الاخوانى وائل قنديل عن تغريدة الاسوانى بأنة سيذهب الى جزر القمر
"سأهاجر إلى جزر القمر، أو أي بلد بعيد، هرباً من وشّكم يا عملاء الأمن. أتمنى فعلاً".
بهذه الجملة الموجعة، اختتم الأديب ذائع الصيت عالمياً، تغريدة ألم، أطلقها أمس، رداً على خبر انتشر على نطاق واسع عن تقدمه إلى السفارة الأميركية بطلب هجرة، وأسرته، وموافقة السفارة عليه.
نفى علاء الأسواني تقديم طلب الهجرة، لكنه لم ينفِ رغبته في الانعتاق من مستنقع القبح والكراهية الذي تغوص فيه مصر، منذ صيف 2013 القائظ، بل يتمناها فعلاً.
ليس مهمّاً التذكير بأن علاء الأسواني كان ممّن ساعدوا على حفر هذا المستنقع غير الإنساني، ولن يفيد القول إنه كان ممّن دعوا الناس للقبول بهذا المصير الذي يعاني، هو شخصياً، من بؤسه وقتامته الآن.
ما يسترعي الانتباه، هنا، هو توقيت إشاعة خبر هجرة الأسواني، بعد ساعات من خطبة عبد الفتاح السيسي، التي تضمنت دعوة مشفّرة لجحيم اقتتال أهلي جديد، لمناسبة دعوات الثورة ضده في الذكرى الخامسة لثورة يناير، بما يبدو معه وكأن المقصود من ترويج الحكاية بث رسالة تحبيط وتثبيط لكل من يفكر في الخروج على السيسي، فها هو صوت ينايري من الوزن الثقيل، ووجه أدبي من الحجم الكبير، على مستوى الشهرة العالمية والمحلية، يهرب بجلده خارج البلاد، قبل أن يحل اليوم الموعود للثورة.
يريدون أن يوصلوا إلى الجموع الغفيرة التي تتطلع إلى العودة إلى الميادين رسالة مفادها بأن من أهل يناير، ذوي القدرة على التأثير، دولياً، من يسعى إلى "الفرار من الثورة"، والاكتفاء بالتفكير في حياة هادئة، ميسورة ومستقرة وآمنة، عابراً الأطلسي إلى بلاد العم سام، بغير رجعة، فالزموا مساكنكم، أيها البسطاء العاديون، غير المعروفين، لأن من كان بعضكم يعتبرهم رموزاً وأيقونات، يبرأون من المقاومة، ويطلبون السلامة، ممّا هو آت، ويهرعون إلى ركوب أول موجة تأخذهم إلى شواطئ اللافعل، وتلقي بهم إلى مرافئ الصمت، والاستقالة من المشهد في الداخل، بتعقيداته، ومعادلاته غير المفهومة، ولا بأس من إطلالة، بين حين وآخر، بتغريدةٍ في الفضاء الإلكتروني، أو مقابلة تلفزيونية، تلمّح أكثر ممّا تصرح، وتشتبه أكثر ممّا تشتبك، كما يفعل الدكتور محمد البرادعي، مثلاً.
يتمنى الأسواني الهجرة، الآن، وهو يرى رؤوس ذئاب ينايرية أخرى، تتطاير في الهواء، في سياق المرحلة الجديدة من عمر مؤسسة الانقلاب، والتي تمضي بخطى تتشابه كثيراً مع ما عرفه العراق بعد سقوط بغداد وتدميرها، فيما عُرف بعملية اجتثاث البعث، حيث تعرف مصر الآن مرحلة "اجتثاث يناير"، إنْ من خلال برلمان ينتمي، قلباً وقالباً، إلى الثورة المضادة، شخوصاً وقيماً وأخلاقيات، أو على مستوى تجريف الشارع السياسي من أية أعشاب وبذور وأشجار، من المحتمل أن تطرح غضباً جديداً، أو تساعد على نمو غضبٍ، يعافر كي لا يموت منذ عامين وستة أشهر بالتمام.
لا يشفع لعلاء الأسواني، في دولةٍ يحكمها تنظيم أو مليشيا، وليس نظاماً سياسياً، أنه لا يزال يردد أنه لم يندم على المشاركة في مسخرة الثلاثين من يونيو، ولا ينفعه، أو ينقذه من فاشيتهم الطافحة، أنه قبل أن يكتب سطراً ضد دولة السيسي، يهاجم مرسي، ويلعن "الإخوان" في عشرة أسطر.. فما دامت عملية الإقصاء التي تمارسها هذه السلطات، قد تحوّلت إلى إخصاء كامل للوعي، وإطفاء تام للعقل الجمعي، كي يقبل، راضياً وسعيداً، بكل ما تسكبه في دماغه من معلومات ملوثة، ومعتقدات وأفكار أكثر تلوثاً، عن الدين والوطن والفن، فلا مكان لعلاء الأسواني، منذ نطق كفراً بالصنم المقدس، وقال منذ عدة أشهر "أجّرت شقتي لشخص، فمزّق العقد واستولى على الشقة، استدعيت الشرطي، فطرد المستأجر، واستولى على الشقة، وسأنتزع حقي كاملاً، لم أندم على اشتراكي في 30 يونيو".
محزن أن تتضاءل أماني علاء الأسواني إلى هجرة إلى أي مكان، حتى لو جزر القمر، فراراً من وطن صار خرابة، وبلد تحوّل من مقبرة للغزاة إلى محرقة للمعارضين، باختلاف درجات معارضتهم، غير أن هذا ليس غريباً في ظل سلطةٍ كان أول ما نطقت به أنها طلبت تفويضاً بالقتل والإبادة، والإقصاء.
العربى الجديد