رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
6 أسرار وراء عبقرية هيكل
قبل أن أخبرك عن الأسرار الستة التى صنعت عبقرية هيكل، عندي ملاحظة أود تحريرها عن الرجل الذي غاب عن دنيانا أمس 17 فبراير 2016. هذه الملاحظة هي: لقد ولد هيكل في عام 1923، وهو عام بالغ الأهمية في تاريخنا، ففي ذلك العام أصدر المصريون أول دستور لهم في العصر الحديث، وهو العام الذي شهد ميلاد أول فرقة مسرحية على الطراز الأوروبي، وهي فرقة رمسيس التي أسسها يوسف وهبي، وهو العام الذي هبطت فيه أم كلثوم أرض القاهرة للمرة الأولى فتغيرت فنون الغناء وازدهرت، وهو العام الذي رحل فيه سيد درويش عبقري الموسيقى، بعد أن ملأ وجدان الشعب بالأنغام والأغنيات الجميلة، وهو العام الذي عرض فيه أول فيلم مصري طويل (في بلاد توت عنخ آمون). كما أن هيكل ولد بعد ثورة 1919 بأربع سنوات فقط، وهي الثورة التي انتشلت المصريين من عصور التخلف العثماني وقذفت بهم إلى بستان العصر الحديث. باختصار.. إننا لا يمكن فهم ظاهرة هيكل دون أن نعي الفترة التي تكوّن فيها عقله ووجدانه، أي عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، وهي فترة مترعة بالحيوية والنضارة والإقبال على الحياة. نأتي الآن إلى الأسرار الستة التي شُيّد فوقها الصرح (الهيكلي)، وتتمثل في الآتي: السر الأول أن الرجل امتلك عشقا كبيرًا للحياة وأدرك أنها تستحق التعامل معها بجدية، وهكذا واظب على اهتمامه بالوطن والناس حتى الرمق الأخير. والسر الثاني قدرته الفذة على تنظيم الوقت واستثماره إلى أقصى درجة حتى لا تفر منه الأيام بلا جدوى. أما السر الثالث فهو دأبه اللا نهائي ومثابرته المذهلة، فالرجل يمارس الصحافة منذ عام 1942، ويدرك تمامًا أن جوهر العمل الصحفي هو البحث عن الأخبار واللهاث خلفها من مصادرها الموثوقة، وبالفعل تمكن هيكل من عقد شبكة علاقات خارقة مع حكام ومسؤولين ومفكرين وإعلاميين وفنانين على مستوى العالم كله، وجمع آلاف الوثائق والرسائل المهمة وضمّنها في كتبه التي نشرها لتشهد على صراعات القرن العشرين وإنجازاته. (تذكر من فضلك أنه أجرى حوارًا مع أينشتاين عام 1952، أي عندما كان عمره 29 سنة فقط، وتذكر أيضا أنه كان الصحفي الوحيد الذي ظل طوال ليلة 23 يوليو من سنة 1952 مع الضباط الأحرار في مركز القيادة حتى السابعة صباحًا ليشهد سقوط الملك فاروق "على الهواء مباشرة"، رغم أنه لم يكن قد ارتبط بعبد الناصر بعد). السر الرابع في عبقرية هيكل يكمن في انحيازه الحاسم إلى التطور، وقناعته التامة في أن الشعوب التي لا تتطور يتجاوزها التاريخ، فقد وقف مع نظام يوليو ضد هشاشة النظام الملكي وفساده، ووقف مع ثورة يناير ضد جمود مبارك، ووقف مع ثورة 30 يونيو ضد مرسي وجماعته الفاشية، وانتقد نظام السيسي بحدة -مع لميس الحديدي- قبل شهرين فقط متهمًا إياه بافتقاد الرؤية، رغم أنه كان قد تجاوز 92 عامًا. ثقته المطلقة بنفسه هي السر الخامس، فالرجل يؤمن بما يعتقد أنه صحيح ويدافع عنه باستماتة، وقد خسر منصبه في رئاسة "الأهرام" عام 1974 بسبب ذلك عندما اختلف مع السادات الذي لم يتورع أن يحبسه في عام 1981 مع 1535 من كبار مثقفي ومفكري وسياسي مصر آنذاك. تبقّى لك في جعبتي السر السادس والأخير الذي أسهم في تعزيز عبقرية هيكل. هذا السر هو انكبابه على قراءة الآداب والفنون باللغة العربية فضلا عن اللغتين الإنجليزية والفرنسية، هذا الزاد الثمين من الأدب والفن هو الذي منحه المقدرة المدهشة على صياغة أفكاره ورؤاه بلغة بالغة الرشاقة والعذوبة، كما جعلته يستطيع أن يستحضر بيسر شديد أبياتًا شعرية أو مقولات شهيرة في حواراته الإعلامية إذا اقتضت الضرورة ذلك. أجل.. صنع هيكل بموهبته الفذة مكانة مرموقة لم يصل إليها أحد قبله في دنيا الصحافة والسياسة، وحقق مجدًا لا نظير له في القرن العشرين، وإذا كان هناك من اختلف معه في بعض أطروحاته فذلك من طبائع الأمور، لكن الثابت والمؤكد أن هيكل أسطورة.. أسطورة يجب أن يدرسها طلابنا في المدارس والجامعات، وأن نخلدها بوضع اسمه على شارع أو ميدان كبير في مصر المحروسة التي عشقها كا لم يعشقها رجل مثله. وداعًا يا أستاذ هيكل. هذا الخبر منقول من : التحرير |
|