمل يرتكبونها بقوة وعن قصد وإصرار، وبذلك يتعثرون في الطريق ويطفئون الروح القدس فيهم ويحزنون قلب البسطاء، وبذلك يرتكبون خطية عظيمة عن دون دراية منهم، لأن من أعثر صغار المسيح الرب فقد ارتكب جريمة عظيمة، لذلك علينا أن نستفيق من غفلتنا ونصحو للبرّ ولا نضع حجر عثرة لإخوتنا الأصاغر بسبب كبرياء قلبنا الخفي في ادعاء اننا نعرف القلوب ونفهم النفوس.
+ فلا يتألم أحدكم كقاتل، أو سارق، أو فاعل شر، أو متداخل في أمور غيره (1بطرس 4: 15)
+++ احذروا الإدانة يا إخوتي والتدخل في حياة وشئون الآخرين الخاصة، سواء الروحية أو الاجتماعية وسط هذا العالم، الله لم يطالب أحد ان يتدخل في حياة إنسان ويفرض عليه رايه أو فكره أو حتى حياته الروحية ظناً منه أنه يجعله يستقيم ويحيا لله فمثلاً:
يوجد إنسان محب للمال حينما ذهب لأبيه الروحي قال له اتخلى عن مالك لأنك متعلق به وهذا يعوقك عن الحياة الروحية، فينفذ الأخ هذا القول ويشعر أن فيه نجاته، ولكنه استعجل برجليه وجعل نفسه مرشداً للآخرين، فحينما وجد إنسان عنده أموال كثيرة طائلة بدأ يوبخه على تمسكه بالمال وأكد أنه ينبغي أن يتخلى عنه لأنه معوق لحياته الأبدية، لكنه لا يعلم أن هذا الإنسان متواضع في قلبه وماله كرسه لله وفتح مشروعات لأجل الفقراء لكي يعولهم، فالحكم على الناس من الخارج وحسب ما يتناسب معنا يورطنا في الخطية أمام الله لأننا نحكم بلا رؤية ولا معرفة حقيقية، لأن هكذا يظن كثيرين أنهم مرشدين للناس وعارفي الحق ولهم كلمة المشورة وهم مخدوعين في أنفسهم ولا يعرفون أنهم يعبثوا في حياة الآخرين ويمزقوها ويفسدوا حياتهم الروحية تماماً.
وكمثال آخر، شخص محب النت يضيع وقته كله فيه، فطول النهار والليل يضحك مع أصدقائه ويعمل على الكتابة والقراءة واللعب.. الخ، فوبخه الله في قلبه، ولما ذهب لأبيه الروحي وجهه أن النت مضيعة لوقته ولحياته الروحية، فبدأ ينتبه الأخ لهذا الخطر، ولكنه عوض أن يحيا به على المستوى الشخصي دخل على النت ليوبخ الناس ويقول لهم عوض جلوسكم على النت أعطوا وقتكم للصلاة والعبادة الحقيقية، حتى أنه وبخ شيخ كبير مملوء من كل نعمة يدخل في أوقاته الخاصة ليكتب التعليم لبناء النفس وعن طريقه تاب ناس كثيرة وعادوا لله الحي وآخرين استقامت حياتهم في البرّ حسب التقوى، لكن الأخ حكم عليه وطلب منه أنه يرحم نفسه ويتمسك بالعبادة عوض أن يخرب حياته ويضيع وقته على النت.
+ وهكذا يا إخوتي توجد أمثلة كثيرة تصادفنا كلنا في الحياة بل وفي كل مكان، توضح استعجال الإنسان وإدانته للآخرين وهو لا يعرف شيئاً قط، بل يجهل تماماً ما هو نافع وما هو ضار سواء لنفسه أم للآخرين، فاحذروا الإدانة لأنها تنبع من كبرياء النفس وضعف البصيرة الروحية، بل وتُطفئ الروح القدس فينا وتجعلنا نتعرى من نعمة الله ونفقد سلامه بل ونُدان أمامه من أفواهنا، لأن بكلامنا نتبرر وبكلامنا نُدان.